شروط لبقاء القائمة المشتركة/ هشام نفاع

شروط لبقاء القائمة المشتركة/ هشام نفاع

أفق مشروع القائمة المشتركة يجب ألا يتألف برأيي من منجزات متراكمة فقط، بل من مفردات التحرّر والتغيير الثوري الذي يعلن عن ويعمل على تقويض البنية التحتية للتمييز والعنصرية والقمع والنهب والاستغلال القومي والاجتماعي (الطبقي). بهذا المنظور لن يكون المشروع لبنات وأبناء الأقلية الوطنية وحدهم، بل أيضًا مقترحهم الاستراتيجي لبنات وأبناء الأغلبية من أجل تحريرهم هم أيضًا من القمع

mosh

|هشام نفاع|

hisham-qأحد الأسئلة التي تتكرّر (بالعربية والعبرية) يتناول مصير القائمة المشتركة مستقبلا “جدًا”، فور انتهاء الانتخابات. وأحد الأجوبة التي لا أستسيغها هو المبني بشكل مبتور على مفردة “نأمل”. وبالطبع، فالأمل كشقيقه التفاؤل عنصر أساسي في العمل السياسي الثوري، أو النضالي على الأقل. لكنه لن يتقدم خطوة جدية واحدة بدون رديفه: العمل. بالضبط كالقطران مع الصلاة. لذلك، فالقائمة، برأيي، ستظل مشتركة فقط إذا أسّست نفسها على معادلة وعلاقة التكافل بين الأمل في أن تبقى مشتركة وبين العمل لتحقيق هذا. وامتحان الذوات في كل فعل إنسانيّ ثوريّ هو أن تكون فاعلة في التطوّر وليس خاضعة مترقبة له.

تشي مفردة الأمل وكأنها على صلة قربى بالنوايا. والنوايا مهمة طبعًا إذا كانت طيبة. لكنها هي الأخرى قد تصاب بخيبة (أمل!) إذا لم نرفقها ببرنامج (عمل!) لنحافظ على ما نعتبره انجازًا ومشروعًا سياسيًا. الأمر يحتاج لرؤية قادرة على التحوّل بمراكمة التجربة إلى مرجعية منظمة تساعد أصحابها الحاليين والقادمين على الفرز من خلالها بين الاستراتيجي وبين التكتيكي، بين المهم وبين الأكثر أهمية، بين ما يصحّ الاختلاف عليه بحدّة مهددة بالقطيعة وبين ما يجب تسويته بإخضاعه الى آليات تنظيمية تحمي المشروع من النزعات والنزاعات (الطبيعيّة) من صنف الفئويّ والأنانيّ والشخصيّ، وقِسْ على ذلك. نحن بحاجة إلى مبنى “غشتالت”: الكلّ الناتج فيه أكبر وأمتن من حاصل مركباته.

فمسألة أن تكون القائمة المشتركة عبارة عن تركيبة ميكانيكية اضطرارية للاصطفاف الحزبي والحركي لغرض الوصول للبرلمان بتمثيل قويّ، أو أن تتطور بتروّ ولكن بإصرار وإبداع ومثابرة ومنهجية لتتحول إلى توليفة سياسيّة تحمل في داخلها تطورًا نوعيًا عمّا سبقها، وبذورًا لهذا التطوّر، هي مسألة خاضعة للإرادات والقرار والمسؤولية. لا يحق لنا التعامل مع المسألة بوصفها خاضعة لتطورات في حكم المجهول وخارجة عن إراداتنا. هذا بالضبط ما يستدعي عملية تسييس وفكرنة (من فكر) لهذا المشروع السياسي، ليس نحو تذويب مركّباته في سائل متجانس أحادي اللون، بل على درب صقل صفة “المشترك” لهذا المشروع للإبقاء على حرارة فاعليته الحاملة لتطوره.

إنّ رؤية دولة المساواة ودولة المواطنين ودولة العدالة القومية والاجتماعية (الطبقية)، هي مجموعة تحدّيات أمام القائمة المشتركة، لأنها تقدّم نفسها كقائمة بنات وأبناء الباقين في هذا الجزء من الوطن، جماهير الأقلية العربية الفلسطينية، وحلفائهم من اليهوديات واليهود الذين يرون أنه لا مستقبل لهم أيضًا بدون أرضية قوامها العدل والمساواة والكرامة (وهذه الأخيرة علّة العلل والأصل العتيق الباقي لكلّ حق). وبما أنّ تحقيق العدل والمساواة قوميًا واجتماعيًا سيظلّ محض وهم بدون مصالحة مبنية على تسوية عادلة للصراع الوطني القومي بين شعبين في بلاد واحدة، فإنّ محاور المشروع إذا أُخذ بجدية ستتضح كأبعد من مجموعة مهماته السياسية البرلمانية المرئية، بل تعبّر عن جوهر المسائل المؤسسة والمصيرية المطروحة في هذه البلاد على امتداد قرن ونيّف. ومجموع هذه القضايا، إذا ما تمّت مواجهتها بمسؤولية وجرأة وعمق، من شأنه أن يفتح آفاقًا جدية أكبر ربما مما تخيّله مهندسات ومهندسو وبناءات وبنّاءو مشروع القائمة المشتركة.

إنّ وضع اللبنات الأساسية لبناء المشروع بالاتجاه المطروح أعلاه يتطلب، بين ما يتطلبه، عدم إبقائه في حدود الغرف الحزبية المنفردة حتى لو جمعتها شقة واحدة. إنه بحاجة لأن يبني نفسه في الفضاء العام المشترك الذي يتجاوز العمل البرلماني ولجانه، والعمل الحزبي وهيئاته. فإذا لم تشعر قطاعات المجتمع ولم ترَ أنها جزء من المشروع ليس بصفة من يبعث بمندوبين عنه فقط، وإنما بصفة الشريك الذي يتحمل مسؤولية جماعية وفردية في تشييد المشروع، وتعزيزه والدفاع عنه، فلن تأتي القائمة المشتركة بجديد نوعي بالمعنى الجدلي لتطور العمل السياسي والاجتماعي، بل لن تزيد عن التطوّر الكمّي في عدد أعضاء الكنيست، وهذا مهم جدًا بالطبع، لكنه سيظل محدودًا إذا لم تشيّد تلك المرجعية المشار اليها أعلاه والتي تساعد على قياس المهم والأهم، واتخاذ القرار الاستراتيجيّ بأنّ الأفق يجب ألا يتألف من منجزات متراكمة فقط، على أهميتها الكبيرة، بل من مفردات التحرر والتغيير الثوري الذي يعلن عن ويعمل على تقويض البنية التحتية للتمييز والعنصرية والقمع والنهب والاستغلال القومي والاجتماعي (الطبقي). بهذا المنظور لن يكون المشروع لبنات وأبناء الأقلية الوطنية وحدهم، بل أيضًا مقترحهم الاستراتيجي على بنات وأبناء الأغلبية من أجل تحريرهم هم أيضًا من القمع، سواء ذلك القمع الاجتماعي والطبقي والثقافي الذي تعانيه “مجتمعات” متعددة في مجتمع الأغلبية أيضًا، أو ذلك القمع الذي يمارَس باسمهم مجتمعين، بوصفهم أغلبية، ضد مجتمع أقلية الوطن.

إنّ طرح هذه الصيغة والعمل على تطويرها وتعميقها وفلاحة الأرضيات لتطبيقها وتحقيقها، هو الكفيل بتجاوز السؤال التشكيكيّ المتكرّر عن مستقبل القائمة كمشتركة. أما إبقاءها في حدود قائمة كنيست فهو بالذات ما قد لا يبقي عليها كثيرًا. هذا هو امتحان/تحدّي العبارة غير العابرة “إرادة شعب”. والتحدي مسؤوليتنا جميعًا بكل اختلافاتنا واتفاقاتنا.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>