إلى تل أبيب خذوني معكم/ فراس خوري

محتلي مضغَ لي يافا.. بصق على حيفا.. بال فوق عكا.. أعتم صفد وكنس الجليل.. مسح اللد والرملة ومشط الساحل.. خنق الناصرة وابتلع القدس! لكنه يريد أن يحرّر لي طوباس

إلى تل أبيب خذوني معكم/ فراس خوري

.

|فراس خوري|

أنا ومحتلي نركب القطار سوية؛ عذراً أقول له مبتسماً طالباً الجلوس على الكرسي الشاغر بجانبه.

محتلي يدخلني بكل لباقة.. مبتسمًا. أنزل من القطار. محتلي يقدم لي القهوة ووجبة الغداء في المطعم.

يسألني محتلي: “هل تحتاج شيئًا آخر؟”… “لا” أقول له مبتسماً. يبتسم محتلي ويتراجع لئلا يزعجني بثانية أخرى يقضيها فوق مائدتي.

يرنّ هاتفي, محتلي يكلمني عبر الهاتف: ”هل يمكن أن أعرض عليك بعض منتجاتنا؟”

“عذرًا، فلا وقت لديّ.”

“نهارك سعيد”… يبتسم.

“ونهارك أيضًا”… أبتسم.

أترك المطعم متّجها نحو المصرف المجاور. تستوقفني سيارة محتلي الذي يسألني كيف بإمكانه أن يصل إلى الشارع المحتَل على اسم قائد احتلال. أفكر, أختار كلماتي بلغة الاحتلال وأرشده. يشكرني محتلي ويبتسم- أبتسم.

أدخل المصرف. محتلي يقرأ صحيفة الاحتلال المُدينة لدم الأبرياء بجانبي في المصرف. تلتقي عيوننا صدفةً، فيبتسم ليبدو مستبقاً ذاك الحرج العبثيّ. أبتسم “باك” وانتظر الشاشة لتعلن دوري. محتلي يصرف لي شيكاً اخذته من محتلي بعد أن خُصم منه نسبة مئوية لجيش محتلي ثم يدخل النقود في حسابي (حساب محتلي). أشكره وأبتسم, فيبتسم هو.

أدخل جامعة محتلي الكبيرة لتسكير دين عمره بضع سنوات. إنه يوم افتتاح السنة الدراسية ومحتلي فرحان: محتلي يلهو.. محتلي يرقص.. محتلي يغني.. محتلي يقفز.. محتلي يحلّق!

“أنا ومحتلي بجنينة والورد مخيّم علينا.”

أتصل بمحتلي, أريد أن نلتقي. محتلي جميلٌ عذبٌ. لمحتلي شفتان ككرز جوّلاني مرطبٍ بالندى, وثديان لايحوّل ناظري عنهما غيرُ تكوّرِ الرّدفين -ردفي محتلي-. نلتقي عند مخدع محتلي, محتلي يقبلني, أضاجع محتلي, محتلي “يخلّص״ فـ “أخلص”، أنا ومحتلي للتوّ “خلّصنا” (مع بعض!).

في تاكسيه في طريقي إلى حفلة يسألني محتلي: “هل أشغّل العداد؟”.. “نعم” أجيب وأبتسم. “ثلاثون شاقلا, ملائم؟!” يسأل ولا يبتسم. أقول “حسناً”- أقلده فلا أبتسم.

مع محتلي ثلاثون شاقلا, لا عدّاد عند محتلي, محتلي يكره العد, محتلي يبغض التاريخ!

ها نحن الآن…

انا ومحتلي نحتفل في نفس المكان, محتلي يرفع لي كأسه عالياً حين يمرّ بجانبي ثملاً عند طابور الحمام:

“كل عام وانت بخير” يقول بصوتٍ يستطيع أن يخترق ضجيج الموسيقى. “كل عام وأنت بخير” أردّ مبتسمًا.

 مع محتلي كأسٌ وعيد.. لا عدّاد عند محتلي, محتلي يكره العدّ, محتلي يبغض التاريخ!

محتلي يصطادني قبيل الفجر بين ثنايا الكأس الأخيرة في بار الختام, يريد أن يكلمني بالسّياسة.

محتلي “اليساري” يكرهني بلطفٍ وأنا أكرهه بسَأمٍ.. محتلي سيّدي الذي يشعر بالذنب جراء مكانته فيحاول التحبب بأشدّ الطرق ابتذالاً.. ويبتسم. لا حول بي.. بسأمٍ أبَدْي.. أبتسم.

يكلمني عن حبه الصادق لحواشي ثقافتي والتزامه بحلّ الدولتين. محتلي مضغَ لي يافا.. بصق على حيفا.. بال فوق عكا.. أعتم صفد وكنس الجليل.. مسح اللد والرملة ومشط الساحل.. خنق الناصرة وابتلع القدس! لكنه يريد أن يحرّر لي طوباس.. من أيدي محتلي. محتلي يساريّ.. محتلي يساريّ! شئت أنا أم أبيت فقد قالها علنًا: “يساريّ”!

محتلي واحدٌ.. محتلي هو محتلي.

عند أول شعاع من خلف عمارات الإسمنت الكاذبة كان قد ارتاح بمجالستي (بمجالسة نفسه) فطالبني بآخر ما تبقى عندي “حقي بأن أكون محتلاً”. لم يُرضِه ما بدر عني لأنه وبحسب رأيه “هو ليس محتلي”! محتلي لا يعتقد أنه محتلي حين اعتقد أن كل ما هو عليه من وجود، كونه “محتلي”! هناك ابتدأ وهناك مصرٌ أن يزال. لم يبقَ لي فيه غير الـ “ليس”.

لا عدّاد عند محتلي, ولم يُبْقِ لي ما أدفع له فدفعت كأس الويسكي ونهضت. لم أعد أراه بعد, لا أرى محتلي, أرى ما بعد محتلي وأبتسم.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

9 تعقيبات

  1. مش عارفة !
    ساذج أم وردّي .. مش عارفة أحدد
    اللي بعرفه انك بتوازي الجميع بنفس الكفّة ولذلك سأوازيك بنفس كفّة المتعصبين كارهين المرأة المتزمتين… لأن جميعهم نفسهم في نظرك.. وانت في نظري مثل جميعهم الآخر لتكون وجه اخر للعملة .
    سطحي .

  2. حبيت كثير النص ، وكمان مع المقطع الجنسي ، لانه عن جد بفس كل العلاقات تبعتنا معهن ، وقديش منعاني من عدم التوازن معهن ، بس على الاقل في مكاسب مرات هيك بواسي معهن ومش بس احتياجات جنسية

  3. نص مدهش بصدق كثير وجمال أكثر

  4. فعلأ أعجبني تصويرك للحياة، مع إني لو كنت مع محتلي بنفس المكان.. يمكن رح ما ابتسملو حتى.. أو يمكن أبتسملو ما بعرف

    المهم كتير أعجبني

  5. النص كامل، بدون المقطع الجنسي يفقد الكثير من معناه وصدقيته.

  6. رائع..منذ فيلم ايليا سليمان “يد إلهية” وأنا أبحث لدى الفلسطينيين عن هذا النفس الساخر المر والرائع..كتيييييير حلو وبوسة من بيروت لفراس

  7. بنفع نبدّل “محتلي” بكلمة كوكا كولا؟

  8. فراس – النّص قمّة في الإبداع والسّلاسة، قراءته كانت ممتعة، وانطباعي بعد انهاء القراءة كان إيجابي. ولكن، كان عندي تحفّظ غير مفهوم من المقطع الجنسي، بالرغم من كوني غير “متطرفة” مثل المعقّب أعلاه.
    أعدت قراءة النّص ولاحظت إنك ما ذكرت الصيغة المؤنّثة، “محتلّتي”، سوى في السّياق الجنسي. كلّي ثقة بتعريفك لنفسك كنسوي، ومن نواياك الحسنة تجاه الموضوع، ولكن هذا النوع من “الشوڤينيّة غير الواعية”، إن صحّ التعبير، أخطر من الإحتلال نفسه.
    وعلى فكرة، في شريحة كاملة من الرجال المثقفين الذين يعرفون أنفسهم ك”نسويّين”، لأنهن بعارضوا القتل على خلفية الشّرف، وبحضروا ساندويش لحالهن، وبنفس الوقت بتوقعوا من المرأة تكون خالية من الشعر تمامًا، تحت وزن معيّن، وبشوفوش فيها أكثر من الأرداف والتكوّرات… يمكن نسويّين حسب المعايير الافغانيّة للكلمة، ولكن بعاد كل البعد عن المعنى الحقيقي والمطلوب. والمقصود بهاي الفقرة أقول إنه التفكير متفشي بمجتمعنا وماقصدتش لولا لحظة إدراجك تحت هاي المجموعة، إنما فقط الإشارة للقضية، اللي بتستاهل إهتمام وحذر أكبر…

    تحيّاتي من تل أبيب،
    سحر

  9. هل لا بُد من وجبة جنسية ساخنة في النص؟؟ هل هي من ركائز النص؟! نص جميل، يحث على الابداع، ولكن، أنا لا أطيق محتلي حتى اليساري منهم.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>