“بمبي.. بمبي”، ولكن الواقع ليس كذلك/ رهام إسحق

“بمبي.. بمبي”، ولكن الواقع ليس كذلك/ رهام إسحق

المكشوف والمستور عن ليلة الدخلة: “كان إلي شوية تجارب قبل ما أتزوج بس من برّة لبرّة، مع ولاد صفي في المدرسة.. كنا نكتشف أجسام بعض. لما أجيت اتجوز حكيت لجوزي، بس مش كل التفاصيل. في أمور أحسن ما تنكشف”

romantic-night

>

|رهام إسحق|

أبدأ مقالي هذا وفي ذهني فضول كبير لهذه الليلة، “ليلة الدُخلة”. فمن منّا لا يملك بعضًا من هذا الفضول؟ ورُغم ذلك، ما تزال غالبية الناس تعبّر عن اندهاشها كلّما ذكرت الموضوع أمامهم، ليأتي ردهم بفيض من الابتسامات والضحكات التي دفعتني للتساؤل: “من أين تأتي؟” هل هي ردّة فعل لا إرادية لإخفاء توترهم؟ أم لتعجّبهم من ذكر ذلك الموضوع في غير سياقه؟ أم لإعجابهم؟

ألمس أيضًا ردّات فعل مثل الغمزات التي توحي بأنهم على معرفة بخصوصيّة هذه التابوهات. وهناك من لا يُظهر أيّ ردّ فعل وكأنّي اتحدث عن بحث في الفيزياء، وهو بالطبع فيه الكثير من الفيزياء- إذ يقومون بإبداء آرائهم من خلال اقتراح كتب ومقالات ومفارقات. من جهة أخرى البعض من أقربائي علقوا: “الله ينكمك ما أقواك”، أو مثلاً: “مش لتجربي بالأول!”. وهناك أيضًا من يتساءل: “لوين راح توصلي؟” أو: “هل هذا هو التوقيت المناسب لطرحه؟”. وهناك البعض الذي يقوم بتشجيعي ويهنئ جرأتي. ولكنني أقول هذا الشيء ليس من باب ادهاشكم او من أجل تهنئتي على ذلك، ولكن لأنني فعلا اتساءل: “لمَ لا؟” لم ليس هذا الموضوع؟؟

أعتقد أنّ أكثر ما يستوقفني فيما يتعلق بـ “ليلة الدُخلة” هو ذلك المصطلح الصريح المباح، والذي طالما تداوله الناس في مجتمعاتنا من دون تردد، وهو كما يقال بالعربي الفصيح ليلة الدُخلة…”ليلة الدخول”-يعني في اشي راح يدخل في اشي- ومثل إحدى الأمهات التي تثقف ابنتها بشأن هذه الليلة: “يا حبيبتي يعني تبعه راح يدخل بتبعك!”. والسؤال هنا ما هو “تبعه” وما هو “تبعها”؛ ولندع الخيال للعريسين للإجابة عن هذه المعادلة!

من الناحية الأخرى شبان في منتصف العشرينات يتغامزون ويثقفون صديقهم العريس: “الليلة راح تدخل منطقة محظورة”؛ “حضر حالك لاقتحام دروع عسكرية”؛ “عم نحكيلك عن اقتحام خط بارليف يا زلمة!”. ولكن لمَ كل هذه التعبيرات وهذه التهويلات؟ كأنه لم يعد في الموضوع أيّ حياء أو أيّ خصوصية أو سريّة. إنّ تدخل المجتمع كله بالاحتفال بهذه الليلة وتقصّي حقائقها وتشريع هذا التدخّل أمر مثير للجدل والتساؤل. وبالنسبة لمجتمع يعتبر نفسه “تقليديًا محافظًا” ويقوم بوصف واستباحة ليلة الزفاف أو هذه الليلة الحميمية ما بين الرجل والمرأة بإعطائها مسمّى ليلةُ الدخلة، فقد يكون فيه الكثير من الجرأة والمشاكسة والفضول واللا-عيب واللا-تقليديّ.

ومن خلال هذه المعطيات والتساؤلات اقتادني فضولي إلى فتح هذا الموضوع مع كل من كانت مستعدّة من النساء للتحدّث فيه ومنحي شهادتها، وقد قمت بمقابلة نساء من شرائح مختلفة في المجتمع الفلسطينيّ. وهكذا بدأت رحلتي في البحث أكثر عن تأثير هذه الليلة والتساؤل عنها بشفافيتها أو بهمجيتها كما يتهيّأ لي.

في إحدى دردشاتي مع امرأة متزوجة منذ سنتين وهي على علاقة حبّ طويلة مع زوجها، كنا في مكان عملها، وكانت تتحدّث بطلاقة وتضحك أمام زميلاتها التي استدعتهنّ هي ليسمعوا قصتها المثيرة عن ليلة زفافها أو بالأحرى ليلة دخلتها: “في ليلة دخلتي كل المعازيم قاعدين بيحتفلوا فينا. انا وجوزي كنا نضحك انه الكل عارف شو بدنا نعمل الليلة. بالليل روحنا على البيت ولا بنتفاجأ إنّه عيلتي محضرتلي ورود حمرا على التخت وقلوب حب. طبعا احنا وقفنا صافنين متوترين! شوي مشهد درامي يعني متل التلفزيونات والأفلام. المهم رحنا قمنا كلشي وبلشنا انّط على التخت ونضحك عليهم! وهيك قدرنا انكمل ليلتنا بدون ما نحس انه كل العيلة معنا على التخت. تاني يوم الصبح قمنا ورجعنا كلشي متل ما كان… وردة وردة، ووقعدنا نستنى  بأهلي اللي كانوا عم برنولنا من الصبح. طبعا همّه  لما وصلوا عنا اول اشي راحوا يتفقدوا غرفة النوم -عادي وكالة من غير بواب- وبالنهاية الكل طلع من الغرفة مستغرب مش فاهم شو صار بينا!”.

ولكن بعيداً عن المجتمع وعاداته وتقاليده وتدخلاته، ماذا عن إحساس المرأة في هذه الليلة؟ اتساءل عن مدى وعيها وثقافتها لليلة الدخلة؟ وعن مدى تأثير هذه الليلة في حياتها؟ هل هذه الليلة هي ليلة مميزة للمرأة العربية وهل تكون بانتظارها؟ كيف تتحضّر لها؟ ما هي المعتقدات والطقوس والخرافات من حولها؟ ما هي الهواجس والأحاسيس والأحلام والأفكار التي تحوم في ذهنها وفي جسدها؟ وما هي المتعة بالنسبة لها؟

 قالت لي امرأة وقد ذهبت للقائها في مكتبها المليء بالكتب والأوراق والملفات، وأذكر أنّ عينيها كانتا دائمتيّ السرحان والنظر إلى النافذة التي تطل من مكتبها: “بليلة دخلتي أو بيني وبينك ليالي دخلتي اللي اخدتنا لإتمام المهمة، ما كانت جميلة أو شاعرية متل ما تخيلت. كانت بتوجع ونزيف وقرف ونروح احنا الاتنين على الحمام لنوقف النزيف اللي صار معي. الغريب اني ما كنت مستحية منه بس اتمنيت لو يبوسني أو يحضني بلكي شال عني الوجع والخوف من اللي عم بيصير معي، أو عالأقل يحكي معي عن الموضوع… فأنا ما اتخيلت انه ليلة الدخلة بهاد الشكل أبدًا”!

“طيب كيف اتخيلتيها؟”

غمزتني و تابعت: “اتخيلتها بمبي بمبي!”. نظرت اليّ للحظة وأرجعت رقبتها الى الوراء وابتسمت: “كنت كتير بتساءل كيف ممكن أحس بهاي المنطقة فكنت دايما أسرح وأحلم وأتخيل النظرات الخجولة والعميقة بينا وبعديها يقرب من جسمي شوي شوي وبعدها اللمسات والهمسات والقبلات والمداعبات والضحكات والخجل ومن ثم تسليم الذات! مش عارفة بس كانت كتيرحلوة بحلمي  يعني جد متل الأفلام ااااه قديش كنت طفلة وهبلة بأنه أتوقع منه اي ردة فعل رومنسية في مثل هاي العملية الجراحية اللي بتصير معنا”.

أثّرت فيّ قصة هذه المرأة التي قد تشبه الكثير منا. فهل نحن كنساء عربيات نحوم بالاحلام الوردية والشعور بالحياء والطفولة الساذجة أوالحلم بالفارس المغوار؟ هل تعتقد المرأة انها شخصية في أفلام الابيض والأسود تلعب دوراً مع الجذاب “رشدي اباظة” أو “حسين فهمي” حيث تفيق بابتسامة عريضة في اليوم التالي! ولكني أتساءل ان كانت المرأة العربية ترى هذا الموضوع فقط من ناحية الفكر الطفولي الساذج الذي يستند للمثالية والأحلام الوردية؟ هل تعرفها على جسدها يقتصر فقط على ليلة الدخلة؟ هل ليلة الدخلة هي ليلة تستمتع بها؟ هل هي بصراع بين جسدها وتوقعات المجتمع لها بالعفة والطهارة؟ هل تجرؤ على التمرد والتحدث عن حاجتها لشريكها أو لأحد؟

حديث دار بيني وبين فتاة غير متزوجة، عملية جدا، لها شعر قصير أسود  تتحدث بصوت هادئ وناعم: “بحب الجنس من ما كان عمري سبع سنين وأنا بكتشف في جسمي وبمتع حالي. وطبعا كنت أحس اني بعمل اشي غلط كل ما افكر بنظرات امي واختي واخوي ومدرستي واصحابي، لحتى صرت مرات كل ما ألمس حالي احس اني عاملة جريمة! ولما صار عمري 24 سنة كانت اول مرة بكون فيها مع شب وهيك عالزلط  بس هو كان حبيبي وكان كتير لطيف معي، ولما لامس جسمي جسمه ولصقنا ببعض حسيت بمتعة كبيرة انتشرت في جسمي! ولما سألته كيف حسّ؟ حكالي يا دوبك صار بينا اشي بس حس انه كان عم يفتح وردة… بس انا ما حسيت بفتح وردة… حسيت بالرعشة والشهوة والعيب وكنت بدي اكتر من هيك، بس الفقسة انه بعد اكمن لحظة اتذكرت اخوي! آه اخوي! صورته اجت على بالي واتخيلت كيف راح اطلع بعيونه بعد ما اروح! انا من عيلة لا هي منفتحة ولا هي محافظة بس برضه هاي المواضيع ما بنحكى فيها بالبيت! بس دايما براسي وبفكر فيها، ومرات بيكون جاي عبالي حدا يسألني عن هالموضوع كأني مش موجودة كأنه جسمي مش موجود… يعني معقول صار عمري بالثلاثين ومفكرين إنه أنا لسه ما حدا باس تمي؟”.

كم من الصعب علينا ان نكون من جنس حواء في الكثير من الأمور ضمن هذا المجتمع، وكم من الصعب ان تكون لدينا شهوة وغريزة وأحاسيس نتحدّث عنها بأريحية ونطالب بأن نمارسها بجميع أشكالها. والسؤال هنا: لم الأمر صعب؟ أسئلة كثيرة بدأت تنشأ وتتشعّب لدي وقد تكون ليست بالجديدة، ولكن ما هو هذا الخوف أو الحاجز الذي تغلغل في جسد وعقل المرأة؟ ما هو هذا الشيء الذي يمنعنا من ممارسة الجنس بطريقة طبيعيّة؟ ما هو هذا السر العظيم الذي اذا أفشيناه قد يهدّد حياتنا؟

في مقهى مليء بالدُخان والهمسات جلست مع ثلاث نساء حيث كثرت ضحكاتنا ونحن نتحدّث عن هذه الليلة؛ “نسرين” فتاة محجّبة على وشك الزواج و”عُلا” متزوجة منذ عشر سنوات وتفوح منها رائحة العطر والماكياج، أمّا “رشا” فمتزوجة منذ ثلاث سنوات وعلى علاقة جيدة مع الاثنتين ولا تكفّ عن التدخين، مع العلم أنني ذكرت أسماء مستعارة لهنّ لسرية هذا البحث. قالت رشا: “طفينا الضواو وما عملت اشي، انه بالعربي الفصيح رفعت إجريّ ويللا… هو يدبّر حاله أنا ما دخلني، أنا أصلا عندي عقدة إنه حدا يشوفني مشلحة. إنه اول مرة حدا بيشوفني مشلحة عشان هيك طفيت الضواو انه يحس ويعمل بس ما يشوف!”

قاطعتها نسرين: “بستحي بستحي بستحي.. بس بتخيل بوسة، انا جريئة بس بهاد الموضوع انا كتير بستحي، ما بفكر بالموضوع كتير. يمكن اكتر اشي بتخيله هو بوسة. هو مسك ايدي بس انا لسه ما اتجرأت امسك ايده، أمي بضلها تقلي هبلة ولك تلحلحي، يمكن قبل بأسبوع بتجرّأ. أنا تاركة كل إشي لقبل العرس بأكمن يوم اكيد راح اتغير، ما بدي كتير افكر بالموضوع هلق انه ليش افكر فيه؟ ماخدة الامور ببساطة.”

وأما التي لديها خبرة طويلة عُلا: “أول يوم لا ما خليته يلمسني. قلتله ابعد عني. خبيت حالي تحت الحرام وقلتله ابعد هناك، فنمنا وما عملنا اشي وارتحت وما فكرت باشي. تاني يوم سوينا المهمة بس ضليت اخبي جسمي بالحرام كنت مستحية وأرجّ ورُكبي رجوا كتير. لهلق بيتمسخر عليّ لأنه رُكبي كانوا يرجّوا، في كل مرة بيصير معي هيك بقلي ما قربتش عليكي لسّه”.

وضمن حديث آخر باختلاف الزمان والمكان قابلت امرأة متحدثة وجذابة جدا تلبس كعبا حادا طويلا. وضعت رجلا على رجل وسألتني: “في واحدة هيك متلي بهالجرأة حكيتي معها؟” قلت لها بتعجّب: “لأ ما أعتقد بس…”، فردّت بدلع  ”يا عيب الشوم علينا!” في لحظات كثيرة كانت تتوقف عن الكلام وتراقب اذا كان كلامها  ضمن المعقول. أكملت حديثها: “يعني كان إلي شوية تجارب قبل ما أتزوج بس من برّة لبرّة، مع ولاد صفي في المدرسة.. يعني هيك كنا بدنا نكتشف أجسام بعض. لما أجيت اتجوز حكيت لجوزي، بس مش كل التفاصيل. يعني خلص في امور احسن ما تنكشف”.

استوقفتني هذه القصة كثيرا وتساءلت: ما الذي أخافها اكتشافه؟ لماذا على المرأة أن تعيش في مجتمعنا والخوف من اتهامها في سمعتها يسيطر عليها، حتى من زوجها؟ لم هو صعب على المرأة التكلم بصراحة عن جسدها ومتعتها وشهوتها بصدق ومن دون حرج؟! الأمر الذي أثارني أكثر والذي استقصيته ليس فقط من هذه القصة ولكن من الدردشات التي حصلت في المقهى، أنّ فكرة العيب من الجنس ومتعة الجسد تجمعهم، ولكن ما هو العيب؟ ومن أين أتى إلينا؟ ولماذا علينا دائما التخفّي؟

وهكذا مضت أيام حافلة بالاكتشافات والقصص والمداخلات عن هذه الليلة، وعن الشرف والعذرية والانحلال والعيب. وقد شاركتكم بمقتطفات صغيرة من مقابلاتي وتساؤلاتي. وقد تكون أسئلتي للمجتمع زادت ولعلي رأيت نفسي في بعض من هذه القصص واختلطت مشاعري بين الغضب والحزن من هذا الواقع الذي لم يتغيّر منذ زمن طويل! وأصبحت أتساءل عن هذه المفاهيم التي تربّينا عليها، وأحاول تعريفها وفهم مدى تأثيرها على تصرّفاتنا وأجسادنا. فلماذا نحتاج الى غطاء ليلة الدخلة لممارسة الجنس؟ لماذا ما زلنا ننتظر هذه الخرقة الملطخة بالدم حتى لو كانت وهمية؟ لماذا نريد الجنس ولكن نكبّله بالقيود والأحكام والعرض والمسموح وغير المسموح؟ أصبحت حين أمشي في الشارع أرى المرأة والمجتمع بطريقة مختلفة، وأصبحت أرى جسد المرأة كأنه ليس ملكاً لها بل ملك الأفكار والأحكام والمتعارف عليها و”الشرف” والعادات والتقاليد والزوج والعائلة والدين والآخرين؛ فهي مَلَكَة الجميع ولكن ليست مَلَكَة نفسها.

والسؤال هنا: كيف لنا كمجتمع، من امرأة ورجل، التعامل مع بعضنا البعض وتخطي هذه الليلة الأسطوريّة المسمّاة “ليلة الدخلة”، بأقلّ الخسائر والأحكام والأوهام؟

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. أنا بوافقك الرأي تماما أنه يجبالبحث مع الرجل ولكن لحساسية الموضوع أنا بدأت بحثي مع المرأة ومن ناحية أخرى قد تستفزين أنت لتقومي ببحثك مع الرجال فهذا جزء من بحثي هو أن يتم التساؤل عن هذه المواضيع من جميع النواحي. ومن ناحية أخرى انا أحببت تسليط الضوء على المرأة اذا للأسف هي ما زالت لا تملك جسدها وهذا أمر موجود عندها أكثر من الرجل.

  2. التعليق اود التنويه على عدم ذكر اي ردود افعال ذكورية او التكلم عن تجاربهم ،، فهل الانثى هي فقط من تحاسب او يدور حولها الموضوع في ظل المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه ؟؟لدي فضول لمعرفة ما هو شعور الرجل او الشب في هذه التجارب . هو ذكوري فقط عندما يريد ؟؟ 

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>