عم يلعبوا الولاد/ راجي بطحيش

يُعقد غدًا الجمعة (10 الجاري) الصالون الأدبي في جمعية الثقافة العربية في الناصرة، لمناقشة كتاب الزميل راجي بطحيش الجديد، “بر، حيرة، بحر”. عشية هذه الأمسية ننشر هنا هذا المقطع من الكتاب الذي خصّ به الكاتب موقع “قديتا”

عم يلعبوا الولاد/ راجي بطحيش


|راجي بطحيش|


هذا مشهد هام ومكثف بتقطيع متناغم

1

أقف عند حدود وهمية متاحة للكبار في جنة الألعاب الطفولية المحتدة في نهايات الصيف الوهمي هو أيضًا. سوء فهم مزمن يحكم هذا الوجود المقتطع من نكتة تاريخية غير مضحكة؛ هل يعرف هذان الولدان شيئًا عن ملابسات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والإسرائيلي العربي والفلسطيني العربي والفلسطيني الفلسطيني والشرقي الغربي والإسلامي اليهودي والإيراني السعودي و..و.. حتى يتحابّا بهذا الشكل المحرج؟ وما أنا بفاعل؟.. يعطي الطفل الثاني طفلي الأول طابة حمراء صغيرة انهكتها بصمات الطفولة المنزوعة عن المكان والملقاة في مكان. ماذا يعرف هؤلاء كي يتحابّا بهذا الشكل؟ ما الذي يعرفانه عن لذة الكراهية والرعشة التي يبعثها البغض في البدن؟ قد يذلّ الطفل الثاني الطفل الأول في مطار بن غوريون الدولي وهو يبحث في كل فتحاته الممكنة عن طابة بلورية حمراء من كبرياء…

يتكلم الرجل الأشقر الطويل مع الطفل الثاني إنجليزية مطعمة بعبرية ولغة ثالثة أخرى غريبة ويشرح له بمنهج تربويّ غربيّ أسماء الحيوانات وملاحظات عن حياتها (متجاهلا حيثيات نفوقها) والنباتات وانتشارها في أرض اسرائيل وأسرار ذلك.. وكأنّ كلّ شيء كان قد أعدّ مسبقا قبل دهور.. ما هذه الأسماء يا ربة كنعان؟ لا تقترب مني أيها المستوطن الإفتراضي…لكن ماذا يهم؟ جميعنا مستوطنون على هذه الأرض…

يقذف طفلي الأول الكرة الحمراء ذاتها فترتطم في وجه بنت تحبو قرب الخروف الليلكي وتلملم ما تناثر أرضًا من حروف القهر. تستحيل الكرة الحمراء زهرة مفترسة كحلّ انتقالي.. أو مرحلي كما يقولون..


مشهد حالم وضبابي من أجواء المدينة التي أنهكها الحرّ

2

ها أنا أقف عند موقف الحافلات، يعبر باص رقم 40، تضع الفتاة الشاحبة خدّها على الزجاج الملوث.. في الداخل تحتمي عيونها بجسور وأنفاق المدينة وبانعكاسات أبراجها المنتصبة الجاهزة للإيلاج في ثقب التاريخ والجغرافية في أية لحظة معطاة. تحتمي بجسر المشاة فوقها وفوق الحافلة.. يقطع صخب جماعة الفتية اللاجئين من دارفور حبلَ أفكارها. يتحدث زعيم الشلة عن مغامراته هو وأمّه حين عبرا الحدود السودانية المصرية فالمصرية الإسرائيلية فالإسرائيلية الفلسطينية فالعربية الإسرائيلية فالفلسطينية الفلسطينية فالشرقية الغربية فالإسلامية اليهودية فالإيرانية السعودية فالموالاتية المعارضاتية.. في طريقهما الى أرض البرتقال المهندس وراثيا. يقول الزعيم الدارفوري: هل تشاهدون، رصاصة الجندي المصري لا تزال في جيبي!

تحتمي الفتاة الشاحبة بخيالات جسر عملاق تتوارى جثث القطط المتعفنة بين أعمدته. تحتمي من لحظة حميمية واحدة ستجمعها بعد قليل مع أمها وأخيها حول ذكريات طفولة بعيدة في قرية قرب تشرنوبيل، عندما تحوّلت الطابة الحمراء الى كتلة صفراء من الحيرة.


تقطيع بحجم الدراما المفتعلة

3

ها أنا أقف هنا، قبالة سنواتي التسع، بفارق سنتين بين النبضة والأخرى.. ثمة خطأ في الحساب ولكن ولاعتبارات بلاغية.. ها أنا أقف للمرّة الألف خلال تسع لحظات متداخلة، أحاول تأجيل جذوتي كي أتمكّن من نطقها (كلمة الحب) قبل أن يطلق سوء الفهم المزمن المبكي مَنيه من جديد…

ها هي الفرصة تذوي.. كرة حمراء تصبح فحمًا في قلبي..

(أواخر آب 2009)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. مذهل راجي، مذهل أسلوبك في مقاربة تعقيدات وملابسات الحياة الانسانية في وطن ملتبس. مذهلة كاميرتك اللغوية الحساسة وهي تجوس في ما وراء الصورة، وفيما قبل الصورة، ذلك الجوس المفاجىء والمثير للأسئلة الحزينة، مذهلة لغتك وهي تتغلغل بهدوء صاخب في ثنايا الشعور واللاشعور ومطبات الطفولة المغدورة والغرابة في المشهد وجدران النفس وسجون الحياة والانسان.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>