الحقُّ أحقُّ بأن يُتَّبَع..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة|   {وَلَكُم في القِصاص حياةٌ يا أولي ا […]

الحقُّ أحقُّ بأن يُتَّبَع..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة|

 

{وَلَكُم في القِصاص حياةٌ يا أولي الألباب لعلّكم تتّقون} (قرآن كريم)

لم يكُن مشهد الرّئيس المِصرِيّ السّابق، محمّد حسني السّيّد مبارك، أمس الأوّل، الأربعاء، مستلقيًا على سرير العجز والمرض، في قفص الاتّهام، بالمشهد العاديّ أو السّعيد؛ وقد تباينت حوله ردود الفعل والآراء، وسيُسجّله التّاريخ، وسترويه أجيال لأجيال. سبق منّا القول والثّورة البيضاء لا تزال تتلمّس خطاها، إنّه يجب “أن يُترَك الرّجل يذهب بالاحترام الّذي يليق به، قائدًا عسكريًّا وزعيمًا سياسيًّا، حقّق لِمِصْرَ ما حقّق، وأخفق فيما أخفق.. ولكن لا نكونّن ممّن يقتلون أنبياءهم ولا يوقّرون كُبراءهم، فتراهم يقولون ويفعلون بدافع التّشفّي والانتقام؛ فهذه طباعٌ غريبة عنّا، وعن ديننا، وعروبتنا، وثقافتا، وحضارتنا، وإنسانيّتنا، ومعدِننا الأصيل”. وبينما نحن، الآن، نؤكّد على ما قُلناه من جديد، نقول إنّنا ما عَنَيْنا بذلك – في حال من الأحوال – أن يُترك الرّجل بلا حساب أو عقاب، فما ذاك يليق بمصر ولا بشعبها ولا بقائد حكمها أو حُكّم فيها ثلاثين عامًا، وأعطاها وأخذ منها، ولعلّها مناسبة يتطهّر فيها وبها الرّئيس من خطاياه، ويستقبل آخرته وقد دفع فاتورة ذنوبه في دُنياه، وإنّه في القِصاص حياة، وإنّه الحقُّ يعلو ولا يُعلى عليه، وإنّه الحقُّ أحقُّ بأن يُتَّبَع.

إنّه، إذًا، درس التّاريخ ودرس للتّاريخ، أنّه في أيّ نظام دنيويّ كان، السّلطةُ المطلقة مَفسدة مطلقة، على كلّ صعيد وفي كلّ زمان ومكان، وأنّ الزّعيم الأوحد في هذا العالم، ما هو – في علم النّفس السّلوكيّ – إلاّ مصابٌ بما يُسمّى متلازمة الغطرسة أو جنون العظمة، لا مَحالة.

نرجو لمِصرنا الغالية، ولشعبها الأبيّ الوفيّ الواعي الخلاّق الولاّد المِعطاء، أن يُعلّم العالم، اليوم، كيف يُحاكَم السّادات، كما علّمه بالأمس، كيف تُصنع الثّورات.

 

سُئِلْتُ.. فَأجَبْتُ..!

لمُحبّي المعرفة.. وأهل الاختصاص..

سُئلت عن كلمة أخرى في لغتنا العربيّة العالية، لربطة العُنق، فأجبت: الأُرْبة. كما سُئلت عن حُكم عين الاسم الثّلاثيّ المؤنّث لدى جمعه جمعًا مؤنّثًا سالمًا، فأجبت: الاسم الثّلاثيّ الموصوف (الّذي يحتمل الوصف) المفتوح الفاء، تُفتَح عينه إذا كانت صحيحة ساكنة؛ نحْو: ظَبْية – ظَبَيات. أمّا إذا كانت عينه معتلّة ساكنة، كزَيْنب وثَوْرة؛ أو كانت متحرّكة مفتوحة كشَجَرة؛ بقيت على حالها؛ فيُقال: زَيْنَبات، وثَوْرات، وشَجَرات. وأمّا ما كانت فاؤه مضمومة أو مكسورة وعينه ساكنة؛ كخُطْوة وكِسْرة، فلا يتعيّن في عينه الفتح، بل يجوز فيه إسكانُ العين وفتحُها وإتباعُها للفاء؛ فيُقال، على التّوالي: خُطْوات وخُطَوات وخُطُوات؛ وكِسْرات، وكِسَرات، وكِسِرات.

وأمّا صفات المؤنّث فتجري في جمعها جمعًا مؤنّثًا سالمًا على لفظ مفردها مطلقًا؛ فيُقال في جمع “ضَخْمة”، مثلاً: ضَخْمات؛ وفي جمع “حُلْوة”: حُلْوات؛ وفي جمع “جِلْفة”: جِلْفات؛ وفي جمع “حَسَنة”: حَسَنات؛ وفي جمع “خَشِنة”: خَشِنات. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

 

الصّيّاد..!

يسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأهم يكتبون، خطأً: “آذان” المغرب، مثلاً، بهمزة مضاعفة (ممدودة)؛ علمًا أنّ الكلمة في سياق الدّعوة إلى الصّلاة أو الإعلام بها، هي “أذان” (بهمزة واحدة ووحيدة)، وما “آذان” هذه إلاّ جمع “أُذْن” أو “أُذُن”.

ويسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأهم يكتبون، خطأً: “داهَم”؛ علمًا أنّ الفعل هو “دَهَم” أو “دَهِم” فلانًا الأمرُ، مثلاً (ثلاثيّ مجرّد لا يقع على وزن “فاعَل”)، بمعنى ألمّ به وأذهله. ومن هنا الفعل ومعناه في العبريّة، أيضًا: “نِدْهام”؛ بمعنى فُجِئ وذُهِل. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

 

حكاية

اِستدعى بعضُ الخلفاء شعراءَ مصر، فصادفهم شاعر فقير بيده جرّة فارغة، ذاهبًا بها إلى البحر ليملأها ماءً، فتبِعهم إلى أن وصلوا دار الخلافة. فبالغ الخليفةُ في إكرامهم والإنعام عليهم. ورأى ذلك الرّجلَ والجرّةُ على كتفه، ونظر إلى ثيابه الرَّثَّة وقال: مَن أنت؟ وما حاجتُك؟ فأنشد الرّجل:

ولمّا رأيتُ القومَ شدّوا رحالَهم / إلى بحرِك الطّامي أتيتُ بجرّتي

فقال الخليفة: اِملأوا له الجرّة ذهبًا وفِضّة. فحسَده بعضُ الحاضرين وقال: هذا فقير مجنون لا يعرف قيمة هذا المال، ولربّما أتلفه وضيّعه. فقال الخليفة: هو مالُه يفعلُ به ما يشاء. فمُلِئت له ذهبًا وخرج إلى الباب ففرّق الجميع. وبلغ الخليفةَ ذلك، فاستدعاه وعاتبه عليه، فقال الرّجل:

يجودُ علينا الخيِّرون بمالِهم / ونحنُ بمالِ الخيِّرين نَجودُ

فاستحسن الخليفةُ منه هذا الجواب، وأمر بأن تُملأ له الجرّةُ عشْر مرّات، وقال: الحسَنة بعشَرة أمثالها.

لَشَدّما يبعث فيّ السّرور ويُضيء فيّ الأمل، تلقّي تعليقاتكم على، وتساؤلاتكم عمّا تطرحه هذه الزّاوية، عبر العُنوانيْن المُسجّليْن أدناه. وإلى لقاء آخر، إن شاء الله! وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!

(الكبابير/ حيفا؛ asarabic@gmail.com؛ www.assadodeh.net)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. الحقّ الحقّ أقول لكم بأنّي أنتظر كتابات الأخ أسعد عودَة، لأنّها تحوي كلّ ما هو سليم وصحيح لغويًا ونحويًا وأكثر في لغتنا العربيّة الجميلة، في زمن الكتابة الرديئة الهابطة. وأنا شخصيًا، أتعلّم، أسبوعيًا، عندما أغرف من بحر لغة وأسلوب أسعد المميّز. ينقصنا دارسين في علوم اللغة أمثاله. وأنا في انتظار إبداع أسعد ودرس أسعد وأسلوب أسعد القادم.

  2. أقول لمن قال: “ألم تسأم من تكرار نفس الأسلوب المدرسي الممل؟!”: “يبقى الإنسان عالمًا ما دام يتعلّم، فإن ظنّ أنّه علِم فقد جهِل”!!
    مع تحيّات،
    أسعد عَودة

  3. ألم تسأم من تكرار نفس الأسلوب المدرسي الممل؟!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>