هي المؤامرة إذاً/ تامر مصالحة

لا يهم من هي الجهة المسؤولة! فالمؤامرة هي المؤامرة! يجب أن نخافها وأن نصم آذاننا عنها لأنّ المؤامرة أشد قتلاً وبلاء، حتى لو أظهر الواقع عكس هذا بجلاء!

هي المؤامرة إذاً/ تامر مصالحة

..

|تامر مصالحة|

تامر مصالحة

هي المؤامرة إذاً يا هذا! حفظك الله من نارها ولظاها! ووقاك من الوقوع في زيفها وشراكها! قد لا تراها بعينيك وقد لا تتفق مع ما تبصره بعقلك وبصيرتك، لن ترى جندها وعملاءها، ولن تفقه خططتها وحساباتها، ولن تفهم أهدافها وأبعادها ما كان جلياً منها وما قد خفا! الظاهر منها والباطن! وما قد بَعُدَ أو قَرُب! فأنت غير قادر على فهم الفرق بين المؤامرة والثورة! وإن كنت تعتمد في تصنيفك وحكمك على الواقع بالسّؤال عن إرادة الشعب، ونبض الشارع ووجهة التاريخ، فمهلاً! مهلا؛ لا تطش جهلاً… ولا تتعجل يا هذا! فوالله إنّ الأخذ بإرادة الشعب هو لمن الموبقات وهو عملٌ لا يقدم عليه إلا السفهاء وأتباعهم من العامة الدهماء. وهو عملٌ سنحاسب ونعاقب عليه جميعاً؛ فالشعب كما التاريخ يحكمه القائد وسيف النظام وأقلامه من وحدات الموت واتجار والمثقفين، ونبض الشارع ما هو إلا نبضٌ قد تخرسه رصاصة أو اثنتان.

الشعب يا هذا هو كما كلمة حق قد يراد بها حقٌ وقد يراد بها باطل، والحق لا يكون حقاً إذا وُصِمَ بالمؤامرة أو خرج عن طوع صاحب الأمر أو هتف ضد من يتقنع بالممانعة.

قد يكون الشعب شعباً حينًا، وقد يكون الشعب مُندساً! أراك وجمت يا هذا وعقدت حاجبيك- ليس الذنب ذنبي! هذه هي طباع المؤامرات حفظك الله، تخلط فيها عند المرء الحقائق والأوراق، فحماية الشعب تصبح تدخلاً أجنبياً، والحرية تصبح مؤامرةً صهيونية أو غربية أو أمريكية أو طائفية أو أسلامية أو جميعها سوياً! لا يهم من هي الجهة المسؤولة! فالمؤامرة هي المؤامرة! يجب أن نخافها وأن نصم آذاننا عنها لأنّ المؤامرة أشد قتلاً وبلاء، حتى لو أظهر الواقع عكس هذا بجلاء!

هي المؤامرة إذًا! حفظنا الله من شرها!

لكن ومن رحمة ربك بالعباد ولنا في رحمة الله العديد العديد من الآيات، أنه أنزل لنا بطبقةٍ من القوميين واليساريين والإسلاميين هم رحمةُ للعالمين أو قلْ للحكام الممانعين! قد اصطفاهم الله وفضلهم على العالمين بأن خلقهم أصحاب غلظة في القلوب والعقول، ووهبهم أنفاً شديد الحساسية والممانعة، كقلوبهم التي لا ترى الظلم إلا إذا اتفق مع ولائهم الحزبي ومنشورهم الأيدلوجي وحساباتهم السياسية الضيقة. تلك الأنوف الربانية قادرةً على اشتمام المؤامرة عبر شلالات الدماء ورائحة رعب الأبرياء وصرخات المستضعفين، لتصل وتكشف لنا عن المندسين والمتآمرين! فوراء كل جثة مزقها النظام مؤامرة! ووراء كل أمٍّ ثكلى دولة أجنبية مستكبرة! ووراء كل سجينٍ عذبه جيش دولتنا الممانعة ومخابراتها، خدعة هوليودية! ووراء كل مطالبٍ بالحرية أهدافٌ أجنبية! ووراء كل هاتفٍ بإسقاط النظام أجندة استعمارية أو إمبريالية أو صليبية! لا لبكٌ عند هذه الأنوف ولا شكوك! وهي القادرة على اشتمام رائحة المؤامرة من بعد ميل، مهما علت رائحة الدم والجثث المتفسخة.

ومن مكر ربك بالغرب والانهزاميين من المثقفين العرب وسواد شعوبنا العربية التي لا يقام لذكائها اعتبار؛ أنّ الله أنزل نعمته هذه على جميع الأحزاب والتحزبات وهو تخطى في ذلك سبحانه الفوارق الأيديولوجية والثوابت العقائدية، هدفه في هذا أن يأتي لكل نبيٍ منهم بأمة! ولكل جيفةٍ حزبية برمة! هم إذاً حِصنِنَا الحصين ضد المؤامرة، هم قلعتنا الأخيرة من على صخرة الممانعة. يفنى المواطنون ويبقى الوطن! ويفنى البشر تحت الظلم والعدوان والقهر والفقر من أجل العقيدة، التي نشرها مثقف الحزب في الجريدة، فهذا قال إنها مؤامرة امبريالية، وآخر قال إنها مؤامرة صهيونية، وثالثٌ قال إنها سلفية، ورابعٌ قال إنها قطرية، وخامسهم قال إنها أمريكية. فالبشر بنظرهم أحجار تحرّكها يد الروم والمحطات الفضائية، ثم تُختتم مقالتهم هذه بنبرة وطنية تذكر بالخطر الخارجي المحدق بأمتنا العربية، ومن تفتت الأقطار والهوية وتدعو الضحية لحوار القاتل بلا دية، لبدء مسيرتنا الإصلاحية من على جثث درعا ودير الزور وحمص وحماة والشام وغيرها من أقطار سوريا الدامية، لا سؤال ولا حساب ولا قصاص! أولا يكون إصلاح الدار بالحساب والقصاص؟ ألهذه الدرجة رخيصة هي دمائنا؟ أم أنّ خطر الغرب أنكى من كل المذابح التي ترتكبها أنظمة الممانعة، فالنزاع مع الغرب هو لب القضية؟

لكنني أسألكم بالله عليكم، أليس خطر أنظمتنا القمعية هو لب القضية؟ أليست هي من جعلتنا لقمةً سائغةً للمصالح الأجنبية؟ هل يكون وطنٌ ممانعٌ هذا الوطن الذي يذل أبناءه وبناته كأنهم متاع القائد وجزء من حظيرته العائلية؟ وهل يهم إن قصفت مدننا طائرات العدو أو طائراتنا الوطنية، لكي نصرخ بالقاتل بأنه قاتل؟ ألم يحن الوقت لكي نصرخ كفا للأنظمة المستبدة باسم العروبة والإسلام والعشيرة والممانعة والتاريخ والهوية؟ أم هي الانتقائية الحزبية والعقائدية التي تجعل بعضًا من أحزابنا ورموزنا تجلس بخندقٍ أخلاقيٍ واحدٍ مع شبيحة القائد الممانع، والخروج على شبيحة القائد المهادن المهاود؟ هل هنالك فرقٌ بأيّ عذرٍ تستباح حرم الناس ودماؤها؟ هل هنالك فرقٌ بأي عقيدةٍ أو سياسةٍ تكفف أفواه الناس وتسلب منهم الحرية؟

فلتكن المؤامرة إذا!

فإن كان هذا هو الوطن فلا نريده، وان كان هذا هو خيار الممانعة الوحيد المتاح أمامنا فلا حاجة لها، وان كان هذا هو وجه العروبة أو الاشتراكية أو الإسلام الوحيد الذي يطل علينا من مرآة روحكم الأخلاقية فاللهم اشهد بأننا أبرياء من أصحاب الوجوه والمرآة!

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. إستكانتنا ،تقاعسنا وتقصيرنا في تعاملنا مع قضايانا ، تستوجب منا على الأقل عدم التنظير الزائذ الذي يتعدى رأينا في حرية الشعوب ، ونتحول بالأخير الى أساتذة في الممارسة الديمقراطية المتنورة !!! بلدياتنا ومجالسنا المحلية هي المثال الأكبر على حرية الأحرار المتنورين !!؟ يعني خلونا نتواضع شوي ، ونعمل عل حل قضايانا ، وما أكثرها !!

  2. أودّ التعليق بأنّ اسلوب الكاتب جميل جدّا ولكنك تحدّثت عن المؤامرة فلماذا لا تنظر الى المؤامرة ككل وتعيها من جميع جوانبها !!
    ان سوريا تقع تحت مؤامرة كبيرة ووسائل الإعلام هي أداة هامة لترسيخ أفكار ومشاهد مخطؤة ومفبركة على يد المتامرين
    حسب رأي من يقوم بكل هذا القتل والذبح ليس الرئيس السوري انمى المندسّين المتامرين الاجانب الأوغاد 
    وان نظرتك للشعب ظالمة بعض الشيء

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>