عِشْت يا معلِّم! / أسعد موسى عودة

عِشْت يا معلِّم! / أسعد موسى عودة

هكذا – والله – كتبتُ جُلَّ ما يلي منذ أسابيع، ووضعتُ في الدُّرج. ولكنِ الآن، وقد ذاب الثّلج وبانت حقيقة الهرج في المرج، وحيث ما عاد يُدرِكُ شهرزاد الصّباح وما عُدْتُ أُمسِكُ عن الكلام المُباح، إليكم ما حفرَتْه يد الكفاح:

 

640-42602030

على هامش معركة الانتخابات البرلمانيّة الوشيكة والشّائكة (3)

| أسعد موسى عودة |

هكذا – والله – كتبتُ جُلَّ ما يلي منذ أسابيع، ووضعتُ في الدُّرج. ولكنِ الآن، وقد ذاب الثّلج وبانت حقيقة الهرج في المرج، وحيث ما عاد يُدرِكُ شهرزاد الصّباح وما عُدْتُ أُمسِكُ عن الكلام المُباح، إليكم ما حفرَتْه يد الكفاح:

قُبيْل أو بُعيْد أو ثُنَيّ (تصغير ثِنْي: مفرد أثناء) – ما عاد أحد يعلم غير أصحاب الشّأن من “النّخبة” دون الشّعب – ما لا يُذكر من وقتٍ لا وقتَ له، لحسم الكثير في الأروقة والغرف المغلقة، ممّا دعونا إليه في مقاليْن لنا سابقيْن في الشّأن الانتخابيّ، وفي الشّأن التّرشّحيّ-التّرشيحيّ، الّذي كثيرًا ما يرشح بكثيرٍ من عهر فنّ الممكن السّياسيّ، قد تركنا القديد يستوي على النّحو الّذي نريد (Well Done). وكنّا كلّنا ثقة – ولا نزال ولن نزال – بحنكة الشّوّاء الفطريّة وفطرته المحنّكة وقدرته على صُنع الصّحيح من الطّعام المليح. ثمّ – وما أدراك ما ثمّ هذه، الّتي تفيد الاسترخاء في الزّمن – سيكون لنا حديث فصيح عن الفعل القبيح والقول غير الصّريح، وعن تحوّل الكرسيّ الجلديّ الفسيح إلى مادّة من الصَّمغ النَّقيح، تجعل القاعد عليه قاعدًا فيه – صعبٌ أن يزيح؛ لكنّه سيجدُ مَن به، يومًا، حتمًا يُطيح، إذا ما رُشق بماء ملح معنويّ في دُبْر قريح.

عذرًا قرّائي أصدقائي؛ فأنا لم “أرقَ” بعدُ إلى “مستوى” الواهمين بأنّهم “كوسموﭘـوليتيّون” (Cosmopolitans) (عالميّون لا-قوميّون أو لا-محلّيّون)، وحديثي لهم، طبعًا، لن يروق؛ فأنا وطنيّ قوميّ محلّيّ (Local Patriot) بامتياز أوّلًا، لكن ليس آخِرًا، طبعًا، فأعرف – وكم أعرف – واجب احتفائيَ الأَوْلى، قَبْلًا وبَعْدًا، بمن يستحقّ – وكم يستحقّ – من أحبّائيَ الأقربين وأصدقائيَ الخالصين المخلِصين، أترابي وأبناء ترابي، ورفاق صباي وفتوّتي وكهولتي وشبابي، أعرف الاحتفاء بهذا الفذّ، نظيف اليد، ابن البلد.

شكرًا أبا الطّيّب، الطّيّب، الأستاذ المحامي الأيمن العادل العائد، أيمن عادل عودة، على ما بذلته من جَهد (جُهد نفسيّ وبدنيّ) ولا تزال ولن تزال، لا لشيء، أوّلًا، إلّا لتثبت لنا جميعًا وتؤكّد أنّ الدّنيا “لِسّا بْخِير”، وأنّ من جَدّ وجد ومن زرع حصد، وأنّه لا يبقى في الوادي غير حجارته، وأنّ القوس ليست إلّا لباريها، وأنّه لا يصحّ إلّا الصّحيح، وإن طال المدى واختلفت موازين القوى؛ وقد اجترحتَ هذا الإنجاز البعيد الصّدى، الّذي كلّل بلوغك أشدّك – يا ابن الأربعين – بأن أعلاك رأس حَربة في ميادين الحقوق وساحات النّضال، ناطقًا باسم الأحرار وفاعلًا (وليس هذا عليك – أبا الطّيّب – بجديد)، رئيسًا لأعرق وأعمق تيّار سياسيّ عربيّ – يهوديّ لا-صِهيونيّ تقدّميّ لا-رجعيّ في هذي البلاد – هو الجبهة الدّيمقراطيّة للسّلام والمساواة، ولربّما، أيضًا (ما كان خرج الدُّخان الأبيض أو الأسود بعد، حتّى الفراغ من فعل كتابة هذي المقالة) أوّل رئيس لأوّل قائمة عربيّة شاملة مشتركة أو شبه مشتركة، أو ما قد يكون منها أو لا يكون؛ وقد نراك تتنازل عن تبوُّء هذا المنصب، أنَفَةً منك ورُقِيًّا – تخوض معترك الانتخابات البرلمانيّة الإسرائيليّة. وما سلاحُك إلّا أخلاقُك، نُبلًا وشجاعة وأصالة؛ وذكاؤك، حِلْمًا وحَصافة وفِراسة؛ ولغتُك، أدبًا وكِياسة وتحضّرًا وثقافة؛ وحبُّك أهلَك وشعبَك وأرضَك ووطنَك وأمّتَك؛ وحرصُك على إنسانيّتك، فهنيئًا لك وهنيئًا لنا بك. وعشمنا أن تنقل “عدوى” كلّ ما تقدّم من “أعراض” كينونتك ومشاعل برنامَجك إلى مَن هم حولك، وإلى مَن هم حول مَن حولك، ثمّ الأبعد فالأبعد؛ فالنّاس – كما تعلم صديقي – على دين ملوكهم. فتقدّم أيْ أخي تقدّم، فكلّ سماءٍ فوقك سلّم، وكلّ أرضٍ تحتك مَغنم. ولا تنسَ – بين الفينة والأخرى وفيهما – أن تنظر إلى خلفك شَزْرًا، إلى أيّ يد غدر قاصرة جبانة متخلّفة وراءك. هذا “ولا تجعل الشّورى عليك غَضاضةً / فإنّ الخَوافي قوّة للقَوادم”، وهكذا أنت، وإنّنا لنُحبّك بجدارة، بما أوتينا من صدق وطيبة وحرارة، فاحرص صديقي.

هذا – أيّها الأحبّة – وفي سياق أبدًا متّصل – في تعليق على مقاليَ السّابق، كتب لي أحد الأعزّة: “مطالَبون نحن بأن نهبّ بقَدّنا وقديدنا أم بقضّنا وقضيضنا؟ مقالك رائع أيّها العزيز أسعد. جاء في “المعجم الوسيط” ما يلي: يقال: جاء القوم بقضّهم وقضيضهم، وجاءوا قضّهم وقضيضهم، وأتوني قضّهم بقضيضهم، ومررت بهم قضّهم بقضيضهم: جميعهم ينقضّ آخرهم على أوّلهم: يندفع، أو جميعهم الكبار منهم والصّغار، لم يتخلّف منهم أحد، لأنّ القضّ الحصى الكبار، والقضيض الحصى الصّغار (المعجم الوسيط – ص. 742) أدامك الله حارسًا أمينًا للغّة القوميّة.”

فأجبت: “لصديقيَ الحيفاويّ العزيز أقول شكرًا على إطرائك وملحوظتك القيّمة. ولكن هذا على فرض أنّني قصدت معنى تلك الكناية (من القضّ والقضيض) الّتي تفضّلت ولفتّني إليها. فلاحظ، مثلًا، أنّني قلت “جَنْي القتاد” ولم أقُلْ “خَرْط القتاد”، وإنّما قمت بذلك قاصدًا معنًى دلاليًّا آخرَ أبعد، علمًا أنّ الكناية اللّغويّة الكلاسيكيّة هي “خَرْط القتاد” الّتي معناها معروف لك طبعًا، ولكنّه غير المعنى الّذي ذهبتُ إليه. والشّيء نفسه حصل بالنّسبة إلى موضوع ملحوظتك، حيث لم أرِد معنى الكناية الّتي تفضّلت بها، فاخترتُ ما اخترتُه من لفظ أو لفظين متزامنين في سياق لغويّ موسيقيّ خاصّ، قاصدًا أن يؤدّيا معنًى دلاليًّا غير ما تفيده كناية “القضّ والقضيض”، كلّ على حِدَةٍ أو معًا باجتماعهما إلى كناية؛ فللقدّ وللقديد معانٍ، أيضًا، كما للقضّ وللقضيض معانٍ، طبعًا، ومعاني القدّ والقديد هي الّتي ابتغيتها في هذا السّياق، ليس إلّا. ولا يسعني – في الأخير – إلّا أن أكرّر شكريَ الجزيل لك!”

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>