ربى سلامة: دائرية شبه مكتملة

الخروج من الفكر الجماعي كعملية ضرورية لرحلة النفس إلى الوعي الذاتي. “خارج المكان” هو معرض لمجموعة أعمال من السنوات الأخيرة بحثت خلالها الفنانة ربى سلامة مسألة الهوية وظاهرة الحاجة إلى التعريف والهوية داخل المجتمع والعلاقة بين الفرد والجماعة. اسم المعرض “خارج المكان” مقتبس من عنوان سيرة إدوارد سعيد الذاتية إجلالاً لذكراه وأثره

ربى سلامة: دائرية شبه مكتملة

(تستضيف زاوية “غاليري” معارض فنية لفترات تزيد عن ثلاثة أسابيع. لاقتراح أعمال فنية أو فنانين يمكن إرسال بريد إلكتروني إلى محررة الزاوية ميساء عزايزة: maisa.azaizeh@gmail.com؛ النص هنا يلي معرض الصور)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ربى سلامة: دائرية شبه مكتملة

|علاء حليحل|

رغم أنّ الأعمال الفنية الواردة في هذا المعرض لا تنتمي إلى تقنية عمل واحدة، إلا أنها تجتمع كلها تحت ثيمة يمكن أن أسمّيها بحذر “لعبة اللون والضوء”. فربى سلامة ترسم على القماش والورق ثم تمدّ خيوطًا رفيعة مشدودة عبر مسامير مدقوقة على خشب، وتتخذ من الزاوية موطئ قدم للوحة تجزّأت على طرفي عمود عريض، كانا يبتعدان من قبل، ثم اقتربا من جديد بفعل اللوحة. “إنها زاوية النظر” بجدارة.

بعض اللوحات “شكلية” (figurative)، وبعضها نسَقيّ (pattern) وبعضها ضارب في الغرابة الشكلية مثل صورة الرخصة البريطانية القديمة. هذه موتيفات متغيرة، بعضها متنافر شكليًا، ويمكن أن يعكّر على صفو المقولة العامة للمعرض، ولكنه من الجهة الثانية يُبرز قدرات سلامة على التنقل بين التقنيات وكأنها لا تعترف بوجودها حقًا، لدرجة إلغاء الحاجة لأيّ “تحرير” تقني يمكن أن يُشغّل على هذه الأعمال.

أعتقد أنّ اختيار الأعمال لمعرض ما، تحت مُسمًى ما، ووفق نسق ما- يشبه إلى حدّ بعيد عملية تحرير النصوص- الصحافية منها على وجه الخصوص. الخيارات والقرارات (ماذا نعرض وماذا لا نعرض) تتشابه وتتقاطع لتُنتج ما يشبه القرار الواعي الراسخ بهوية وقدرات الفنان(ة) حتى هذه اللحظة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ هذا المعرض يُعرّف ربى سلامة على أنها باحثة بالدرجة الأولى- باحثة عن التقنية واللون والمعنى من الإصرار على الرسم، في وقت سيطر فيه الفيديو آرت والأعمال الإنشائية والفن غير الحرفيّ.

لا أعرف إذا كانت الرسومات الثلاث لوجه المرأة هي “بورتريه ذاتي” للرسامة، ولكنها أفضل الأعمال في نظري. ما زال البورتريه أزمة الرسم وقمّته في ذات الوقت. إنه الأداة الأكثر دقة التي خلد بها الرسامون المزاج الاجتماعي والفكري والسياسيّ عبر العصور، لمجتمعات كانت ترى في البورتريه الأداة الوحيدة المتاحة لتخليد اللحظة.

من هذا الباب، تأتي بورتريهات سلامة كأنها خارجة عن هذا الهدف، لا تحاول أن تُكرّس لحظة ما بعينها، رغم الوهلة الأولى للرّائي(ة) للرسومات. صبية تشرب العصير ثم تنظر إلى الرائي(ة) بدهشة. أليست هذه لحظات عينية جدًا؟ من السهل التعامل معها من هذا القبيل، ولكنني أرى فيها ما هو أبعد: إنها اللحظة التي تلت الرّسم. لحظة النظرة المستسلمة الراضية للصبية التي تشرب الكوكتيل وللصبية التي تكاد تصرخ من الدهشة.

أذكر هنا البورتريهات التي أنجزها جيوكيميتي، وهي السلسلة المرافقة-المتوافقة-المتقاطعة مع تماثيله البرونزية الشهيرة. كان جيوكيميتي يحفر في القماش كي يُبقى آثارًا من البورتريه لا يمكن أن تكون وليدة لحظة ما. إنها تفاصيل “تتكاثر” بمعنى ما، تحاول أن تُخرج نفسها من راهنية اللحظة، كي تُنتج –في المحصلة- راهنية جديدة للحظة أخرى. هي لعبة غير واقعية في الصراحة، ولذلك جذبتني بورتريهات سلامة إليها، ثم لفظتني خارجًا حين بدأت بالتمرد بنفسي على اللحظة التي تبان للوهلة الأولى. لا أستطيع أن أقول إنني “أحببت” هذه البورتريهات بالمعنى السّهل، الخجول، السّطحي؛ أعتقد أنّ هذه البورتريهات أزعجتني لدرجة أنني أحببتها.

في جميع الرسومات لعبة جميلة، مسلية ومتقنة، بين الضوء واللون. غزل لا يني يُنتج ما تيسّر من شرائح دائرية ومغلقة، وأعتقد أنّ خيار الفنانة في قصّ القماش أو الخشب –متن الرسمة- بشكل دائري هو خيار ناجح ويضفي نوعًا من التكامل على خياراتها.

حتى في الأعمال المنجزة بالأسود والأبيض ثمة دائرية شكلية في الإطار الخارجي، إلا أنّ لعبة اللون في هذه الحالة لم تكتمل، أو لنقل لم تصل إلى نضوجها الجميل في اللوحات الملونة. ستقولون إنّ الأمر أكثر صعوبة في الأسود والأبيض- وهذا صحيح؛ ولكن عندها يجب أن يُتخذ قرار “تحريري” من الطراز الأول: مع هذه الأعمال أو بدونها.



المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. اسا يعني تركتو ربى ولوحاتها واتمركزتو بعلاء ونقده؟؟؟؟
    الى الامام يا ربى .. بدنا اعمال جديده ها :-)

  2. لم اتوقع من موقع بمستوى جيد كهذا، الموقع ان ينتقد معرض فتي بهذا المستوى الهابط، عزيزي علاء كنت افضل ان اقرأ لك ما أقرأه دائمًا وليس بدورك هذا كناقد فني، ان النقد الفني هو ليس بالعمل السهل كما هو ليس من وظيفة اي كاتب عادي، صحيح انه لا يوجد نقّاد فن، كما هو الحال بالنسبه للنقد الادبي، وانت سيد العارفين.. واضح انك لم تر المعرض ولم تتطرق لأي شيء مهم في المعرض بل قمت بوصف الصور فقط، كما لم تعطي المعرض او الفنانة حقهم.. ارجو ان تكونوا مهنيين في هذه الامور كما في باقي الامور.

  3. meen el”fahmaan” elle kaateb el maqaal..watta men mostawa el ma3rad ! law sakatet w5alet el sowar t3aber 3an 7aalha ashraflak !THANKS
    p.s : t3eedhaash

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>