الجسد العراقي أنموذجا / يوسف محسن

رجولي = مولج = غيري الجنس = متفوق، وأنثوي = مولج بها = مثلي الجنس= ادنى منزلة، وفي هذا تفاضل للذكر على الانثى، وامتياز يعطى في السرير للمولج على حساب المولج به. وهذا من شأنه ان يعكس ما يعانيه المجتمع العراقي حصيلة قرون طويلة من الانغماس في العتمة والتخلف الذهني والخوف ، من المرأة، التي وان وضعناها امام وجوهنا، او اجسادنا العارية، فسنجد في ذواتنا خوفاً من مثلية، او من احتمال وجودها

الجسد العراقي أنموذجا / يوسف محسن

l يوسف محسن l

يعد سؤال الجسد احد الاشكاليات الكبرى في الفلسفة الحديثة، ما يتطلب حفر انثربولوجيا في الحقل الثقافي، ان هذا السؤال مقصي من السوق الرمزي بعد عمليات الخفض التي تعرض لها في مخيال الثقافة العربية بشكل عام والثقافة العراقية الحديثة بشكل خاص ، ومن المعروف ان التاريخ البشري هو عبارة عن صيرورة هدم وبناء ايروتيكية تأخذ ابعادا سرمدية ازلية و تؤرخ هذه العملية عبر السرديات الشعرية او المدونات الروائية، وبناء على هذه الفرضية يعاد انتاج المخزونات الثقافية كجزء من اسقاطات الوقائية الجنسانية والذاكرة والقص المقدس.
ان الانساق الثقافيه تتشكل من تراكم الصور والأساطير والمقدسات الايروتيكية والتي تضرب بجذورها في سلطة الجسد الانثوي. صور مضادة للميثولوجيا النصية المقدسة والتمثيلات والتصورات الرمزية والاساطير الثقافية الايروتيكية المترسخة في الذاكرة الجمعية حيث يؤدي المخيال الشعري والمخيال الروائي الايروتيكي الى تفكيك الصور الذكورية عبر عمليات الهز المستمر للنسق النمطي الثقافي المصنوع من المتخيل الديني والفكري للخروج بنصوص مفارقة مركبة تمارس سلطة رمزية في البنى الثقافية ونرى من خلال التناصات المركبة بين النص المقدس والنص الشعري هناك مفارقة سردية انثى الميثولوجيا الدينية وذكورتها المعادة انتاجه في الثقافات البشرية وتبادل الادوار جسديا مقصية في الثقافة العراقية ، ويحمل النص الثقافي العراقي في ذاته ادانة كاملة لأخلاقيات الحداثة الغربية المتنوعة وهي جزء من الثقافات الذكورية للوعي العراقي والمصنوع من ايديولوجيات شمولية والتي تقوم بناءاته، على معادلة /العلاقات الجنسية هي علاقة ولوج، واختراق وسيطرة وهي عودة الى عالم ما قبل الحداثة بوصفها معطى طبيعي وليس نسقاً انتربولوجيا../ و نظام من العلاقات الدالة المنتجة للمعاني البغيضة حيث لم تستحضر الانساق الفكرية والاقتصادية والفلسفية الحافة بالجسد الانساني (الذكوري/ الانوثي) والعلاقات القائمة بين الفرد/ المجتمع أي الفضاء الجماعي للجسد.

موقعة الجسد العراقي
طرح سلسلة من الاسئلة المركبة عن موقع الجسد في الثقافة العراقية وماهية الانماط المظهرية التي خضع لها الجسد؟ وقدرة النصوص الروائية والشعرية والفلسفية والثقافية في الكشف عن مكنونات الجسد؟
وذلك ان سؤال الجسد يمثل منجماً للدلالات والشيفرات والعلامات ذات البعد السياسي، فضلاً عن ذلك فان طبيعة الجسد كونه كياناً اولياً متعدد الوظائف يخترق مجموعة من المباحث والعلوم من الطب وعلم الاديان مروراً بالفلسفة والعلوم الانسانية والآداب وهذا ما يجعل قراءته او كتابة تاريخيه عملية ملتبسة
وهنا نكتشف من خلال النص السردي الثقافي ان المجتمع العراقي يفتقد للتمايز الوظيفي بين ماهو بيولوجي وماهو اجتماعي، حيث يتم تحويل البيولوجي الذكوري (الطبيعي) الى امتيازات هوياتية ودينية وهيمنة وتسلط لتكريس دونية الاخر (المرأة، ، الغرباء ، المثليين) ، والسبب يعود الى غياب البناءات العقلانية الفكرية في العقل العراقي انه يقوم على ثنائية مانوية متشددة بالتمركز حول الهوية الجنسية، اما انوثة مطلقة واما ذكورة مطلقة. فالبنية العقلية الابوية للثقافة العراقية بشكل عام تمنع الحقل الثقافي من اعادة انتاج الادوار والهويات الجنسية ، فمن خلال الادوار والهويات الجنسية يمكننا معرفة الكثير عن المجتمعات، وصراعاتها الداخلية، تصوراتها العقلية، انساقها المتخلية، شكل العلاقات الخفية، وتحديد التعريفات. وكشف الالتباسات في الحقل الثقافي والمجتمعي العراقي وذلك ان الجسد العراقي بشقيه البيولوجي الطبيعي والانتربولوجي والتاريخي مقصي من الحقل الثقافي فضلا عن ذلك ان الجماعات البشرية العراقية تعاني من القحط الثقافي وتتعامل بنوع من الخرافية المعادية للعقل والانسان مع الهويات الجنسانية، حيث ان احتقار المثليين في المجتمع العراقي لا ينفصل عن احتقار المرأة وتخبئ الثقافة العراقية في طياتها الكثير من نقاط النقص في النظام السياسي والذي لا يزال عاجز عن تقديم حقوق البشر الا وفق انتقائية تشترط عدم التعارض مع النظم الدينية والتقليدية واحياناً حسب مقتضيات السياسة والتميز العنصري وان المجتمع والثقافة العراقية لا تتمكن ان تطور كينونة الانسان الا بعد التحقق من هويته الجنسية لانها قائمة على منظومه من المعادلات القروسيطية.
رجولي = مولج = غيري الجنس = متفوق، وأنثوي = مولج بها = مثلي الجنس= ادنى منزلة، وفي هذا تفاضل للذكر على الانثى، وامتياز يعطى في السرير للمولج على حساب المولج به. وهذا من شأنه ان يعكس ما يعانيه المجتمع العراقي حصيلة قرون طويلة من الانغماس في العتمة والتخلف الذهني والخوف ، من المرأة، التي وان وضعناها امام وجوهنا، او اجسادنا العارية، فسنجد في ذواتنا خوفاً من مثلية، او من احتمال وجودها، وهو خوف غير مبرر في كل حال من الاحوال، ذلك ان الكثيرين من المشاهير والفنانين والسياسيين كانوا مثليي الجنس، وهذا الامر لم يقلل من شأنهم او دورهم الاجتماعي على الاطلاق، اكثر من ذلك بمثل هذه المقارنة الدفاعية، امراً يشي باني احاول ان ارفع المثليين الى مستوى حق البشر العاديين، وهذا ما لا اجده لائقاً ههنا، لانني اؤمن بان هؤلاء لا يحتاجون الى من يبرر وجودهم في المجتمع، اكثر مما يحتاجون الى تجاوب هذا المجتمع مع سؤال حقوقهم المدنية والسياسية، وضرورة اقرارها كاملة بلا أي تحفظ، وهم الموجودون دائماً، الى جانبنا كشركاء لنا، بل فلنقل اننا الموجودون كشركاء لهم: الاسكندر المقدوني، فاتح معظم بلاد العالم، فريدريش ملك البروسيين العظيم، كريستينا ملكة اسوج في القرن السابع عشر، الامبراطور الروماني ادريانوس في القرن الاول للميلاد، الملك الفرنسي هنري الثالث في القرن السادس عشر، اضافة الى ليوناردو دافنشي، وميشال فوكو، وادباء امثال اندره جيد واوسكار وايلد وبول بولز، وموسيقيين مشاهير امثال التون جون وجورج مايكل، والممثل راندي هاريسون، من المؤكد ان القاموس الانساني يضم اسماء مثليين كثر ممن اثروا تاريخ البشرية وتطور ذائقتها الفنية وخياراتها السياسية والاجتماعية، لكن كما تقول الجملة المعروفة فان المجال لا يتسع لتعدادها هنا.

الخطاب الثقافي العراقي الجنساني 
الخطاب الثقافي العراقي ينطلق من العلاقات البيولوجية/ الطبيعية، الجسدية لتحديد هويات سياسية، اجتماعية، فكرية وهو انتاج مجتمعات ما قبل الحداثة خطاب يلوطن العالم ويعهر الانسان وهنا يكمن تقاطع الثقافات من اجل تأكيد الذات وتضخيم الانا المهمشة والمقصية في بناء الكينونة والتاريخ ، هذا التهميش المزدوج مارسته الثقافة العراقية وحولتة الى خطاب او موضوع هامشي وعرضي، وقد استطاعت الثقافة العراقية كمنظومة مهجنة من الحرتقات الاسلاموية والذهنيات القومية والوطنية الشمولية (تقنين الجسد) أي الجسد في مجمل حركاته اليومية والعملية والوظيفية. سواء كان الجسد اليومي الذكوري او الجسد الانثوي الذي يمارس مجموعة من الشعائرية مصحوباً بخطايات مسكوت عنها لهذا الغرض يتحول فيها الجسد الى صور نمطية تستجيب بشكل منظم لايقاع الى مختبر دائم لممارسة قدسية العلاقات ويتم تأطير الحياة اليومية بالمقدس. او الجسد الشخصي الذي يفقد طابعه الذاتي باندماجه المباشر في الوجود الاجتماعي.
اما الجسد كمفهوم ثقافي بالمعنى الانثربولوجي في الحيز العراقي فهو يقع في نقطة تقاطع قصوى بين حمولاته الرمزية والفاعلية السياسية للسلطة حيث ان المجتمع العراقي تسوده ايديولوجيات شمولية وفاشيات اسلاموية و قومية و وطنية استبدادية تقوم اساسا على انشقاق الجسد الاجتماعي الى روح/ جسد ، ذات/ موضوع ما تؤدي بالكائن البشري الى العيش ضمن دائرة مزدوجة او العجز الكلي عن بلوغ ذاته الانسانية وهذا ما حصل للجسد الانطولوجي العراقي .

الجسد 
(العلامة  النكره)

 ان غياب/ حضور الجسد في الثقافة العراقية المؤسساتية يعود اصلا الى ضغط الحقل السياسي. فهو كمعطى مادي يتجسد في المتخيل الايديولوجي وتم استعارة هذا الجسد المادي غير المتعين تاريخياً والذي لا يحمل هوية ذاتية داخل نظام الثقافة العراقية مندمجاً في شبكة من الرموز والقيم كموضوع. عبر عمليات التهميش والازاحة الى منطقة غامضة وشطره الى ثنائيات معرفية داخل البنية المجتمعية العراقية وتحويله الى سلعة صنمية تجرده من وظائفه الحقيقية. لصناعة سلسلة طويلة من الاجساد والموديلات ووضعها في منطقة الانتهاكات الدائمة. وقد تمظهرت هذه التشويهات داخل الحقل الثقافي العراقي بوصفه حقلاً للقمع والتدجين اليومي والخروج من الحقل الطبيعي. رغم اننا هنا نحلل الجسد الاجتماعي والجسد الايروتيكي بوصفهم كينونة، حيث تركت النكبات والانهيارات والحروب والتي حفل بها تاريخ العراق بصماتها الكبرى على هذا الجسد فمنذ عمليات الابادة والجوع والسحل والمقابر الجماعية وتقطيع الاطراف وبتر الاذن وجثث العصر الديمقراطي كرست صورة تركيبية للانكسار الانساني و تم توصيف الجسد داخل التعيينات الاولية للثقافة العراقية بوصفه (اسم نكرة)، ان هذه التعيينات لم تكن تمثلات فردية وانما تشكلت كرؤيا جماعية داخل النظام الثقافي المؤسساتي فهو محض عنصراستهلاكي في الحروب الدائمة الداخل/ الخارج وقابل للقطع والبتر او مسخه كجثة بلا هوية سواء كان في المقابر او الطرقات. هنا نستطيع ان نستكشف العلاقة الكامنة بين دلالة الجسد والنظام الثقافي حيث ان تاريخ الجسد الاجتماعي العراقي هو تاريخ جنائزي وبؤرة للتصدعات ومخزون خرافي افتراضي للترميزات التاريخية القابلة للاستعارة والغواية. فمن خلال ارشفة تاريخية الجسد نكتشف حجم الانتهاكات التي تعرض لها داخل حقل السلطة/ حقل الثقافة. حيث بقيت التأسيسات الفكرية والنصوص في مجال الشعرية العراقية والمتون الروائية تمسرح الجسد ضمن تخطيطات ايديولوجية فاشية وتعيد تنظيم وجوده المادي في سياسية صناعة الشهوة او العنف عبر مجموعة من المصفوفات الثقافية. ( الفصل بين الجسد/ الروح. رجولة/ انوثة كموضوعات انطولوجية) (انحلال حسب تاريخية الطبقات الاجتماعية حيث تقوم الثقافة العراقية الابوية في عملية اخضاع الجسد الفردي عبر هيمنة الجسد الاجتماعي) (اختزال الجسد الى محض علاقات غرائزية وفق الاشتراطات التاريخية وموضعة الجسد كموضوع وليس ذاتاً ) بهذا المعنى لا ينفصل خطاب الجسد في الثقافة العراقية عن النسق السياسي السلطوي حيث يتحول الجسد الى شارح اولي لفوضى السلطة. تلك هي اعم التخطيطات الابستمية للثقافة العراقية حول الجسد حيث ان هذا التشكيل يحمل في احشائه كل الانتهاكات الممكنة وداخل هذه الشبكة الكبرى من التنويعات الثقافية تم تسويق الجسد العراقي في فضاء سياسي معتم وترويضه واشهاره دعائياً.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>