مخاتير الصحافة/ وديع عواودة

مخاتير الصحافة/ وديع عواودة

عندما نحشر أنوفنا -نحن المحررون والمديرون والمالكون- بكلّ صغيرة وكبيرة كأطراف بالصراعات السياسية الحزبية فهذا يعني أننا توّجنا أنفسنا بأيدينا مخاتيرَ في الصحافة

jour

>

|وديع عواودة|

وديع عواودة

وديع عواودة

ما تداولته وسائل الإعلام العربية حول أزمة البلدية في الناصرة يدلّل مجددا على عدم وجود حيادية أو موضوعية كاملة في تغطياتها. لكن الخطير أن ينزلق الإعلام من اللاحيادية إلى فقدان النزاهة والانحياز لطرف على طرف في التغطية لدواع لا علاقة لها بالمعايير المهنية وبمصلحة الجمهور الواسع، جمهور الهدف.

شخصيًا، كنت وما أزال من أولئك المؤمنين بأنّ بلدية الناصرة شاخت وتعبت وتحتاج لعملية تجدّد بعد نحو أربعة عقود من الإدارة الجبهوية. وقتها تفاءلت بترشح حنين زعبي وطروحاتها رغم ملاحظاتي على حملتها النخبوية وعلى بعدها وحزبها في الماضي عن الطبقات الشعبية في المدينة طيلة سنوات. عبّرنا عن ذلك عدة مرات هنا في مقالات رأي لكننا حرصنا على عدم الخلط بين قناعات شخصية وبين التغطية النزيهة للمنافسة على البلدية. تحاشينا حجب الحقيقة المتاحة لنا، وابتعدنا عن التقزيم أو المغالاة في استعراض مواقف المتنافسين وغيرها من المحاذير. لا ندّعي الكمال لكننا أتحنا للمتنافسين فرصة التخاطب مع الرأي العام مع توجيه الأسئلة المطلوبة والمستحقة. وهكذا تمّت عملية جرح وتعديل البيانات وغربلة الغثّ من السمين، الصحيح من الخطأ. بيد أنّ وسائل إعلام عربية إلكترونية بالأساس زجّت بنفسها في معمعان المعركة السياسية وما يرافقها من جدل صاخب.

بصرف النظر عن الدوافع على أنواعها (مصالح اقتصادية واعتبارات شخصية وجهوية، الخ) يبقى الخاسر الأساسيّ خلف هذا السلوك هو جمهور المتلقين. دون عقد مكتوب ينتدب الجمهور الواسع وسائل إعلامه وصحافييه للقيام بمهمة التغطية لمعرفة ما يدور حوله وحراسة مصالحه ونقد مشاريعه نحو تصويب مسيرته. الإعلاميون والسياسيون ليسوا أعداءً بل شركاء؛ لكن حينما يقفز الصحفيون لبركة السياسة ويشاركون في لعبة المصالح والقوى يبقى هذا الجمهور دون حراس وعندئذ تنام نواطير البلد عن ثعالبها وذئابها.

وما بالك وأننا من أصله بنادقنا تكون أحيانا معطلة وذخائرنا فاسدة، تستهوينا الثرثرة ومواد الترفيه، ونعتمد على ما تيسّر من بيانات ونبتعد عن النقد والتحقيق بحثا عمّا هو سهل ومريح، أو نقع ضحية قلة حيلتنا. موقع إخباري يساند “ناصرتي” وموقع منافس يساند الجبهة بكلّ قوة. صحيفة تكرّس ما فيها من أجل مرشح الجبهة رامز جرايسي وصحيفة أخرى تصنع من ذاتها بوقا لرئيس البلدية علي سلام، وإذاعة تصمت حفاظا على المدينة وعملا بـ “المسؤولية”!

المفارقة أنّ إذاعة “صوت إسرائيل” التي طالما اعتبرناها بوقًا رسميًا للمؤسّسة الحاكمة تابعت تفاعلات انتخابات الناصرة بدروبها السالكة والوعرة بكفاءة ومهنية. وهذا هو واجبها المهني والأخلاقي كوسيلة إعلام مثلما هو واجب إذاعات وصحف أخرى  بدلا من اللجوء لبرامج الترفيه والأمثال والحكم والأغاني والمسلسلات.

طالما أنّ التغطية مهنية ونزيهة فلماذا تتحسّس وسيلة الإعلام وهي ملك روحاني للجمهور الواسع (هدف الخدمة) وإن كانت ملكيتها خاصة؟ مثل هذه الكبوات المهنية تقرّبنا من إعلام مصر وتغطيته السوداء لثنائية “السيسي ومرسي”. بل أنها بذلك تلحق ضررًا فادحًا بنفسها؛ فالجمهور الواسع ذكيّ ويراقب وبوسعه أن يحاسب ويعاقب بالعزوف عن القراءة والاستماع هنا والبحث عن بدائل هناك. الجمهور لا يصدق من يدّعي سعة الانتشار والمهنية وهو عنهما بعيد ولا يقبل مزاعم العمل الجماعي وهو يدرك أنّ مالك أو مدير وسيلة الإعلام هو الآمر الناهي. عندما نحشر أنوفنا -نحن المحررون والمديرون والمالكون- بكلّ صغيرة وكبيرة  كأطراف بالصراعات السياسية الحزبية فهذا يعني أننا توّجنا أنفسنا بأيدينا مخاتيرَ في الصحافة.

طالما اتهمْنا الإعلام الإسرائيليّ –وبحقّ- بانتهاك القواعد المألوفة بتغييبه المجتمع العربي عن الحيّز العام أو بشيطنته لنا وتحويلنا لخطر أمنيّ وديموغرافيّ ولطابور خامس. وطالما كنا محقّين حينما نعتنا الإعلام العبري بالمجنّد سيما في فترات الصراع والأزمات. في سلوكنا الراهن يتحوّل إعلامنا العربي أيضًا بنفسه لـ “مجند” والفارق أن إعلامهم مجند ضد العربي والفلسطيني وإعلامنا يتجند ضدنا وضد نفسه أيضا.

ليتنا لو اقتصدنا الطاقات المكرّسة للترفيه المفرط في منافسات داخلية ينبغي أن نكون رقباء عليها لا شركاء فيها. ليتنا نوجّه ذخائرنا وسهام نقدنا وتحقيقاتنا ومساءلاتنا نحو من يعبث بمصائرنا ويستخفّ بمقدراتنا ويحاول التغرير بنا ويجعل من  أناه فوق نحننا، ويغلب الفئة على الوطن فيبقى ناشطا لا قائدا!

أمنيتنا للعام الجديد.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>