ملتقى هوامش في حيفا: “أزمة خطاب أم ثقافة إقصاء؟”

ملتقى هوامش في حيفا: “أزمة خطاب أم ثقافة إقصاء؟”

بدأ اللقاء بمقدّمة حول الجدل القائم وعن أزمة الخطاب والإقصاء الّتي برزت خلال الأشهر الماضية، وعن أهميّة تنظيم لقاء كهذا، يناقش دور وموقف الجهات الحقوقيّة الليبراليّة، سيّما في ظلّ ما شهدنا من تطوّر في الخطاب الإسلاميّ المحافظ والذي بدوره يستدعي طرح تساؤلات نقديّة حول الخطاب الحقوقيّ المتمثّل بالأحزاب والمؤسّسات والحراكات الفعالة في المجتمع المدني الفلسطينيّ.

|مادّة إخباريّة|

c9a2d71d381a6fe1ef5f52230f6abc0a

نظّمت القوس للتعدّديّة الجندريّة والجنسيّة في المجتمع الفليسطيني”  و “المحطة: تعاونيّة شبابيّة فلسطينيّة”  الأربعاء 30 أيلول، اللّقاء الشّهريّ لملتقى “هوامش -  مُلتقى حول قضايا التعدديّة الجنسيّة والجندريّة”، تحت عنوان: “الهجمة على المثليّين: أزمة خطاب أم ثقافة إقصاء؟”، حيث تنظّم “القوس” هذا الملتقى الفكريّ شهريًّا، وتطرح من خلاله قضايا التعدّديّة الجنسيّة والجندريّة، بالإضافة إلى موضوعات مختلفة تتعلّق بالسياسات الجنسية في سياق المجتمع الفلسطينيّ.

وجاءَ اللقاءُ الأخير، الّذي عُقِدَ في “المحطّة” في حيفا، ليُقدّم قراءةً تحليليّة لمواقف ودور مؤسّسات المجتمع المدنيّ والقوى السياسيّة حول التعدديّة الجنسيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطيني، في ظلّ الجدل الّذي أُثير خلال الشّهور الأخيرة بعد تصريحات نائب رئيس الحركة الإسلاميّة  الشّماليّة في البلاد، السيّد كمال خطيب حول المثليّين والّتي لم تمرّ مرورًا عابرًا، ولم تنحصر بردود فعل في مواقع التواصل الاجتماعي، بل شمل الرّدُ عليها مجموعةً من المقالات والبيانات الّتي صدرت عن مؤسّسات حقوقيّة وجمعيّات نِسويّة وثقافيّة وجهات حزبيّة، وإثارة الرّأي العام في المجتمع الفلسطينيّ. تعدّدت أشكال ومضامين الرّد على تصريحات السّيد خطيب، ممّا أدى إلى تجاوز ذلك نحو ما هو أشبه بـ “قضيّة رأي عام” يتناقلها النّاس باهتمام، مختلفين ومتّفقين مع التّصريحات وما تبعها من تصريحات وردود مختلفة، لتبرز مسألة “المثليّة” و “المثليين” فتكون من خلاله المشهد الحالي بما يتضمّنه من تداعيات على الصّعيد الفلسطيني المحلّي؛ التحولات والتغييرات التي طرأت على تعامل القوى السياسية والمجتمع المدني (في الداخل الفلسطيني) مع هذه المواضيع، وانعكاساتها في الردود والتصريحات المختلفة.

وقد استضاف الملتقى ناشطين سياسيين من الأحزاب والجمعيّات، جمعيّة الشّباب العرب – بلدنا، جمعيّة “نساء ضدّ العنف”، بالإضافة إلى القوس. يُذكَر أنّ المشتركين لم يحضروا كممثّلين رسميّين عن الجهات المنتمين لها، بل قدّموا تحليلًا للخطاب الحقوقيّ الّذي تتبنّاه الأحزاب في الشّق الحقوقيّ –المدنيّ.

بدأ اللقاء بمقدّمة حول الجدل القائم وعن أزمة الخطاب والإقصاء الّتي برزت خلال الأشهر الماضية، وعن أهميّة تنظيم لقاء كهذا، يناقش دور وموقف الجهات الحقوقيّة الليبراليّة، سيّما في ظلّ ما شهدنا من تطوّر في الخطاب الإسلاميّ المحافظ والذي بدوره يستدعي طرح تساؤلات نقديّة حول الخطاب الحقوقيّ المتمثّل بالأحزاب والمؤسّسات والحراكات الفعالة في المجتمع المدني الفلسطينيّ.

نديم ناشف بلدنا: الاجتماعيّ لا ينفصل عن السّياسيّ، وهنالك حاجة ملحّة لإثارة القضايا مع الشّباب.

المداخلة الأولى كانت لنديم ناشف مدير جمعيّة الشّباب العرب- بلدنا، حيث تطرّق عبرها إلى دور “بلدنا” والمؤسّسات المختلفة في السّنوات الأخيرة في إثارة موضوعات التعدّديّة الجنسيّة والجندريّة في الإعلام، من خلال ندوات عقدتها الجمعيّة وخصّصت جزءًا منها في الجامعات، لإيمان الجمعيّة بضرورة إعادة التّعريف بالمصطلحات والتّعامل مع شريحة الشّباب بشكل خاصّ من خلال خطاب حقوقيّ تنويريّ لا ينفصل فيه الاجتماعيّ عن السّياسيّ، خطاب يشمل الجندر والطّائفيّة وموضوع المثليّة وقضيّة “قتل النّساء” وغيرها، ولا ينحصر بالقضايا السّياسيّة فقط. كما اعتبر ناشف أنّ هنالك حاجة ملحّة لطرح هذه القضايا والموضوعات وتفعيل الحوار عن طريق التّواصل الفعليّ مع شرائح وفئات المجتمع، من خلال المدارس وشبكات التّواصل الاجتماعيّ، وعدم حصر ذلك بالنّدوات والأمسيات. واختتمت المداخلة بالتّشديد على ضرورة إعادة صياغة خطاب الحقوق والحريّات داخل المجتمع الفلسطينيّ ليشكّل تحدّيًا لقيم الاحتلال والقمع من خلال هذه الموضوعات فكريًّا، معتبرةً أنّنا بحاجة إلى متحدّثين أكثر على المستوى الإعلاميّ، يطرحون هذه القضايا وفق استراتيجيّة لأَنْسَنَتِها.

نائلة عواد نساء ضدّ العنف: توجد هشاشة في خطاب الجمعيّات ويجب اعتبار موضوع التعدّديّة الجنسيّة جزءًا هامّا من المشروع التربويّ.

اعتبرت عواد أنّ الهجمة على المثليّين وخطاب الإقصاء ليس جديدًا أو طارئًا في المجتمع الفلسطينيّ، بل ملازم منذ سنوات التّسعينات، وقد برز مع موضوع “الاعتداءات الجنسيّة في العائلة” الّذي أثارتْه الجمعيّة وقوبِلَ بحملة تحريضيّة، والّتي استمرّت مع عقد المؤتمر الأول لجمعيّة “أصوات – مثليّات فلسطينيّات” وغيرها من القضايا والأحداث النِّسويّة المختلفة. وقد اعتبرت عواد أنّ موضوع التعدّديّة الجنسيّة يجب أن يكون جزءًا هامًّا من البرنامج والمشروع التربويّ، وهو ما يقع على عاتق المؤسّسات والأحزاب، معتبرةً أنّ خطاب الجمعيّات يتخلّله التّهميش، الأمر الّذي ينعكس على آليات العمل والطّرح. وقد اعتبرت إنّ بروز جمعيّتي “القوس” و “أصوات” مرحلة هامّة في كسر التّابوهات داخل المجتمع الفلسطينيّ وفرض التّحدّي، سيّما وأنّها مرحلة تضمّنت ما يُسمّى بـ “دفع الأثمان” من خلال زعزعة مفاهيم ونقاط خلافيّة في الجتمع والعالم عامّة، وبأنّه لابد من شراكة حقيقيّة بين الأحزاب والمؤسّسات لوضع خطّة تتحمّل مسؤوليّة لإدارة الخطاب والأزمات بين القوى المختلفة، ممّا يساهم في عمليّة “الفضح” ومنهجة العمل على مستوى حقوقيّ للوقوف أمام أيّ أزمة جديدة.

يُذكَر أنّ “بلدنا” و “نساء ضدّ العنف” هما من ضمن الجمعيّات والمؤسّسات الّتي شاركت بالتّوقيع على بيان المؤسّسات في الرّد على مقالة السيّد خطيب قبل أشهر.

ميسم سالم الجبهة: هنالك تنكّر للظّاهرة داخل الأحزاب، والموضوع خرج من السّياسة إلى مؤسّسات المجتمع المدنيّ.

أكدّت ميسم بأن “الجبهة” تجد أهميّة كبيرة بضرورة ما أطلقت عليه “تعدّد الأوجه” ذات الإمكانيّات المعرفيّة والثّقافيّة الّتي تمكّنها من قيادة نضالٍ حقوقيّ في هذه القضايا، وجوه عليها أن تعي تمامًا خصوصيّة المجتمع الّذي نعيش فيه وتشكّل قيادة جديدة تكون قادرة على مواجهة التيّارات الإقصائيّة فكريًّا وحقوقيًّا. تنطلق الجبهة من الاعتراف بتقصيرها السّياسيّ حيال هذه القضايا الّتي -حسب اعتقادها- خرجت من النّضال السّياسيّ إلى مؤسّسات المجتمع المدنيّ، الأمر الّذي يؤدّي بالضّرورة إلى حصر المساهمة الحزبيّة بالعمل الحزبيّ داخل الكنيست لعدم إمكانيّة التّواصل مع أفراد ومجموعات المجتمع كما تفعل مؤسّسات المجتمع المدنيّ، حيث تعتبر الجبهة أنّ تناول الموضوع سياسيًّا لا يُساهم كثيرًا بعمليّة رفع الوعي لدى الجماهير، منطلقةً من ضرورة التّواصل مع الجيل الشّاب والعمل على ربط قضيّة المثليّين مع قضايا النِّسويّة.

وسيم عباس: هنالك أزمة في الخطابيْن الدّينيّ والعلمانيّ، والبيان الّذي أصدره اتّحاد الشّباب الديمقراطي قوبِل بحالة من الرّفض.

تطرّق وسيم عباس إلى البيان الّذي أصدره اتّحاد الشّباب الدّيمقراطيّ التّابع لحزب التّجمّع، وهو البيان الّذي ردّ على مقالة السيّد كمال خطيب، وقد نوّه إلى أنّ البيان لم يكن نقاشًا لآراء السيّد خطيب الشّخصيّة بقدر ما كان رفضًا لخطاب يصدر عن نائب رئيس الحركة الإسلاميّة وأحد قيادات المجتمع الفلسطينيّ في الدّاخل. وقد أشار وسيم إلى أنّ البيان أثار حفيظة بعض الجهات “العلمانيّة” الأمر الّذي يُؤكّد مسألة وجود أزمة في الخطاب العلمانيّ معتبرًا أنّ الحديث حول “صراع الدّين مع العلمانيّة” ليس دقيقًا في ما يتعلّق بقضايا الجندر والمثليّة. ويرى وسيم أنّه علينا طرح الموضوع وعدم إبقائه من المسكوت عنها في نقاش الحقوق والحريّات، معتبرًا أنّ فصل القضايا الاجتماعيّة عن السياسيّة يُغيّب الحقوق الفرديّة والجماعيّة، وقد تطرّق في نهاية مداخلته إلى ضرورة اتّخاذ موقف من قِبَل الأحزاب، سيّما بعد الشّراكة الّتي تجمعها في القائمة المشتركة، الأمر الّذي من شأنه أن يعزّز الخطاب ويمنع من حالة التّشرذم الّتي نشهدها حيال القضايا الخلافيّة.

حنين معيكي مديرة القوس: علينا مناقشة ثنائيّة المتخلّف والمتنوّر، المحلّي والدخيل، اللغة والخطاب وهناك ضرورة لفهم مرجعيّات النّاس ومخاطبتها.

المداخلة الأخيرة كانت للقوس، حيث تطرّقت معيكي إلى ضرورة فهم مرجعيّات النّاس المختلفة ومخاطبتها، وهي حاجة ملحّة أفرزها النّقاشُ الدّائر منذ أشهر حول القضيّة، معتبرةً أن على الجمعيّات أخذ دور للتّواصل مع النّاس، خاصّة أنّ هذه الأزمة قد فضحت انعدام الحديث عن الموضوع من قِبَل المؤسّسات والجمعيّات، فغالبيّة الجمعيّات لا تزال متقوقعة على نقاش داخليّ يتأرجح بين القبول والرّفض ومدى جهوزيّتها لمواجهة الخطاب بخطاب آخر يتم التعامل معه على انه خارجي لا علاقة له بالسياق المحلي وبإنجازات الحراك الجنساني المحلي، ليُطرح السّؤال: أين هو الدّور القياديّ للمؤسّسات والجمعيّات؟ وقد أشارت معيكي إلى افتقار النّاس للغة الرّد الملائمة، ممّا أدّى إلى أن يأخذ الموضوع منحى آخر، منتقلًا إلى التهجّم المتبادل بين الإسلاميّين والليبراليّين، والتمحور حول “المثلية” بدلًا من خوض تحدٍّ عميقٍ يُلامس القضايا الحقوقيّة والاجتماعيّة الأخرى العامة والتي لا يُعتبَر تطويرها من قبل مؤسسات المجتمع المدني أقل تحدياً للقيم الدينية التقليدية مما تشكّله المثليّة. وقد رأت بأن هناك ضرورة بأن تعمل الأُطُر السّياسيّة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ لخوض نقاش فكريّ مع التيّار الإسلاميّ وعدم التّعامل مع الموضوع كأزمة داخليّة.

مع انتهاء المداخلات، تمّ فتح حلقة من النّقاش مع الجمهور الّذي طرح أسئلته على المشاركين، وقد تمحورت الأسئلة حول الأدوار والخطاب غير الواضح الذي طرح خلال المداخلات المختلفة، معتبرين أنّ التّحليل النّقدي لم يكن حاضرًا بموازاة التّحامل لدى كلّ جهة على الأخرى، حيث كان النّقاش الأبرز بين المتحدّثين عن أيّهما يتحمّل المسؤوليّة والدّور الأهم، مؤسّسات المجتمع المدنيّ أم الأحزاب؟

هذا النقاش أظهر جلياً التحديات الكبيرة أمام المؤسسات المختلفة والمتعلقة بقدرتها في القيام بخطوات ومبادرات مستقبليّة فعليّة متعلقة بهذا السياق. ما هي الطريقة الأفضل للتعامل مع تصريحات مستقبلية مشابهة دون الوقوع في خطاب التهجم والتحزّب والتقطّب؟ وهل ستكتفي هذه المؤسسات بردود فعل على تصريحات من هذا النوع او أخرى أم انه قد آن الأوان لمبادرة شاملة ومدروسة تضمن تطوير نقاش موضوع المثلية ضمن والى جانب الحريات والقضايا الاجتماعية “الحساسة” الأخرى؟

 كما ظهرت أيضا أهمية الدور القيادي الذي يجب على القوس  اتّخاذه  الى جانب مؤسسات أخرى في الحراك الجنساني الفلسطيني في تفعيل الأُطر السياسية ومؤسسات المجتمع المدني لخوض نقاش مُمَنهج ومُسيّس حول الموضوع يبدأ أولا في عدم تجاهل النشاط المحلي القائم وتطوير استراتيجيات للتعامل مع موضوع التعددية الجنسية ضمن مواضيع الحريات الأخرى. 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>