لماذا أقيل رائد نصرالله، مدير مسرح “بيت الكرمة”؟/ مطانس فرح

رائد نصراللّه: يريدون مديرًا إداريّـًا مخصِيّـًا أو خَتمًا لتسيير أمورهم وقراراتهم، أي مديرًا لا موقفَ له، عن هذا النّوع من المديرين يبحثون، على ما يبدو * أساف رون: كلّ ما جاء على لسان رائد نصرالله هو هراء تامّ السّبب الوحيد للإقالة هو مهْنيّ مَحض

لماذا أقيل رائد نصرالله، مدير مسرح “بيت الكرمة”؟/ مطانس فرح

رائد نصر الله3

رائد نصرالله. تصوير وائل عوض

.

|مطانس فرح|

metanes-qaditaتضاربت الآراء حول الدّافع الرّئيس من وراء إقالة المدير الإداريّ لمسرح “بيت الكرمة”، رائد نصر اللّه، بعد مرور أقلّ من سنة كاملة على اختياره بالإجماع لتسلّم المنصب. لا يزال الأمر مُبهمًا، ولا يزال تراشق التّهم مستمرًّا بين معارضين كُثر للقرار وبعض المؤيّدين له، هذا عدا الخلافات بين مؤسّسة “بيت الكرمة” والعاملين فيها، والّتي بدأت تطفو على السّطح، بالإضافة إلى صراعات القوى و”فرض العضلات”.

لمحاولة توضيح سبب الإقالة، كان لي هذا الحوار مع المدير الإداريّ المُقال لمسرح “بيت الكرمة”، رائد نصر الله.

- بدايةً، حدّثنا عن الحافز والدّافع من وراء اختيارك مَهمّة إدارة مسرح بيت الكرمة“.

“تجربتي في المسرح تعود إلى فترة مسرح “الميدان” عام 1998 ، عندما كان يُعرف باسم “المسرح العربيّ في إسرائيل”، حيث عملت مديرًا إداريّـًا لمدّة خمس سنوات، كان المسرح خلالها في ذروته وعاش عصره الذهبيّ، من حيث الانتشار والإبداع والتّقدّم. أذكر تلك الفترة دومًا وأتحدّث عنها باعتزاز، وأنوّه بدور المدير والزّميل فؤاد عوض. بعدها عملت في مجالات أخرى، كالإعلام والعمل الدّعائيّ والجماهيريّ، ومع الجمعيّات المختلفة.. وبصراحة، لم تراودني بتاتًا فكرة إدارة مسرح “بيت الكرمة”، إلّا أنّ أحد الأصدقاء المقرّبين نصحني بالتّقدّم إلى الوظيفة، وأنا لم أكن أرغب بذلك لسبب الطّابع السّلبيّ لمسرح “بيت الكرمة”، والدّمغة المصبوغ بها!”

- عن أيّ دمغة أو طابع سلبيّ تتحدّث؟

“إنّ مسرح “بيت الكرمة” يُعتبر مسرحًا مؤسّساتيّـًا بامتياز، له أجندته المبنيّة والمُقرَّرة مسبّقًا، لهدف تمرير سياسة المدير العامّ والمشرفين على مؤسّسة “بيت الكرمة”.”

- وبما أنّك تعلم ذلك،فما الّذي دفعك لقبول الوظيفة؟

“كان هناك ادّعاء بأنّ الأمور تغيّرت، مؤخّرًا، للأفضل.. وقد استفسرت عن ذلك، ليتّضح لي – بعد عملي في المسرح – أنّ ذلك كان وهمًا! وبهذه المناسبة أقدّم اعتذاري إلى عدد كبير من الأشخاص الّذين نصحوني بعدم قبول وظيفة مدير إداريّ؛ وفي الوقت ذاته، أشكر جميع الأشخاص الّذين ساندوني ودعموني ووقفوا إلى جانبي.

“قبلت بالوظيفة وكلّي أمل أن أنقل المسرح من مكان إلى مكان آخر، من حيث الهُويّة المسرحيّة وارتباطه بهموم المجتمع العربيّ، على اعتبار أنّ مسرح “بيت الكرمة” مسرح عربيّ؛ ولكن – للأسف الشّديد – من النّاحية العمليّة، كانت هناك أجندة أخرى مُقرَّرة مسبّقًا حدّت من عملي. من المفترض أن يكون هدف مسرح “بيت الكرمة”، أساسًا، دعم وتطوير الثّقافة العربيّة في البلاد، رغم كونه جزءًا من المركَز العربيّ – اليهوديّ، “بيت الكرمة”؛ ولكن على ما يبدو، كانت هناك أجندة أو أجندات أخرى وقفت عائقًا وحجر عثرة أمام تحقيق هذه الأهداف؛ أعترف بأنّي اكتشفتها لاحقًا.

- أتعتقد أنّ تعاقد وعمل مسرح بيت الكرمةمع ممثّلين دائمين أفشل عمله،وحدّ من دخول ممثّلين جُدد؟

“صحيح أنّ هناك فرقة من الممثّلين يعمل معها مسرح “بيت الكرمة”  بانتظام. من الطّبيعيّ أن يكون للمسرح المهْنيّ فرقة مسرح ثابتة، ولكن هذا لا يعني إغلاق الأبواب أمام دخول ممثّلين ومبدعين أصحاب طاقات وقدرات تمثيليّة. فليس من الضّروريّ أن تشكّل الفرقة الثّابتة عاملًا مُعيقًا. ولكن يبقى السّؤال: كيف يمكنك التّعامل مع هذه الفرقة المسرحيّة؟.. وللحقيقة، أنّ مَن يعمل ضمن فرقة مسرح “بيت الكرمة” يعاني ظروف عمل غير عاديّة، من حيث شروط وساعات العمل والمردود المادّيّ وإمكانيّات الإبداع. هذا ما حاولت أن أغيّره، لهدف حَفْز الممثّلين على الإبداع والعطاء، وبناء علاقة ثقة معهم لا علاقة شكّ وترهيب. واعلم أنّه خلال عملي كمدير إداريّ لمسرح “بيت الكرمة” عمل في المسرح أربعة ممثّلين مستقلّين – “فري لانس”.

- هل كان لديك أمل في التّغيير، فعلًا؟

“طبعًا. لقد قدّمت برنامَج إشفاء للمسرح. وبالمناسبة، عندما تمّ اختياري لإدارة المسرح، وقع عليّ الاختيار بالإجماع من بين 16 مرشَّحًا. الشّهادات والتّجارب والتّوصيات الّتي قدّمتها كانت واضحة إلى أقصى حدّ، وكانت خير دليل للإشادة بتجربتي وكفاءَتي وخبرتي. لقد كانت سنتي الأولى -والّتي لم تكتمل- عبارة عن تحسّس وتفقّد لبعض الأمور، والتّماشي مع البرنامَج المُقرَّر سلفًا. لكنّي فوجئت بعدّة أمور اكتشفتها خلال عملي، ومنها التّجاوزات المهْنيّة في مسرح “بيت الكرمة”، تجاوزات تخدم المؤسّسة وأجندتها المقرَّرة.”

- ماذا تعني بالتّجاوزات المهْنيّة؟

“بمعنى أنّه فُرض على المسرح مدير فنّيّ، من دون أيّ مناقصة أو إعلان عن الوظيفة، قبل دخولي المسرح بشهر واحد فقط، من دون مشورة أحد. وقد عيّنه مدير عامّ “بيت الكرمة” أساف رون، وبموافقة رئيس البلديّة يونا ياهڤ.”

- أتقصد المدير الفنّيّ إيلي مَمان؟

“لا توجد لديّ أيّ مشكلة مع هُويّة الشّخص القوميّة، طالما أنّه يقوم بواجبه وعمله كما يجب، وطالما أنّه أهل لتسلّم منصبه وملمّ بعمله.”

- وما هي المآخذ على عمل المدير الفنّيّ؟

“اللّوم والمآخذ، أساسًا، أكيلهما لسياسة مؤسّسة “بيت الكرمة” لا لأشخاص معيّنين. فمسرح “بيت الكرمة” لا يقدّم للثّقافة العربيّة شيئًا، ولا ينهض بها، بل يعمل على تشويهها. إنّه مسرح مؤسّساتيّ بامتياز! وبالنّسبة إلى عمل المدير الفنّيّ، إيلي مَمان، فقد قام بكتابة مسرحيّتين من ضمن ثلاث خلال الفترة الأخيرة، باللّغة العبريّة، تمّت ترجمتهما إلى اللّغة العربيّة؛ مع العلم أنّه غير مختصّ بكتابة النّصوص المسرحيّة. وهذا المدير لا يجيد حتّى كتابة اسمه باللّغة العربيّة. تقديم الثّقافة العربيّة لا يمكنه أن يتمّ من قبل شخص يجهل تمامًا ثقافتنا العربيّة، ويجهل مقوّماتها ورموزها، ويجهل إميل حبيبي وسعد اللّه ونّوس ومحمود درويش، وغيرهم.”

- كيف تمّ تعيينه،إذًا؟

“عُيّن -كما ذكرت- من دون أيّ مناقصة، وقبل تسلّمي منصب المدير الإداريّ لمسرح الكرمة بشهر واحد، فقط. فهذا يفسّر كلّ شيء. لقد جاء تعيينه لتمرير قرارات المدير العامّ.”

- ولكن،في المقابل، هناك ادّعاء أنّ رائد نصرالله،خلال سنة بأكملها، لم يقدّم شيئًا لمسرح بيت الكرمة“.

“خلال عملي في المسرح بنيت علاقات تفاهم واحترام وتعاون مع طاقم مسرح “بيت الكرمة”، من أصغرهم إلى أكبرهم، يهودَ وعربًا. الجميع يشيد بعلاقة الاحترام والتّقدير والمودّة الّتي سادت المسرح خلال وجودي. خلال عملي في المسرح حاولت حلّ واحتواء أزمات عديدة بشتّى الطّرق، وهذا يقودني إلى الاستنتاج أنّ ادّعاء إقالتي لسبب فشل مهْنيّ عارٍ عن الصّحّة. هذا ادّعاء باطل من أساسه، فخلال جلسة الاستماع أعددت تفنيدًا مفصّلًا لجميع الادّعاءات الباطلة، بما فيها توصية من المسؤولة في دائرة المسرح في وزارة الثّقافة، تؤكّد فيها أنّ المكان الّذي يعمل فيه رائد نصر الله هو مكسب كامل لهذا المكان. ففي كتابها أشادت بمهْنيّتي وإلمامي. كما أنّ وقوف غالبيّة العاملين في مسرح “بيت الكرمة” إلى جانبي ومساندتهم لي دليل آخر على أنّ إقالتي لم تكن لأسباب مهْنيّة. فبالتّالي، ادّعاء الإقالة لسبب مهْنيّ هو غير صحيح وباطل. عملت على إطفاء حرائق، وإصلاح مفاسد، وحلّ مشاكل الآخرين. وطّدت العلاقة بين الممثّلين وحرصت على أن تكون الأجواء إيجابيّة. خلقت جوًّا للعمل السّليم في المسرح. وبسبب جهودي وصل مسرح “بيت الكرمة” العالم العربيّ الواسع.”

- كيف؟

“لأوّل مرّة يتمّ إعداد تقرير لمحطّة تلفزيون الـM.B.C  عن مسرحيّة محلّيّة خاصّة من إنتاج مسرح “بيت الكرمة”، ألّا وهي “مع فائق الاحترام” لكاتب ومخرج فِلَسطينيّيْن، هما سهيل كيوان ونبيل عازر. كانت هذه المسرحيّة قد رُفضت في دورة المسرح السّابقة! لقد كان المسرح نكرة لدى عدد كبير من المؤسّسات والجمعيّات؛ وخلال وجودي – وبفضل علاقاتي مع المؤسّسات والجمعيّات والشّخصيّات – أعدت ثقة النّاس بمسرح “بيت الكرمة”، وطّدت العلاقة مع غالبيّة المؤسّسات العربيّة والاجتماعيّة في البلاد، فأصبحوا يرَوْن فينا عُنوانًا، في حين أنّه قبل تسلّمي المنصب كان هناك ابتعاد وارتداد عن المسرح.

“قمت بالتّرويج للمسرح، حيث كان يتصّدر العناوين أسبوعيّـًا في الصّحف ومواقع الـ”إنترنت”.. مَن يُرِد أن يبني أو ينهض بالمسرح لا تكفِه سنة عمل واحدة؛ كلّ البرنامَج الإنتاجيّ كان مقرَّرًا سلفًا، ومع ذلك نجحت في إدخال مسرحيّة واحدة. هناك مَن حاول تعطيلي وتكبيل يدَيّ. كان هناك تدخّل دائم لأساف رون (المدير العامّ) في شؤون المسرح وقراراته، في كلّ كبيرة وصغيرة. فلا يمكن لأيّ مسرح كان أن يعمل ويقدّم ويبدع وسط قرارات وتقييدات. يصعب محو أو تغيير الصّبغة المدموغة لـ”بيت الكرمة” خلال سنة عمل واحدة، فقط!

“خلال هذه السّنة فُرض عليّ برنامَج مقرَّر مسبّقًا، وخلال هذه السّنة، أيضًا، وجدت تجاوزات في إدارة المسرح، وأبديت امتعاضي منها. المدير الفنّيّ هو مخرج أيضًا، وكاتب نصوص مسرحيّة بالعبريّة تُترجم إلى العربيّة، رغم عدم إلمامه بالثّقافة العربيّة. على مدار خمسة عروض مسرحيّة متتالية تعامل المسرح مع مصمّمة ومنفّذة الديكور نفسها؛ بينما في فترة وجودي في مسرح “بيت الكرمة” أشرعت أبوابه لكبار المبدعين ليجدوا فيه عُنوانًا، وليتقدّموا باقتراحاتهم.. الإبداع لا يمكن خلقه أو حصره. ولكن غالبيّة الاقتراحات المقدّمة لمسرح “بيت الكرمة” رُفضت. كانت لديّ نوايا للتّغيير، ولكنّ الأمور على أرض الواقع سارت بخلاف ذلك.”

- رُفضت؟!

“نعم. تمّ رفض هذه الاقتراحات من قبل المدير الفنّيّ لمسرح “بيت الكرمة”، إيلي مَمان، بحجّة أنّ لدينا برنامَجًا فنّيّـًا علينا تنفيذه. ولكن ضمن الإمكانيّات الموجودة، عاد المسرح لبناء علاقات مع مؤسّسات تهتمّ بشراء عروض، مثل: نقابة المعلّمين، السّلطات البلديّة، المؤسّسات الثّقافيّة، البنك العربيّ.. وغيرها. أتيت إلى مسرح “بيت الكرمة” بحماس شديد.. جئت مع أجندة وبرنامَج عمل وخُطّة إشفاء ونشاط كبير، وعندما سألوني عن رؤيتي، أجبت: سأجعل مسرح “بيت الكرمة” المسرح بالـ التّعريف ليصبح مسرح المجتمع العربيّ بامتياز، مسرحًا يتعامل ويعيش قضايا المجتمع العربيّ، يرتبط بهموم المجتمع العربيّ وثقافته وتاريخه وفنّه، فلا يكون غريبًا عنّا، لا ثقافيّـًا ولا فكريّـًا ولا سلوكيّـًا! ولكنّي كنت واهمًا.

“هم لا يبحثون عن مدير إداريّ لمسرح “بيت الكرمة” بل عن مدير مخصِيّ أو ختم مطاطيّ لتسيير قرارات المدير العامّ والمسؤولين، يبحثون عن مدير شكليّ! لذا أنوّه بأنّ السّبب الأساس من وراء إقالتي من العمل هو سياسيّ محض!”

- ولكنّهم كانوا على دراية تامّة بتوجّهك أو انتمائك السّياسيّ قبل قبولك للعمل..

“صحيح، وأنا لا أخفي توجّهاتي وميولي السّياسيّة، كما لا أستغني عن مواقفي السّياسيّة، مهما كلّفني الأمر، فهذا الموضوع غير وارد في أيّ حال من الأحوال. لا مجال لديّ لإخفاء هُويّتي السّياسيّة أو الخجل منها. “بيت الكرمة” يعمل كبيت للمخابرات ومن تجربتي اُؤكّد أنّه لم تتمّ إقالتي من عملي لأسباب “مهْنيّة” صِرفة، ولا لأسباب سياسيّة – مخابراتيّة، بل لمواقفي السّياسيّة من جراء مراقبة “نشاطي” عبر موقع التّواصل الاجتماعيّ (فيسبوك) والّذي حاولت خلاله التّعبير عن مواقفي وآرائي. فعلى ما يبدو، صورة نتنياهو رافعًا يديه الملطّختين بالدّماء على صفحة التّواصل الاجتماعي الخاصّة بي، أغضبت المسؤولين والمدير العامّ لـ”بيت الكرمة”، ولم أعُد صالحًا – من وجهة نظرهم – للبقاء في منصبي.. مُعرِبين عن استيائهم من تَجوالي في الـ”فيسبوك” و”انشغالي” به خلال ساعات العمل!”

- يحقّ لكلّ مؤسّسة أو مكان عمل مراقبة عمل موظّفيها وإعطاء ملاحظاتها، أليس كذلك؟

“هذا صحيح ومقبول، إن كان الانتقاد عينيّـًا… حاولت أن أعزّز وأوطّد صلة التّواصل مع المسارح الأخرى خلال وجودي في منصبي، وخصوصًا مع المسارح الفِلَسطينيّة، فجاءَني أساف رون قائلًا لي بالحرف الواحد: “دَعك من الفِلَسطينيّين.. يجب أن تتقبّل وتتعوّد العيش في هذه الدّولة كدولة يهوديّة”. وهنا تسقط ورقة التّين ليسقط معها ادّعاء “عدم المهْنيّة” كلّيّـًا! يدّعون أنّهم يعملون من أجل التّعايش والأخوّة والمساواة والنِّدِّيّة، ولكنّهم يعملون على خلاف ذلك. وأنا – بدوري – تربّيت على المساواة واُؤمن بالنِّدِّيّة والتّعايش، لكن وفق مبادئي، لا تعايش الفرس والفارس!  ومشكلتي كانت مع سياسة مؤسّسة “بيت الكرمة” وعمل الرّوابط البلديّة.”

- لِمَ لم تقدّم استقالتك من إدارة بيت الكرمة،إن لم يرُق لك الوضع؟

“لم تبدُ لي الصّورة واضحة منذ البداية. في برنامَج العمل الّذي أُقرّ كانت التّوجّهات واضحة، وكان حولها نقاش محتدم. طالبت المسرح باستقطاب نشاطات وفعّاليّات ثقافيّة فِلَسطينيّة لا مجرّد ترجمات من العبريّة. أردت تعاونًا مشتركًا، عربيّـًا – يهوديًا، تعاونًا نِدِّيّـًا، من منطلق المساواة، لا تعاون الفارس والفرس. كنت واثقًا من أنّه من حقّي وواجبي – رغم وجودي ضمن نطاق وظيفة رسميّة – أن أعبّر عن مواقفي السّياسيّة؛ فالمدير الإداريّ لأيّ مسرح عربيّ هو جزء من الهمّ العربيّ العامّ والفِلَسطينيّ الخاصّ. كرامتي ومبادئي يحتّمان عليّ المشاركة، مثلًا، في تظاهرة على مقربة من “بيت الكرمة” قد تطالب بوقف الاحتلال ومنع مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، أو وقف العدوان على غزّة، وغيرها.. نعم، سأترك المكتب للمشاركة في التّظاهرة، فهذا جزء من التزامي، أيضًا.”

- ولكنّك دفعت ثمن تصرّفك هذا..

“أنا معتاد على دفع الثّمن. نحن ندفع الثّمن دائمًا في هذه البلاد. لكنّي لا ولن أساوم على مواقفي ومبادئي وأخلاقيّاتي، حتّى لو كلّفني ذلك وظيفتي. كنت على يقين من أنّي أعمل داخل مؤسّسة أو “جهاز رسميّ”، لكنّي لم أتوقّع وجود “أخ أكبر” يراقب كلّ شيء، كلّ خطواتي ونشاطاتي وتجوّلاتي وأوضاعي (“ستاتوساتي”) عبر الـ”فيسبوك”.”

- لنكن صَريحَيْن وواقعيّين، عندما يقوم رائد نصرالله بالتّظاهر أو بكتابة “ستاتوسأو رفع صورة ما عبر الـفيسبوك، سيُقال إنّ المدير الإداريّ لمسرح بيت الكرمةقام بذلك.. فأنت تمثّل مؤسّسة بيت الكرمة“..

“لنفرض أنّ كلامك صحيح.. فأيّ مسؤول أو مدير عامّ لا يروق له تصرّف أحد مديريه أو موظّفيه يستدعيه للاستجواب أو للفت نظره أو لتحذيره أو لإبداء تحفّظاته، لا يعمل “من وراء ظهره” كالمخابرات لتقييد عمله أو إطاحته. وعندما أقول إنّ “بيت الكرمة” بيت مخابرات، لا أقصد أيّـًا من الزّملاء، بل سياسة المؤسّسة العامّة. جميع التّوجّهات والمحاولات من عدد كبير من الدّاعمين والنّاشطين والفاعلين – الّذين أقدّم لهم جزيل الشّكر – لتغيير قرار إقالتي لدى رئيس البلديّة، يونا ياهڤ، باءَت بالفشل؛ بحجّة أنّ هذا القرار يخصّ مؤسّسة “بيت الكرمة”، فقط!  فكيف ذلك ومؤسّسة “بيت الكرمة” رابطة بلديّة تابعة للبلديّة؟ ومعلوم أنّ تعيين المدير العامّ لـ”بيت الكرمة” يتمّ بموافقة من رئيس البلديّة. وهنا يُطرح السّؤال: كيف تُدار هذه المؤسّسات؟!

- بعد كلّ ما ذكرت، لماذا فاجأك قرار الإقالة؟

“لم أتوقّع إقالتي. فلم تكن هناك أيّ إشارات لذلك. في الاجتماع الدّوريّ الأخير لمؤسّسة “بيت الكرمة” في 13 من شهر كانون الأوّل  2012، وصلني تلخيص للاجتماع، من المدير العامّ، أساف رون، مُذيَّلًا بجملة تعني أنّ المدير العامّ سيفحص ويراجع حساباته بالنّسبة لإمكانيّة تشغيل المدير الإداريّ بدون تسويغ واضح أو تفصيل الأسباب. فوجئت، بل صُدمت.. لأكتشف، لاحقًا، أنّ القرار سياسيّ بامتياز لا مهْنيّ. أساف رون يتصرّف ويتكلّم بأسلوب، وعلى أرض الواقع يتصرّف ويتكلّم بأسلوب مغاير، تمامًا.”

- هل حاولت مراجعة حساباتك؟ ألم تفشل أو تقصّر خلال عملك؟

“لا أعتقد ذلك. كنت واهمًا لا مُقصّرًا. سخّرت كلّ رصيدي وخبرتي لأهداف سامية، محاولًا النّهوض بالمسرح ونقله لمكان آخر، بعيدًا عن صبغته السّلبيّة. وهنا أعترف بأنّي كنت واهمًا.. ورغم ذلك، ورغم التّضييقات، فإنّ الإنجازات الّتي حُقّقت والمجالات الّتي فُتحت أمام المسرح في هذه الفترة القصيرة تُسجّل لصالحي. إنّ المدير العامّ حاول إقصائي ومنعي من التّدخّل في عدّة قرارات وقضايا إداريّة.. لا يُحاسَب المدير المُكبّل اليدين، ولا تُقاس الأمور بالنّجاح أو الفشل لدى تقييدك بأجندة مفروضة مسبّقًا. ورغم ذلك كلّه، فتحت آفاقًا جديدة أمام المسرح.”

- لماذا أنت مصرّ على أنّ سبب الإقالة سياسيّ؟

“سأعطيك مثالًا. طلب منّي المدير العامّ، أساف رون، المشاركة في جولة لمجموعة “تچليت” (مجموعة مكاتب سياحيّة تساهم في تشجيع الشّباب اليهود على القدوم إلى إسرائيل) إلّا أنّي رفضت معلِّلًا ذلك بأنّي لا أروّج أو أشجّع قدوم اليهود إلى إسرائيل، وبأنّي لا أعمل موظّفًا لدى الوكالة اليهوديّة.. هذه الأمور ونشاطي الـ”فيسبوكيّ” ومواقفي السّياسيّة، سُجّلت ضدّي في “سجلّيَ الخاصّ”؛ إذ لا يُمكنهم التّعامل مع – أو تقبّل – شخص له مواقف سياسيّة.”

- متّى تمّت إقالتك،رسميّـًا؟

“في يوم ميلادي. تخيّل هدّية المدير العامّ لـ”بيت الكرمة” في نهاية العام المنصرم، في خضمّ التّحضير للاحتفال بالسّنة الميلاديّة الجديدة، يأتي مكتوب الإقالة، في 30 كانون الأوّل  2012. رغم أنّ نهاية عملي – وفق المناقصة – تكون في 3 كانون الثّاني 2013. ورسميّـًا، أنهيت عملي في 31 كانون الثّاني، ولكنّي بُلّغت بالإقالة في 30 كانون الأوّل  2012. فاجأني القرار جدًّا.

كانت هناك أصوات صادقة من داخل “بيت الكرمة” من العرب واليهود، وخارجه أيضًا، حاولت منع القرار مشكورة، لكنّ محاولاتها باءت بالفشل. على المستوى الشّخصيّ لم تغيّر هذه التّجربة من قناعاتي السّياسيّة والفكريّة والاجتماعيّة. أشكر مَن ساندني ووقف إلى جانبي، وأعتذر إلى مَن حذّرني من خوض هذه التجربة، ولم أسمع له.”

- هل حضرت العرض الاحتفاليّ الأخير لمسرح بيت الكرمةلمسرحيّة مقالب سكاپين؟

“لم تتمّ دعوتي لحضور العرض الاحتفاليّ. ومع ذلك أرسلت رسالة نصّيّة قصيرة (S.M.S) متمنّيًا النّجاح والتّوفيق لطاقم العاملين، جاء فيها: “إلى الزّملاء الأعزّاء، طاقم العاملين على مسرحية “مقالب سكاپين”؛ المخرج الصّديق، إيهاب سلامة، والمصمّمين والممثّلين والممثّلات، والتّقنيّين والإداريّين..  تحيّاتي الحارّة لكم، مع أطيب الأمنيات بنجاح العرض الاحتفاليّ، مساء اليوم. يعطيكم العافية، ودائمًا – كما عهدتكم – أراكم مُبدعين ومُخلصين ومُتفائلين؛ مع محبّتي الخالصة، رائد نصر الله”.

“أخلاقيّاتي وسلوكيّاتي لا تسمح لي إلّا بأن أتعامل مع المبدعين بكلّ احترام، مشكلتي مع المؤسّسة يجب ألّا تنعكس على الطّاقم. مسرح “بيت الكرمة” يبحث عن مدير إداريّ تحت مصطلح “عربي جيّد”؛ عربيّ مِطواع، ينفّذ الأوامر، ويمشي وفق التَّلَم، لا يخرج عنه، ولا يعارض التّوجّه العامّ. ولكنّ المسرح، أساسًا، خُلق لهدف الإبداع والخروج عن التّوجّه العامّ.”

- ماذا أعطى مسرح بيت الكرمةرائد نصرالله،وماذا أخذ منه؟

“”بيت الكرمة” أعطاني تجربةً سلبيّة، فلم يضف إلى رصيدي شيئًا ملموسًا. لقد أغنى ممارستي لا تجربتي. خلال وجودي في مسرح “بيت الكرمة” أنعشت اتّصالاتي مع المؤسّسات التّعليميّة والتّربويّة والثّقافيّة والبلديّة، ومؤسّسات المجتمع المدنيّ وعدد من المبدعين. لكنّي جئت إلى المسرح وفي جَعبتي رصيدي الشّخصيّ، وخبرتي، وشبكة علاقاتي الواسعة، الّتي سخّرتها لهدف النّهوض بمسرح “بيت الكرمة” وإحداث نقلة فعليّة في هذه المؤسّسة؛ لكنّي – للأسف الشديد – كنت واهمًا.”

- أين ترى مسرح بيت الكرمةفي المستقبل القريب؟

“يهمّني جدّا المسرح بشكل عامّ، كما تهمّني كلّ حركة مسرحيّة جديدة. إذا عمل مسرح “بيت الكرمة” بشكل سليم، على خدمة ثقافتنا العربيّة ومجتمعنا العربيّ، فسأكون سعيدًا. لا يوجد لديّ أيّ شعور بالكَيديّة أو الانتقام، أرجو للعاملين والمبدعين في مسرح “بيت الكرمة” كلّ التّألّق والتّقدّم والنّجاح، بما يساهم في تعزيز الثّقافة العربيّة. فهذا يجب أن يكون هدف المسرح المُعلَن؛ وأيّ هدف آخر يسعى لتشويه ثقافتنا العربيّة، وانتمائنا التّاريخيّ والقوميّ، ومدارسنا المسرحيّة، ومبدعينا المحلّيّين، وعلى مستوى العالم العربيّ، سيقف له جمهورنا ومبدعونا ونقّادنا بالمرصاد.”

تعقيب إدارة “بيت الكرمة”

karmahعقّب المدير العامّ لـ”بيت الكرمة”، أساف رون، على ما جاء في التّقرير، قائلًا: “كلّ ما جاء على لسان رائد نصر الله هو هراء تامّ! فالسّبب الوحيد للإقالة هو مهْنيّ مَحض. نصر الله غير ملائم لإدارة المسرح، ولم نشعر بوجوده خلال 11 شهرًا، ولم يأتِ للمسرح بأيّ قيمة إضافيّة، ولم يُغنه. إنّي أحترم رائد نصر الله كإنسان، وليس لديّ أيّ رغبة بمجابهته.”

وأضاف رون: “منذ دخولي إلى “بيت الكرمة”، في شهر تمّوز/يوليو من العام 2010 وحتّى يومنا هذا، تلقّينا ردود فعل ممتازة من المجتمع العربيّ بفئاته كافّة، بمَن فيهم فنّانون من الجولان ومن شرق القدس، قدّموا عندنا عروضًا بعد سنوات من رفضهم ذلك، وهذا يشمل الشّباب الّذين يستعيدون علاقاتهم مع “بيت الكرمة”، وذلك بعد سنوات من المقاطعة في الفترات السّابقة. ولم أسمع، قطّ، أيّ ادّعاء عن “تسييس”، خدمات “المؤسّسة”، أو تقييد حرّيّة التّعبير”. واستطرد قائلًا: “ثمّة مَثل (بالعبريّة.. وعُذرًا؛ لأنّي واثق من وجود هذا المثل بالعربيّة) يقول: “لا يُحاسَب المرء ساعة ضيقه”. فماذا ظننت، أن يوافقني نصر الله على أنّه غير ملائم؟”.

واختتم رون تعقيبه بالقول: “إنّي أدعوك للتّوجّه إلى أيّ موظّف في “بيت الكرمة” -كما يروق لك-بمن فيهم أيّ ممثّل تختاره، أو أيّ فرد في فريق العمل المسرحيّ، وسؤاله عن الأجواء، الحرّيّة، حرّيّة التّعبير، والعمل المشترك.. وطبعًا، أيّ فرد في الإدارة أو أيّ فرد تختاره. كما أدعوك لتفحص تاريخ العمل المهْنيّ لرائد نصر الله، وكم من الوقت عمل خلال السّنوات الأخيرة، وماذا كان تأثيره! وكيف استطاع أن ينجح كمستقلّ في مكتب الإعلانات الّذي كان يعمل فيه – ولربّما لا يزال يعمل، لا أعلم – وكان شريكًا فيه! وتأكّد من الأجواء الّتي كان نصر اللّه يترك فيها أماكن العمل على مرّ السّنين. ومع ذلك، أرجو النّجاح لرائد نصر اللّه من أعماق قلبي، في مواصلة دربه.”

(عن صحيفة “حيفا”، العدد  164)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. عندما سأل أحدهم هل تعرف فلان؟ أجاب نعم، وعندما أثنو عليه بالسؤال هل أنت متأكد من حق معرفتك له؟ أجاب: نعم، متأكد. وعندما أخبروه بحقيقة فلان قال: لم أعرف كل هذا. وعندما ذاب الثلج، قال: جربته على جلدي.
    بربك رائد، هل نجدد لك إذا قلنا؛ أن بيت الكرمة مؤسسة لتدجين العرب في حيفا، وشرعنة غير الشرعي، والمس عن قصد بالثقافة العربية، وإدخال ثقافة هجينة تصب في النهاية بما نعرفة وتعرفة “عرب إسرائيل” وثقافة المسخ العربي. لبيت الكرمة دور وظيفي يقوم به بعناية، دور هدّام، وهو يستقطب السُذّج من منتحلي الثقافة والفن “العربي” الهابط و/أو الجاهلين من العرب، وكنت عزيزي رائد أحدهم، ولست وحدك هناك الكثير ممن لا زالوا في الحظيرة، وبهبلهم واستعباطهم يريدون إحداث التغيير!!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>