الدراما السورية في رمضان: من سيغفر لمن؟/ راجي بطحيش

سجنت هذه الأعمال نفسها في قوقعة دمشقية إشكالية بحجة نقاش قضايا الطبقة البرجوازية الوسطى، وكانت النتيجة مجموعة من المشاهد الرتيبة وآلاف الحوارات على شاشة صبغتها الصدفة أو ليس الصدفة بلون دماء ضحايا حماة ودير الزور ودرعا

الدراما السورية في رمضان: من سيغفر لمن؟/ راجي بطحيش

|راجي بطحيش|

تظهر الممثلة الجميلة والموهوبة سلافة معمار طيلة مشاهد “الغفران”. هي التي تقدم لنا في كل موسم رمضاني قنبلة مجلجلة تثير نقاشا عميقا بحق؛ فهي قدمت قبل عامين “زمن العار” وفي العام الماضي “ما ملكت إيمانكم” و”تخت شرقي”، ولكن في هذا الموسم المسلسلاتي تختلف الصورة تمامًا. تجلس هي وأختها التي تدرس الطبّ في غرفة طفولتيهما التي لم تتغير أسرتها الضيقة منذ دهر وتحدثها عن مفهوم الصداقة وحتميتها بين الزوجين. فهي بحاجة لرجل صديق وليس لرجل بعل ولذلك ستتنازل عن المقدّم والمؤخر والمهر لأنها ليست سلعة للبيع ثم تردد نفس الكلام لصديقتها في مقهى. أما في الأسفل فيظهر الشريط الإخباري على شاشة قناة “الدنيا” المشاركة في الجريمة، جريمة العصر: الهدوء يعود لمدينة حماة تدريجيا… العصابات الإرهابية تقطع الطرق في دير الزور وتقتل عناصر أمنية… الأسد يقول إننا سنواصل ملاحقة العناصر الإرهابية… طرائف من العالم: امرأة يابانية تجهز أكبر سوشي بالعالم…

بالعودة إلى مسلسل “الغفران”. أسهل ما يمكن فعله في مسلسل صالح للعرض لـ 5 حلقات على الأكثر هو أن يجلس الممثلون في المقاهي ويثرثروا بلا توقف ويكرروا نفس جمل الحوار ثم يبذر المخرج بعض الدقائق أثناء تأمل الأبطال العاشقين السقف ودائما على سرير ضيق لم يتغير منذ الطفولة وأب عنيف يقف على عتبة الغرفة بحوار جاهز من “باب الحارة”، وهو لا يتوقف عن ذكر الله ورسوله، وكذا أم غبية لا تتفوه بجملة مفيدة واحدة لا تبعص الكيف. يجلس باسل خياط مرة أخرى في مقهى دمشقي “مودرن” قبالة سلافة معمار وها هي تكرّر أمامه أمثولة “كن صديقي”، ولكن بأسلوب الكتابة السورية بالدراما: الواقعية/ المتفذلكة.

تأخذ الكاميرا وجه باسل خياط عن قرب لتظهر لا تعبير هو أقرب إلى التوحد منه إلى الرصانة: “أكره الرجال الذين يختبئون وراء كذبة الإتزان والصمت والخجل لكي يخفوا غبائهم وفراغ مخيلتهم”. يتفاجأ باسل خياط من “جرأة” سلافة معمار ويظن سيء النية مثلي أنها طلبت منه أن يتضاجعا قبل الزواج كي لا يُصدم أحدهما بما لا تحمد عقباه. فمن حقها أن تعرف قبل أن تتورط حجم قضيب زوجها العتيد مع أنه لا يبدو أنّ باسل خياط يعاني مشكلة تتعلق بهذا الموضوع الحيوي الهام.

الحلقة التاسعة من مسلسل “الغفران” ونحن لا زلنا لا نعرف “الغفران” على ماذا. من سيغفر لمن وعلى ماذا.. هل سيكتشف باسل مثلا أنها ليست عذراء؟ قديمة!

يتوالى شريط الأخبار أسفل الشاشة: سوريا في طريقها للتخلص من الفتنة… بثينة شعبان تقول: طز عتركيا وعالسعودية كمان… سوريا ستتغلب على هول المؤامرة… منوّعات: وفاة مارلين مونرو الشرق هند رستم… فاصل إعلاني… مشاهد من أجواء حمص في رمضان… الجميع يلهون في السّاحات العامة بسعادة غامرة ويشترون المرطبات والمخللات المحفوظة بأكياس بدرجة حرارة 70. تدخل والدة سلافة –تلك الممثلة المشهورة بولولتها المزمنة التي تحطم أعصابي وتبدأ وصلة التأنيب الإتهامية حول تحرر الفتاة الذي لا يطاق. ثم تنتهي الحلقة من دون أي “أورجزيم” درامي يذكر. ليستمر توالي الأكاذيب أسفل الشاشة…

غابت هذه السنة المسلسلات السورية الصادمة نسبيا والتي حاولت أن تخوض في السنوات الأخيرة بمواضيع حساسة كالفساد ومفهوم الشرف ونقد المجتمع الذكوري/الأبوي وعشوائيات المدينة الكبرى والسلفية وغيرها لتحل محلها وليس بالصدفة أعمال “ناعمة” تحاول أن تحجب المشهدية الدموية المتسللة إلينا عبر حنفيات منازلنا وتندرج هذه الأعمال والتي تحمل أسماء  إخراجية وكتابية وتمثيلية هامة تحت فئة الدراما الاجتماعية وأهمها إضافة إلى “الغفران”: “جلسات نسائية” الذي يسجل تراجعًا مخيفا في مساحة البوح النسائي (المتردد أصلا) على الشاشة العربية وهو ولغاية الآن عبارة عن ثرثرة لا تنتهي ولا تخوض في أيّ موضوع هام أو جديد حيث تراوح الأحداث مكانها وببساطة لا يحدث أي شيء؛ أما العمل الثاني فهو “العشق الحرام” الذي من المفترض أن يناقش قضية حبّ المحارم ولكنه حتى الآن عبارة عن غابة من المشاهد لا تفضي إلى شيء حيث تظهر الشخصيات وتختفي لحلقات من دون أي تبرير درامي ثم تعود بمبنى شخصية مختلف ومرة أخرى يتم الالتفاف حول مشاكل اجتماعية لا نفهم ما هي، بينما يقوم المخرج في نهاية كل حلقة بالإيحاء المبتذل لقضية المحارم ليتم تجاهل ذلك في الحلقة التالية.

سجنت هذه الأعمال نفسها في غيبوبة أو فلنقل في قوقعة دمشقية إشكالية بحجة نقاش قضايا الطبقة البرجوازية الوسطى وكانت النتيجة مجموعة من المشاهد الرتيبة وآلاف الحوارات ووصلات الثرثرة المتفذلكة في مقاهٍ عصرية لا تنتهي على شاشة صبغتها الصدفة أو ليس الصدفة بلون دماء ضحايا حماة ودير الزور ودرعا.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

8 تعقيبات

  1. مقالة لا ترقى إلى مستوى النقد الأدبي. أتمنى فعلاً لو لم أقرأها.

  2. مين قلك هاي قضايا الطبقات البرجوازية السورية !! يعني بس بدكو تكتبو و تنقضو لمجرد النقض ؟
    مقالك خاااوي و دمو تقيل

  3. “أكره الرجال الذين يختبئون وراء كذبة الإتزان والصمت والخجل لكي يخفوا غبائهم وفراغ مخيلتهم”

    وأنا معك

  4. 1- المهم في الاخر التهجم على النظام !

    2- كم عرعور بعد عندكو في قديتا ؟؟؟

    3- هل شاهدت مسلسل الخربة ؟؟!!!

  5. ربما بطء الاحداث في المسلسل هي ماتجعلنا نراه مملا ، لكن علينا ان لا نتخيل الفنانين من كوكب آخر ، فهم يعيشون وسط الدماء والمجازر التي تعيشها الدول العربية ، وليسوا تحت أضواء هوليود المرفهة ، فأثرت الاحداث على المبدعين والكتاب حتى انتجوا لنا دراما هزيلة مقارنة مع الاعوام السابقة

  6. احدر الولادة من الخاصرة، جامد.

  7. قد أوافقك الرأي بشأن عدم رقيّ مستوى مسلسل “الغفران” أو “جلسات نسائية”، لكن طبعًا ليس بهذا التحليل الساذج الذي لا يقترب لأن يكون نقدًا دراميًا.
    ولا يمكنك تعميم النقد على كل الأعمال الدراميّة من خلال عملين فقط. هل شاهدت مثلا “ولادة من الخاصرة”، أو “سوق الورق”؟ حيث يتحدّث الأول عن الأحياء الدمشقية الفقيرة، عن ذكورية العائلات وفساد رجال الأمن.. أما الثاني فيعالج أوضاع الجامعات السورية بعلّاتها ومشاكلها وفسادها، إضافة إلى المشاكل الزوجية والأسرية وحياة الشباب السوري (الغني على وجه الخصوص).

  8. في كل عام هناك من يتفاجئ من جديد !! فمنذ أعوام لم يُعرض أي عمل درامي أو سينمائي يستحق المتابعة …والحقيقة التي يعلمها (ويجهلها معظم الناس )النقاد والباحثون أن سبب هذا التردّي يعود الى سيطرة مال الخليج الأسود على الأنتاج الثقافي الفني العربي !!وهو لا يساهم في هيمنته هذه الا في تمييع وتسخيف و “تتفيه” أي عمل ليتلائم مع رؤيته العامة !!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>