المرأة في لوحات أيمن عيسى / منذر جوابرة

المرأة في لوحات أيمن عيسى / منذر جوابرة

تبتعد أشكال الفنان المرسومة عن الشهوة والرغبة التي تُسقط جزافًا على المرأة المرسومة في العمل الفني، ويتناولها الفنان كمفردة تعبيرية توحي بالأمومة والخصوبة، هي أشكال ممتلئة، تعبر أكثر عن نضج الجسد، وتحرره من الإهتمام الشكلي إلى الإهتمام الروحي والأنثوي.

ayman

| منذر جوابرة* | 

اختتم في “جاليري وان” في رام الله، يوم السبت، 20 كانون الأول/ ديسمبر، المعرض الفنّي “جسد” للفنان الفلسطيني، ابن غزّة، أيمن عيسى،حيث قدم من خلاله مجموعة أعمال فنية مرسومة بتقنية الألوان الزيتية على قماش، للوحات بأحجام كبيرة ومتوسطة.

مقدمة

لم ينتهِ الإهتمام بالجسد في شتى الفنون بالرغم من الاشتغال المكثف مرورًا بعصر النهضة الذي يُعد باكورة الإنتاج وإستحضاره بغالبية الأعمال الفنية، واعتماد الجسد كنقطة مركزية للعمل الفني، كما هو عند مايكل آنجلو، وليوناردو دافنشي، نيكولا بيسانو، مازاتشو وغيرهم، وفي حين بدأ تكسير الجسد وتجريده من قيمه الجمالية التي رسخها اليونانيين والرومانيين بعد ظهور المدارس الفنية كالتعبيرية والتكعيبية، كما عند بيكاسو، إلا أن عودته كموضوع جديد ومتجدد بقي حاضرًا، يحاول الظهور بين كل مرحلة وأخرى كموضوع معاصر يُسجل حضوره بقوة وشراسة بعد فترة من التجريب والبحث في نطاق آخر، يصب في غالبه بمصلحة الإنسان، وإن كان بشكلٍ بعيد عن المباشرة.

ويساعد البحث عن مفاهيم الجمال، التي تختلف من ثقافة لأخرى، ومن عصر إلى آخر، بالاشتغال على الجسد وبأشكال عدة، تزيح عن كاهلها العبء السياسي والإقتصادي الذي يعمل الفن على استثارتها والتساؤل الدائم عن إشكاليتها وماهيتها مع الإنسان.

 ولعلّ “الجسد” موضوع دائم السؤال عبر اشتغال العديد من الفنانين له وعبر كافة تنوعهم التجريبي، لكن الموضوع دائم التجديد في علاقته الإنسانية المباشرة واقترابه من الروح الإنسانية التي تجتاز المؤثرات الخارجية من ظروف محيطة تدفعه للعمل تحت تأثيرها، وتبقى العلاقة قائمة على البحث في جماليات الجسد لا سيما حينما يتعلق الموضوع بالمرأة، كرمز إنساني خصب يتجانس مع الأرض وما حملته من رموز عبر التاريخ، كعشتار البابلية، وإنانا السومرية، وعشاروت وأفروديت.

ayman1

تجسيد المرأة في الفن الفلسطيني

لم يسجل الجسد حضورًا واسعًا في الفن الفلسطيني كقيمة جمالية بمعزل عن بعدها السياسي، بل جُرد الجسد من قيمته الجمالية على حساب القيمة السياسية، وَوُظف كمفردات تتعلق بالوطن والنضال لدى العديد من الفنانين، وتم التعامل معه كرمزية ترتبط بالأرض كما عند سليمان منصور، وبالعائلة والمكان تمثلت في العديد من لوحات نبيل عناني. وناجي العلي الذي شكل نموذجًا كاريكاتوريًا خاصًا في نقد الواقع وتقديمه بطريقة هزيلة ودراماتيكية في غالب الأحيان، مستخدم المرأة كمفردة قوية تمثل الوطن والأم.

ولعل أكثر التجارب التي تجاوزت هذا المعنى المكاني والوطني السياسي في بعض ما قدمته من نماذج لدى الفنانين: حسني رضوان الذي اشتغل على رسم الخط الجسدي بأسلوب يمتاز ما بين التعبيرية والواقعية في بعض أعماله خارج إطار اللوحة، وكذلك محمد صالح خليل الذي قدم معرضه ” هندسة الجسد” في العام 2008، وقدم نساء عاريات مثلت جرأة تُعد الأولى من نوعها بفلسطين.

ومن جيل الشباب، يعتبر أيمن عيسى صاحب أيقونة المرأة المنتفخة، قدمها في السنوات الأربع الأخيرة بطريقة تبتعد عن السياق السياسي.

ayman2

مقاربة

من خلال معرضه “جسد”، يقدم الفنان أيمن عيسى نموذجًا جماليًا و”ديكوراتيًا” يكسر الخط الفني السياسي، ويبحث في مادة الإنسان والمرأة تحديدًا التي تم التعامل معها في سياق سياسي عند غيره، دون الأخذ بالمفهوم الجمالي البحت في هذا الموضوع، وتأتي الأعمال عند عيسى أكثر منتفخة، كما عند الفنان الكولمبي  فرناندو بوتيرو 1932، بحيث تقترب المسافة بينهما في تناول شكل الأجساد المنتفخة والكاريكاتورية، وبالرغم من هذا التميز النافر للوهلة الأولى، إلا أنه أستطاع أن يكسر هذا الجمود “المنتفخ” ويتحول الجسد لخطوط تتمايل وتنحني بطريقة توحي بالانسجام والانحناء الرشيق الذي يساعد على تذوق الشكل بطريقة أكثر جمالية وتناغمًا. توحي بحركة دائرية وما تحمله من رمزية الديمومة، بحيث تساعد العين على التحرك المستمر والبقاء في داخل اللوحة.

تبتعد أشكال الفنان المرسومة عن الشهوة والرغبة التي تُسقط جزافًا على المرأة المرسومة في العمل الفني، ويتناولها الفنان كمفردة تعبيرية توحي بالأمومة والخصوبة، هي أشكال ممتلئة، تعبر أكثر عن نضج الجسد، وتحرره من الإهتمام الشكلي إلى الإهتمام الروحي والأنثوي للإبن والزوج، تمنح بعض الحنان والدفئ في مشاهدتها، وكأنها صُورت وألتُقطت في مكان خاص كغرفة النوم، أو لحظة تجانس مع العائلة التي تحاول أن تعيش لحظاتها الخاصة، بعيدة عن التصنع أو مراقبة الجسد، هو تحرر من العين والصديق الغريبة، وإلتفاف وإلتحام مع الذات في حالة همس داخلي.

فبروز الصدر أو الأطراف وغيرها من الأعضاء الأنثوية لا توحي بهذا الشبق، بقدر ما تعمل على مواجهة لتفاصيل المرأة التي تحاول أن تختبئ بطريقة فاشلة، وتعلن وجودها كعضو إنساني يثبت وجوده العضوي والفاعل في منح الحياة تألقًا وحيوية.

ayman4

اللون عند أيمن عيسى

تميزت أعمال أيمن عيسى بشحوبها اللوني، وافتقارها للألوان الزاهية، أو الجرأة اللونية التي ميزت أعماله السابقة، والتي استعمل بها الألوان الصارخة والمباشرة. وربما هذه نقطة قوة؛ أن يسيطر الفنان على أشكاله وعناصره بشكل أعمق، بدل التلاعب اللوني أحيانًا والذي يأتي كحالة بذخ يحاول البعض من خلاله التحايل على قيمة العمل الفني بالتلوين الزائد عن حاجته، والذي قد يأتي في غير محله، فقد تنوعت أعماله بالميول للإزرقاق، والضباب المعتم، الذي يُسقط عن العمل قوته الموضوعية ويحيل المشاهد لقوة الخط التي تسيطر على أشكاله.

 يراهن الفنان أيمن عيسى على حضور أعماله في المشهد الفني الفلسطيني، عبر ما يقدمه من موضوع المرأة، وبالرغم من تكرار عناصره إلا أنها لا زالت تحتمل البحث والتجديد، وربما هذا ما ننتظره بأعماله المستقبلية التي تفتح الباب أكثر لفهم أبعاد أعماله ووضعها كأيقونة راسخة لشكل مختلف من حيث الموضوع والشكل، وتحريك عناصره وتحويرها في فضاء اللوحة.

أيمن عيسى (1974) غزة، خريج كلية الفنون- جامعة النجاح الوطنية (1999)، قدم مجموعة من المعارض الشخصية كان آخرها دلالة 2009، وقد شارك في العديد من المعارض الدولية، أنجز أعماله الأخيرة في الإقامة بمدينة الفنانين- باريس بمنحة من مؤسسة عبد المحسن القطان 2014.

*فنان تشكيلي فلسطيني، بيت لحم.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>