عشيّة يوم الأرض الفِلَسطينيّ وعلى هامش مؤتمر “آليّات الانتماء في الأدب الفِلَسطينيّ”/ أسعد موسى عَودة

عشيّة يوم الأرض الفِلَسطينيّ وعلى هامش مؤتمر “آليّات الانتماء في الأدب الفِلَسطينيّ”/ أسعد موسى عَودة

آن الأوان ليصبح يوم الأرض الخالد لا مجرّد إضراب وثورة غضب – وبحقّ يعلو ولا يُعلى عليه – نقف نحن فيه على ضفّة والمؤسّسة الحاكمة على الضّفّة الأخرى، وبيننا نهر من أحقاد واتّهامات وشتائم

من أرشيف يوم الأرض

من أرشيف يوم الأرض

|أسعد موسى عَودة|

asaad-qجاء الحرص منّي – في العُنوان أعلاه – على نعتِ يوم الأرض بالفِلَسطينيّ لئلّا يلتبس الأمر على البعض من أنصار حماية البيئة، وعلى العارفين بيوم أرضٍ آخر؛ حيث يُحتفى، عالميًّا، بيوم الأرض، الهادف إلى بثّ الوعي للاهتمام ببيئة الأرض. وهو، أيضًا، اختراع أمريكيّ من عام 1970، وكيف لا وأمريكا هي من يصنع لنا الدّاء ويخترع لنا الدّواء على حدٍّ سواء، لتُحكِم قبضتها حتّى على الهواء.. لكن لنا، نحن – الفِلَسطينيّين – يومُ أرض خاصّ بنا، ونحن به خاصّون.

كان ذلك – كما تعلمون وتعلّمون – في الثّلاثين من آذار عام 1976، حيث لم أبلغ، حينها، عمر الفِطام بعدُ. طفلًا رضيعًا كنت، آمنًا مطمئنًّا إلى صدر أمّي، وما كنت أعلم أنّ أمّيَ الأرض هناك، في أعالي الجليل، كانت تَرضع، أيضًا، لكن لا حليبًا بل دماء أبطال شهداء، وهي تسمّي باسم مَن افتداها: “باسم الفدائيّ الّذي خَلَقا من جزمة أُفُقا.. باسم الفدائيّ الّذي خَلَقا من جُرحِهِ شَفَقا”..

وفي يوم أرضنا، باعتباره حدثًا تاريخيًّا ومستقبليًّا، أيضًا، توعويًّا وثقافيًّا وتربويًّا ونضاليًّا مؤسِّسًا، لي طموح، أن نقف جميعًا أفرادًا وجماعات، وِقفة تأمّل بعيد، لما نحن فيه من واقع على أرض اللّاواقع، لما نحن فيه من مشهد على الصُّعُد كافّة، تربويًّا وتعليميًّا ولغويًّا وأخلاقيًّا وثقافيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وقوميًّا وحزبيًّا، أفرادًا وجماعات، من المفروض أنّها – هذه الجماعات – طمحت – ووالله لا أعلم ما إذا كانت لا تزال تطمح – في أن تكون جماعة قوميّة واحدة، بمعنى الكلمة، لا مجرّد شعار فضفاض ينخر فيه سوس القبليّة والعصبيّة والحمائليّة والعنصريّة والرّجعيّة والجهل والتّخلّف.

فإنّه قد آن الأوان ليصبح يوم الأرض الخالد لا مجرّد إضراب وثورة غضب – وبحقّ يعلو ولا يُعلى عليه – نقف نحن فيه على ضفّة والمؤسّسة الحاكمة على الضّفّة الأخرى، وبيننا نهر من أحقاد واتّهامات وشتائم. فقد آن الأوان، أيضًا، ليكون يوم الأرض الخالد فرصة نقف فيها جميعًا أمام المرآة ونتحسّس ملامحنا ونُمعِنُ النّظر فينا، تربويًّا وتعليميًّا ولغويًّا وأخلاقيًّا وثقافيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وقوميًّا وحزبيًّا، ونسأل أنفسنا عمّا جرى وعمّا يجب أن يكون لنكون، وإلّا فلن نكون.. على فرض أنّه لا تزال هناك فرصة سانحة غير بارحة لنكون..

وفي سياق متّصل، كنتُ قد شاركتُ، يوم الثّلاثاء الأخير، في مؤتمر دعا إليه قسم اللّغة العربيّة وآدابها في جامعة حيفا، حمل عُنوان: “آليّات الانتماء في الأدب الفِلَسطينيّ”، ضمّ ثُلّة من مبدعينا ومبدعاتنا وباحثينا وباحثاتنا، شيبًا وشبابًا. وقد احتدم فيه الطّرح والنّقاش حول عنصريّ الالتزام – اللّااِلتزام والتّجنّد – التّجنيد في الأدب الفِلَسطينيّ المحلّيّ خصوصًا. وإنّه وإن بدا هناك اختلاف أو خلاف بين الالتزام واللّااِلتزام، وبين التّجنّد والتّجنيد – في هذا السّياق – فقد رأيتُ وأرى إلى كلٍّ منهما وجهين لهمّ واحد وانتماء واحد لا يحيدان عنه ولا يمكن أن يحيدا، هو الفِلَسطينيّ بامتياز؛ لأنّ المبدع الّذي لا يمكن إلّا أن يكون حقيقيًّا، وإلّا فهو لا يكون إلّا متّبِعًا، ولا إبداع باتّباع؛ هذا المبدع الحقيقيّ الّذي يمارس فعل الكتابة، لا يكتب إلّا من ذاته وفي ذاته ولذاته، الفرديّة والجَمْعِيّة، وإنّما تختلف، فقط، كيفيّة هذه الكتابة؛ بأدواتها وآليّاتها ومُناخها وفلسفتها وأبعادها وأهدافها. وهذا الفِلَسطينيّ يستمدّ أسباب وجودِه وانتمائه وحضورِه وشكلَ ملامحه من هذه الأرض، ليستحقّ الحياة.

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

وممّا جاء في المؤتمر أعلاه، وللإفادة العامّة..

وممّا جاء في المؤتمر أعلاه، لَحْنًا ولَحَنًا ولُحونًا ولَحانَةً ولَحانِيَةً، من طلّاب وأساتذة وباحثين ومبدعين أحبّهم – كم أحبّهم – أجمعين، وأقولها ألمًا، وأسألُ حتّامَ تُسقى الضّادُ سُمًّا وسَمًّا وسِمًّا، ومن محبّيها وتلاميذها ومعلّميها وباحثيها ومبدعيها؟ قولُ أحدهم، مثلًا لا حصرًا ولا قصرًا أبدًا، حيث صمت الجميع: “أفعًى”. علمًا أنّها: أفعى؛ بلا تنوين تمكين، إذ هي ممنوعة من الصّرف؛ فكلّ اسم منتهٍ بألف تأنيث رابعة فما فوق، ممدودة كانت أو مقصورة، يمتنع من الصّرف بلا شرط، أي سواءٌ أكان مفردًا (سَكرى وحمراء) أم جمعًا (مَرضى وأصدقاء) أم علمًا (سلمى وخنساء) أم صفة (حُبلى وعذراء).

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!

(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم، ومحرّر لغويّ؛ الكبابير/ حيفا)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>