ذاكرة وطنية تتحدى الدسم الفني المسموم/ غسان فوزي

يوجين ليماي، كما جاء في مقابلته مع التلفزيون الإسرائيليّ، احتل بلدة جده اللبناني في الحرب سنة 1982 وهي بلدة تبنين. وأوضح يوجين انه لم تخالجه أيّ مشاعر حزن أو أسًى أو تضامن مع جده وبلده. وقال إنّ المشاعر كلها لإسرائيل وإنّ ما فعله واجب كل يهوديّ وإسرائيليّ وجنديّ في الجيش الإسرائيليّ

ذاكرة وطنية تتحدى الدسم الفني المسموم/ غسان فوزي

يوجين ليماي

يوجين ليماي

.

|غسان فوزي|

ذاكرة للنسيان، نص نثريّ أبدعه شاعر فلسطين الراحل محمود درويش عن يوم عاشه مع رفاقه المقاتلين والكتاب تحت القصف الاسرائيلي، وكان ذلك ابداعا يضاف إلى ابداعات المدنيين والمقاتلين الذين صمدوا رغم التدمير الإسرائيلي المقصود للمدينة وللوجود الفلسطيني الوطني في لبنان. وقبل أيام رفع الممثل عماد جبارين صيحة الذكرى متمثلا نص درويش وموقفه من على مسرح كفرقرع البلدي احياءً للذكرى السنوية الخامسة والستين للنكبة. ووصل صدى الصوت وأثره إلى الآلاف من اخوتنا واخواتنا الذين نظموا وشاركوا في مسيرة العودة الرمزية إلى قرية خبيرة المنكوبة منذ 1948.

محمود درويش، ابن قرية البروة المنكوبة سنة 1948، ومع مئات الآلاف من لاجئي النكبة ومع الشعب اللبناني عاشوا اهوال حرب تدميرية فتاكة التأثير السياسي. وليس من حرب اسرائيلية اقرب بدمارها إلى دمار النكبة مثل حرب لبنان 1982؛ فقد قتلت القوات الاسرائيلية آلاف الفلسطسينيين ودمرت نسيجهم الاجتماعيّ ومراكز أبحاثهم ومؤسساتهم المدنية والعسكرية والمعيشية خلال حرب استمرت عشرة أسابيع، وتحت مسؤوليتها القيادة الاسرائيلية متمثلة بالوزير شارون تمت مجازر في مخيمات صبرا وشاتيلا قتل فيها الآلاف في يوم واحد وبضع ساعات.

لكنّ بنات شعبنا وأبناءه يبثون الأمل ويغرسون اشجار الذكرى في ممارستهم العمل اليومي والثقافي والنضالي، مثل مسرحية ذكرى للنسيان ومسيرة العودة إلى خبيزة. ومع عميق الاعتزاز بكل المشاركين والمشاركات الا أنّ للحزن مكانًا هنا. والحزن اليوم ليس فقط لما تذكيه ذكرى النكبة وذكرى حرب لبنان من ألم. بل الحزن اليوم فوق الحزن وذلك لأنّ مؤسسة فمحماوية الاسم تخلت عن ذكرى النكبة وعن ذكرى حرب لبنان، تخلت عن ذكر الضحايا الفلسطينيين. ففي هذه الايام التي يعيش فيها الفلطسنيون ذكرى وذاكرة نكبتهم نكتشف أنّ صالة العرض ومديرها يكرّمون ذكرى الجنود الإسرائيليين الأحياء والاموات الذين شاركوا في حرب تدمير لبنان 1982، حرب مجازر صبرا وشاتيلا.

ما فعلته صالة العرض أم الفحم بتدبير مديرها سعيد ابو شقرة هو سقوط في حضيض نسيان الهوية ونسيان الحقوق، حقوق الاموات والشهداء والضحايا وحقوق الاحياء وحقوق البلد التي يستظل بتاريخها المجيد كل من الصالة ومديرها. ليس ما فعلته الصالة ومديرها عهد أم الفحم ولا تاريخها. أم الفحم مثل شقيقاتها، وفي عز أيام الحرب ومجازر صبرا وشاتيلا، خرجت بكل ابنائها وبناتها في مظاهرات صاخبة متحدية واشتبكت مع قوات القمع وسقط جرحى وأسرى وأسيرات دفعوا باهظ الغرامات وقضوا سنين في السجن الاسرائيلي دفاعا عن الحق في الحياة الكريمة لكلّ فلسطينيّ، وإصرارًا على رفض الحرب واختيار السلم الحقيقي الذي يحفظ الحقوق والمصالح والكرامة الوطنية والفردية لكل انسان.

وعن عشق البعض للجنود الاسرائيليين كتب محمود درويش في ذاكرة للنسيان: “ما اسمك يا حبيبي لأناديك باسمك يا حبيبي، شلومو.. أدخل، يا شلومو، أدخل رويدا رويدا أو دفعة واحدة إلى بيتي لأحس فيك القوة كم أحبّ القوة يا حبيبي. واقصفوهم يا حبيبي، واذبحوهم، واقتلوهم.” الضابط الاسرائيلي الذي احتفلت به صالة العرض ومديرها اسمه لم يكن شلومو.. بل يوجين ليماي، وهو متصهين ومتهوّد ومتأسرل أصله من جهة الأم لبنانيّ عربيّ. مولود في أمريكا لأب كندي مسيحي متدين أصبح صهيونيا بعد انتصارات إسرائيل في حرب 1967، وبعدها جاء مع العائلة متصهينًا وتهوّد ودخل الأبناء الجيش. يوجين ليماي اصبح سيد البلاد ويفتخر بتاريخه الحربي ويدافع عن حرب لبنان. الحرب التي أدانتها اغلبية الشعب في اسرائيل والتي خرجت منها حركات تمرد الجنود الإسرائيليين ضد وزير الأمن أريئيل شارون وضد رئيس الحكومة مناحم بيغن. يوجين ليماي جاء إلى الصالة وإلى صديقه العزيز مدير الصالة لكي يخلد ذكرى أصدقائه الجنود الإسرائيليين الذي سقطوا وهم يدمرون الوجود الفلسطيني والأرض اللبنانية!

أخفى سعيد أبو شقرة مدير الصالة المعلومات عن رواد الصالة وعن الجمهور وربما عن شركائه في إدارة الصالة. أخفى المعلومات وهو يعرفها جيدًا؛ فالخدمة الأمنية الإسرائيلية صفة مشتركة بين الضابط العسكري السابق يوجين ليماي وضابط الشرطة الإسرائيلية الكبير المتقاعد سعيد أبو شقرة، وذلك ينشره يوجين على موقعه وكما يفتخر به الصهيونيون أصدقاء سعيد أبو شقرة.

يوجين ليماي في لقائه مع التلفزيون الإسرائيلي

يوجين ليماي في لقائه مع التلفزيون الإسرائيلي

يوجين ليماي، كما جاء في مقابلته مع التلفزيون الإسرائيليّ، احتل بلدة جده اللبناني في الحرب سنة 1982 وهي بلدة تبنين. وأوضح يوجين انه لم تخالجه أيّ مشاعر حزن أو أسًى أو تضامن مع جده وبلده. وقال إنّ المشاعر كلها لإسرائيل وإنّ ما فعله واجب كل يهوديّ وإسرائيليّ وجنديّ في الجيش الإسرائيليّ. عندما يتعلق الامر بالضحية التي هي بلد والد أمه فإننا نجد السيد يوجين بدون مشاعر التضامن والأسى وبدون انتقاد للقيادة الاسرائيلية التي تمرد عليها الشعب والجنود في هذه الحرب المدمرة.

ألحّ المذيع الإسرائيليّ وسأل يوجين ليماي إذا كان عرض بعض أعماله في أم الفحم ودعمه مشاريع الصالة هو مؤشر على بقاء بعض جذوره العربية أو تضامنه مع العرب فأجاب بالنفي التام. وقال بعدها إنه لو كان هؤلاء صينيين ويشكلون نفس النسبة من سكان إسرائيل لكنت معهم في ان يكون لهم تمثيل في المجال الفني يتناسب مع حصتهم. لم يذكر السيد يوجين أنّ عرض اللوحات وعمله مع “العرب الإسرائيليين” -أي مع الصالة- يأتي أيضًا في سياق مشاريعه المالية وتجارته في المعروضات الفنية في نيويورك وأبو ظبي وتل أبيب وغيرها.

سعيد أبو شقرة، مدير صالة العرض، وباسم الصالة وباسمه، كتب تقريرًا واستعمل نفوذه ونشره في الصحافة. جاء في التقرير أنّ يوجين ليماي أمريكيّ, وأنه لشدة دعمه لأم الفحم حضر معه عشرون شخصًا من أمريكا خصيصًا لمرافقة حبيبهم يوجين في معرضه وتكريمه من قبل الصالة. أخفى سعيد أبو شقرة كون يوجين ليماي إسرائيليًا وأخفى كونه شارك في احتلال تبنين وشارك في احتلال قلعة الشقيف أيضًا، كما ذكرت بطاقته في صالة زيماك. وأخفى أيضًا أنّ “رسائل” عمل يوجين الذي يعرض في الصالة هو في أصله وفصله استخدام فني لرسائل كتبها يوجين ليماي نفسه إلى اهالي زملائه الجنود الذين قتلوا في الحرب على الفلسطينين في لبنان. أليس عار على يوجين ليماي أن يطلب منا الاحتفال به وتكريمه وهو يخلد ذكرى من قتلوا الآلاف من إخوتنا وأخواتنا؟ ألا يعلم يوجين أننا نستطيع أن نفرق بين من يحترم آلامنا وآمالنا وبين من لا يحسّ بأيّ احترام لضحايانا ووجودنا؟ ألم يسمع يوجين ليمان بالجنود والضباط الاسرائيليين الذين عارضوا الحرب؟ ألم يسمع بالجنود والكتاب والصحفيين الاسرائيليين الذين يقفون ويعلنون معارضتهم للحرب وللخدمة العسكرية، مؤكّدين تأييدهم الحقوق الفلسطينية؟ يبدو أن يوجين ليماي سيد استعماري إسرائيلي يريد عربًا إسرائيليين يعرضهم على العالم كمثال حيّ يبيّن كرم إسرائيل.

هكذا تمامًا يعرّف سعيد أبو شقرة نفسه على مواقع يوجين الإلكترونية وربما لذلك يجتهد مع صديقه يوجين على استبعاد أيّ كلمة قد تشير إلى مسؤولية إسرائيل عن اضطهاد الفلسطينيين: شهداء اكتوبر، ضحايا تل الزعتر، ضحايا دير ياسين، هدم اللجون وتشريدها، الحكم العسكري، جدار الفصل، جرائم الاستيطان المسلح ، المسيرة إلى خبيزة ويبدو أنّ قصائد محمود درويش هي ممنوعات ومحظورات في الاتفاق الجاري بين يوجين ليماي وسعيد أبو شقرة تحت شعارات من مزاعم القيم والمشاريع الفنيه العليا.

فهل سيتحرك المواطن والحزبي والمسؤول البلدي وأصحاب القيم والمبادئ الفنية والإنسانية؟ هل سيتحرّك المخدوعون. هل سيتم تشكيل إدارة شعبية لمقدرات صالة العرض؟ ألا تكفي سعيد أبو شقرة النياشين الدولية والدعاية الذاتية التي يمارسها منذ ستة عشر عامًا؟ هل سيستقيل قبل أن نطالب بفتح كامل الملف؟

(الكاتب مؤسس حركي- طالب للدكتوراة، أم الفحم/نيويورك)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>