جارتي، حِدْﭬا../ أسعد موسى عودة

كلّما استقلَلْتُ الحافلةْ..
كلّما أطعمتُ الطّريقَ
خُطايَ الواثقةْ..
حدّقَتْ بِي العيونُ
الخائفةْ..

جارتي، حِدْﭬا../ أسعد موسى عودة

 

|أسعد موسى عَودة|

asaad-qدون غرفة نومي شارعٌ مُشْرَع للسّكينة؛ فحتّى حركة البشر فيه وما يركبون تسير على مهلٍ وبهدوء احتفاليّ برونق المكان، ليلًا أو نهارًا، سرًّا أو إعلانًا. غير أنّ غطاء إحدى “جُوَر” الخدمات البلديّة أو المدنيّة فيه، كلّما داسه دولاب سيّارة أحدَث صوتًا هذه صورتُه: “طَبْطَبْ”.

بَيْدَ أنّ صوت “الطّبّ” هذا سرعان ما ألِفته الأذن؛ إذ اعتادت نغمته، حتّى بات جزءًا من ناموس (قانون) المكان.. الخالي من النّاموس (البعوض)، إطلاقًا.

ذلك دون صوت جارتي، حِدْﭬا (بهجة – اسم مستعار) السّاكنة – غير السّاكنة – تحتي، الّتي تعاني حالة من المشي السّريع على كعبيها حافيةً، محدِثةً – في البناية – صوت حركة أشبه بصوت حركة الحصان “المعدّ لمنحدرات الجبال”.

عجيبٌ جِدُّ عجيبٍ أن يألَف الإنسان حركة الحجر أو الشّجر، وألّا يألَف حركة البشر.. وعجيبٌ جِدُّ عجيبٍ أن يكون تصادم كعبَي جارتي، حِدْﭬا، بالبلاط، وهما المصنوعان من لحم ودمّ، أكثر إزعاجًا بكثير من تصادم دولاب سيّارة مصنوع من المطّاط والكبريت والكربون، بغطاء من حديد أو نحاس ورصاص..

لكنّني – في الحالين – فكّرت وقرّرت أنّني – في حال لم يتحسّن الحال – سأتوّجه إلى الجهات المسؤولة عن إحكام وضع ذلك الغطاء وضبطه، مطالبًا إيّاها بأن تُتقن عملها، أو بأن تُصلح ما قد فعل فيه الوقت فعله.. كما سأتوجّه – في الوقت نفسه، وبالقوّة نفسها – إلى جارتي، حِدْﭬا، منوّهًا، أمامها، بما يبدُر منها تِباعًا، لربّما من دون انتباه، مقترحًا عليها أن تنتعل شيئًا من المطّاط؛ عسى به تخفّ وطأتها كلّما وطئتِ البلاط..

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

الصّيّاد..

يسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأُهم يكتبون، خطأً: “جِبْص”؛ فهي مفردة لا قِبَل للعربيّة بها، فما المعبَّر عنه –هنا– إلّا الجِصّ أو الجَصّ (بكسر الجيم وفتحها) أو الجِبْس (بكسر الجيم، مطلقًا)، وليس هذا “الجِبْص” المدّعى إلّا زورًا وبهتانًا.

لا يزال يسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأُهم يكتبون، خطأً: “الآذان” (جمع أُذْن أو أُذُن) بمعنى الأذان (النّداء إلى الصّلاة).

ويسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأُهم يكتبون: “كراهِيّة” (بتشديد الياء)؛ والأوْلى والأعلى فيها والأفصح أن يُقال ويُكتب: كراهِيَة؛ مخفَّفة الياء غير مشدَّدة، إلّا إذا أُوِّلت مصدرًا صناعيًّا للكَراهة؛ فعندها تُصاغ بتشديد الياء (كراهِيّة). شأنها شأن “رَفاهِيَة” (مخفَّفة) ورَفاهِيّة (مشدَّدة؛ باعتبارها مصدرًا صناعيًّا للرّفاهَة). ذلك مقارنة، مثلًا، بكلمة “طَواعِيَة” (المرونة والطّاعة واللِّين) المخفَّفة الياء، مطلقًا؛ إذ ليست في اللّغة “طَواعَة” ليُصاغ منها مصدر صناعيّ هو “طَواعِيّة”. وعلى ذلك قِسْ.

وكثيرًا ما يسمعهم الصّيّاد ويقرأُهم يخلطون ولا يميّزون –ومنهم كبار مشهورون مسموعون مقروءُون– بين ضمير الغائبات، هُنّ، وضمير المخاطَبات، أنتنّ، في صياغة فعل المضارع لهنّ أو لكُنّ؛ حيث يُقال ويُكتب، مثلًا: مررتُ ببناتٍ تَقِفْنَ، والصّحيح الّذي لا يصّح إلّاه: مررتُ ببناتٍ يَقِفْنَ.

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

قالوا في الزّواج وغيرُهم قال..

ملحوظة هامّة: اِقرأِ النّصوص أدناه بعمق فتَسْعَد، لا بسطحيّة فتَتْعَس. ولا تُصدَم لما جاء فيها؛ فهي كنشرة الأعراض الجانبيّة الملحَقة بأيّ مستحضَر طبّيّ، إذ قد لا تُصاب، أو قد لا تكون مصابًا بأيٍّ منها..

ملحوظة أهمّ: الأقوال أدناه صحيحة ثاقبة جميعها عندي، بوجه عامّ؛ لكنّني أختار منها القول الأخير، لأندريه تيريه؛ فهو أقرب للتّقوى، ومصداق لما ألقى، وأريد أن يبقى..

سقراط: تزوّجْ في مطلَق الأحوال؛ فإن وقعتَ على امرأة فاضلة عشت سعيدًا، وإن وقعتَ على (امرأة سيّئة) صرتَ فيلسوفًا؛ وهذا بالنّسبة إلى الإنسان أمرٌ عظيم.

تولستوي: الزّواج – في حالته الحاضرة – هو أكثر الأكاذيب بشاعةً؛ والشّكل الأسمى للأنانيّة.

تشيخوڤ: إذا كنت لا تخشى الوَحدة فلا تتزوّج.

جوزيف جوبير: لا ينبغي للرّجل أن يتزوّج إلّا المرأة الّتي كان من الممكن أن يختارها صديقًا له، فيما لو كانت رجلًا.

هنري لويس (هـ. ل.) مِنْكِن: عندما يتزوّج اثنان فإنّهما يصبحان واحدًا، لكنّ المشكلة تكمن في من سيكون هذا الواحد.

أندريه تيريه: تزوّج وأنت في امتلاء الصّحّة وشَرْخ الشّباب. اِختَر لك فتاة فاضلة وصحيحة المِزاج. أحبّها بكلّ قلبك وكلّ قوّتك، واجعلها لك رفيقة أمينة وأمًّا رؤومًا. واجتهد أن تربّي أولادك وتخلق لهم – بعد موتك – قدوة حياتك. هذا هو الحقّ، وما تبقّى فهو ضلال أو إثم أو جنون.
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

حكمة الأسبوع

أنّك تتنفّس لا يعني، أبدًا، أنّك حيّ..

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

وفاء للغةٍ وحبّ ونصّ: إضافة على مادّة من الأسبوع الفائت..

فأفرح حَوْلَك حَوْلًا..

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

عَودٌ على بَدْء..

كنتُ نشرتُ حكاية النّصّ أدناه، قبل نحو اثنَي عشَر عامًا أو يزيد، وها هما المكان والزّمان يتكرّران، فقرّرت معاودة نشر ما كنتُ نشرت وبه قد أكون بدأت، بلا زيادة أو نقصان:

كلّما استقلَلْتُ الحافلةْ..

كلّما أطعمتُ الطّريقَ

خُطايَ الواثقةْ..

حدّقَتْ بِي العيونُ

الخائفةْ..

حدّقَتْ بي

وجهًا

لفحتْهُ الشّمسُ سُمرةْ..

وجهًا

يُعلِنُ كلُّ ما فيه العروبةْ..

قسمًا إنّي

لن “أتجمّلْ”..

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!

(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم، ومحرّر لغويّ؛ الكبابير / حيفا)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>