المصالحة ما بين “الميدان” و”التحرير”/ حنين زعبي

|حنين زعبي| يكبر الإنسان مع الثورة، عندما يصنعها، وقد ي […]

المصالحة ما بين “الميدان” و”التحرير”/ حنين زعبي

|حنين زعبي|


النائبة حنين زعبي. مع من نتواصل؟

يكبر الإنسان مع الثورة، عندما يصنعها، وقد يكبر بعض ممّن لم يصنعوها، عندما تجرف روحهم وتتصالح مع وجدانهم وقيمهم والأهمّ مع مشروعهم السياسي الفاعل. لكن الإنسان قد يصغر أيضا مع الثورات، حتى تلك التي يتضامن معها، وذلك عندما يصبح شغله الشاغل، أن يسقط عليها حسابات ضيقة، أو أن يستعملها بهدف خوض نقاشات أصغر بكثير من حدود الثورة وتفاعلاتها.

نحن نكبر بالثورة، ومن الطبيعي التوقع والجزم، بأننا ونحن نعيش واقعا من القمع والتحريض، ليس فقط أن نتضامن مع قيمها ونتائجها وانتصارها، بل أيضًا أن نتبنى قوتها وعنفوانها وإرادتها، في نفوس شبابنا وشاباتنا، الذين نريدهم كشباب تحرير تونس ومصر، وكأبطال ليبيا. لكن يبدو واضحًا اختلاف المتضامن مع الثورة، من باب الاحتياج لها كمحرك لفعل جماعي، مع تضامن من يتغنى بها كمصدر إلهام فردي.

هذا الداخل، المركّبة علاقاته مع كلّ من هو خارجه، يتماهى مع الثورة ليس بدافع الإعجاب فقط، وليس بإحساس عودة الروح أو عودة الثقة فحسب، بل بعلاقة من يريد إعادة إنتاج روحها وذهنيّتها ونفسيتها عنده وفي بيته، لتصبح ذاتا فاعلة في مشروعه السياسيّ الخاصّ.

هذه ليست ثورة ضد النظام فحسب، بل هي ثورة في الثقافة السياسية وثورة في أخلاقيات السياسة. لقد أعادت الثورة للقيم مكانتها. ونحن النساء، نصرتنا الثورة بشكل خاص. نحن انتصرنا بثورة، أعادت لنا أيضا مكانتنا، ليس فقط كنساء أخذن مكانهن في الميدان، بل لأنها أعادت ثقافة الندّية والمساواة والكفاءة، وأعادت لمرجعية الإنسان ولحريته، مكانتها.

هل فعلا مطلب “الإنتماء” القوميّ، و”التواصل” مع العالم العربي، هو مطلب محكوم بإعجابنا بأنظمته؟ هل نملك أن نفصل ونختار بوابة التواصل؟ هل ننتظر أنظمة ديمقراطية لتمرير رسالة التواصل

هي ثورة ضدّ الفساد؛ فنحن لا نملك خزائن وشركات وميزانيات نفط، لكن لدينا فساد سياسي لا يقل خطورة: ترديد التحريض الإسرائيلي على أحزاب وطنية “قومجية” فساد سياسي؛ اتهام الآخرين والأسرى السياسيين بأنهم “مشاريع جواسيس” هو فساد سياسي؛ التنسيق مع مخابرات دحلان هو فساد؛ العلاقة مع “سيف الاسلام” عبر الدّحلان فساد سياسيّ وغير سياسيّ؛ هي ثورة ضد الازدواجيّات، حيث أنّ خطابين لشارعين هو انتهازية؛ هي ثورة ضد الاستهتار بالجماهير، حيث اعتبار الشعب مصدر “فلتان أمني” أو اعتباره “غير جاهز”، كلما اقترح إضراب عام أو مظاهرة، هو استهتار بالشعب؛ هي ثورة ضد الانتهازية، حيث انتظار نهاية الثورة لحين إصدار بيان سياسي هو انتهازية.

ولحماية أنفسنا، أيضًا من الإزدواجية، أمام سفاح ومجرم حرب على شاكلة القذافي، لا أستطيع ألا أتذكر حقيقة أنني جلست وهذا الشخص لمدة ساعتين، تلبية لدعوة منه، كرئيس مؤتمر القمة العربية عندها. ولا أمنع نفسي، ولا أريد، من الخجل الذي ينتابني عندما أرى صوري معه.

لكننا، نحن، الفلسطينيون في الداخل، نقول إننا جزء من العالم العربي، ذاك الغارق في الاستبداد والقمع والفساد. ونحن، قبل الثورات، وبعدها، نشكو من نسيان وتجاهل ذاك العالم العربي المليء بكلّ ما لا نريده. نحن ما نفتأ نعيد شكوى ولازمة أنه تم إغلاق الباب في وجوهنا، واعتبارنا شأنًا إسرائيليًا داخليًا. لذا كان من الطبيعي أن ندقّ أبواب العالم العربي وأن نكسر الطوق ونبحث عن طرق للتواصل مع أمتنا، الذي نحن بأمسِّ الحاجة إليه.

نحن، في “التجمع”، ذهبنا إلى سورية- سورية النظام أيضًا، ومن هناك -وبسبب هذه العلاقة- أتيح للآلاف زيارة أهلهم، بعضهم -بل الكثيرون- للمرة الأخيرة قبل موت شطر العائلة في سورية أو في الداخل. لحزب “التجمع” علاقة مع الأردن، الأردن النظام، ومنه طلبنا تسهيل دخول طلابنا للجامعات الأردنية، ومنه نطالب بمنح للطلاب، ومنه نطالب بتسهيل تعاملات تجارية، ومن الأنظمة والنقابات والمؤسسات الشعبية في الأردن نطالب بالتمييز ما بين التواصل والتطبيع.

على “التجمع” أن يعترف بالحاجة لمراجعة قراره في المشاركة في وفود سياسية حتى لو كانت تحت سقف المتابعة، حتى لا يتحمل وزر سلوكيات مرفوضة سياسياً

وقد يقول البعض، تواصلوا مع الشعوب، لكن ليس مع الأنظمة. أولا، نحن بالأساس نتواصل مع الشعوب العربية وبدأنا بذلك عقودًا قبل التواصل مع الأنظمة. لكن، هل فعلا مطلب “الإنتماء” القوميّ، و”التواصل” مع العالم العربي، هو مطلب محكوم بإعجابنا بأنظمته؟ هل نملك أن نفصل ونختار بوابة التواصل؟ هل ننتظر أنظمة ديمقراطية لتمرير رسالة التواصل، ومطالباتنا بأن تفتح لنا أبواب أمتنا؟ هل زاود أحد على م.ت.ف في عزّ نضالها، والجبهة الشعبية-جورج حبش على علاقاتهم مع العالم العربي، بما في ذلك ليبيا وغيرها؟ وهل فعلا هي الشعوب التي تقرر في دخول طلابنا إلى الجامعات العربية، أو التي تقرّر تواصل وزيارات الأهل، أو التي تقرر تسهيل معاملات تجارية أو دعوة وفود ثقافية، أو تسهيل معاملات الحدود؟

أكثر من ذلك: هل لو قام النظام المصري آنذاك، نظام مبارك المخلوع، بطلب الجلوس مع “التجمع”، من أجل بحث قضية استيعاب طلاب فلسطينيين في الجامعات المصرية، كنا سنتردّد؟  هل لو قام نظام مبارك بطلب جلسة لتسهيل معاملات تجارية مع الفلسطينيين في الداخل، كنا سنتردّد؟ هل لو اقترحت وزارة الثقافة المصرية على فلسطينيي الداخل، تنظيم فعاليات وأنشطة ثقافية في القاهرة، كنا سنتردّد؟ هل لو قامت دولة عربية بتخصيص ميزانية لمبنى ثقافي أو علمي كنا سنرفض؟

والأهم، هل كان سيعترض أحد عندها؟ والجواب هو طبيعي وحقيقي: لا.

لكن، السياسة ليست قوانين جامدة. وطرح الخيارات النظرية شيء- والثقافة السياسية الفعلية شيء آخر. ومضامين التواصل والرسائل السياسية المرافقة لها فيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي، تطرح في وعاء الشخصيات والنفوس الفاعلة، وقد يتحول مشهد سياسي بحت إلى مشهد مسرحي مليء بالرياء والتعظيمات والنجوميات الفارغة، مما يفقد التواصل مضمونه.

ويدخل هنا ما يحتاج إلى مراجعة كاملة، وإلى اعتراف بأنّ التجمع عندما يُمثل في وفد تحت سقف “لجنة المتابعة”، مكوّن من ممثلي أحزاب ومنهم أعضاء كنيست، لا يستطيع أن يتحكم ويضبط رصانة الوفد وسلوكياته، أو المضامين السياسية التي تمرّر. لا يستطيع “التجمع” أن يعرف مسبقا أنّ كلمة حنين زعبي ستلغى بسبب مضمونها، بمعرفة 4 من أعضاء الوفد، وباجتهادهم طبعًا. ومن هنا، على “التجمع” أن يعترف بالحاجة لمراجعة قراره في المشاركة في وفود سياسية حتى لو كانت تحت سقف المتابعة، حتى لا يتحمل وزر سلوكيات مرفوضة سياسياً.

من جهة أخرى، لم تكن لـ “التجمع” “خطط” أخرى غير “التواصل” وفتح باب سياسي على العالم العربي، ورسالة التواصل، منسجمة مع برنامجنا وهويتنا الحزبية والفكرية والسياسية. العلاقات مع المخابرات العربية ليست جزءا من أجندتنا. كما تبييض سمعة “أبو مازن” في خطابات تخصص للدفاع عنه، ليست جزءًا من أجندتنا؛ تخصيص أعداد كاملة من صحيفتنا ضد سلطة فلسطينية منتخبة قبل سنوات وضد “الجزيرة” قبل أسابيع ليست جزءًا من أجندتنا. وليس من أجندتنا بالتأكيد كيل المديح لأيّ نظام عربي وسياسته الداخلية تجاه شعبه.

وإذا كان شعبنا بحاجة لترشيد السياسة، فهو أولا، بحاجة لفرز الألوان السياسية والأدوار الحقيقية، التي يُمرّر بعضها علنا، وبعضها سرًا. والأخطر، الحاصل في الصحافة وفي حديث الشارع، وهو الحديث بالجملة عن “قيادة عربية”، وبالجملة عن “أعضاء كنيست عرب”.

فليميّز شعبنا بيننا، على الأقل، بالوضوح الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية، التي تقول بلغتها إنّ بعض القيادات العربية معتدل ومقبول ويجب تشجيعه وحتى دعمه، والبعض الآخر تسميه متطرفاً ويجب محاربته ومحاصرته.

وننهي كما بدأنا بالثورة؛ يستطيع الذين صالحوا بين الميدان و”التحرير” أن يقيّموا وأن يحاسبوا وأن يطالبوا، وهم يستطيعون ذلك لأنهم “عفاريت” و”عملوها”. ومعنى عملوها، أنهم بعد عشرات السنوات من التحضير، أنزلوا التحرير للميدان، حيث هناك تمتحن القيم والاجتهادات وتصنع الثورات. وحيث هناك تستطيع أن تحاسب بثقة من يمارس الإجابة، وليس فقط من يعرفها.

لكن في وطننا الصغير، هناك من يترك الميدان للبعض، ويطالب لنفسه بـ “التحرير”…

(الكاتبة عضو في الكنيست الإسرائيلي عن حزب “التجمع الوطني الديمقراطي”)


عباءة القذافي ورداءة قيادتنا/ علاء حليحل


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

11 تعقيبات

  1. تبرير غير مقنع ومحاولة للنيل من خصوم سياسيين واتهامهم بالفساد فقط لأنهم ليسوا تجمع. انسي ليبيا التي تتشدقون بها، ماذا عن زيارات سوريا؟ ماذا عن قطر(هناك صورة لحضرتك والسيد واصل طه مع الأمير القطري، كان لابس شحويطة بالعلامة)، وهذا النهج الذي بدأتموه أنتم ب”التواصل” مع الاسد الطاغية وغيره، هو الذي ادى الى ليبيا. ثالثا، غير محترم منك اتهام الطيبي بالفساد لأن له علاقة بسيف الإسلام، مع انه لو ان واحدا من التجمع هو من رتب زيارة ليبيا كنتم جعلتموه نبيا. اذا كانت الثورات العربية خلعت النخب الفاسدة، فيجب ان تخلع الفساد السياسي هنا، وانتم جزء اساسي فيه

  2. هادا الي بقدر علية التجمع اكيد الافلاس السياسي ومزاودات فارغة من غير اي طرح او عمل فعلي

  3. رهيب قائمة الفساد التي تضعها عضوة الكنيست حنين زعبي، ومن الواضح جدا لمتابع الخطاب السياسي في الداخل أنها اعتبرت حتى من يخالفها السياسة فهو فاسد، ولكن هناك أمور كثيرة غابيت عن بال السيدة حنين في مسألة الفساد، فألم مثلا الانتساب لحزب العمل الاسرائيلي الصهيوني العام 1992 من اجل الحصول على وظيفة مفتش تعليم جزئية هو ايضا فساد، مثلا.
    وألم ترى في الفساد مثلا قبض أموال بزعم صرفها على الجماهير لتصرف على اغراض شخصية وحزبية، وألم تر حنين أن من يقلب الطاولة ولنقل، ينقض ثوابت البقاء ويفل من الوطن هو ايضا فساد، ولكن السؤال الأكير، ألا ترى حنين، أن العمل في قصور الفساد النفطية، الاستبدادية المتسلطة، المرتبطة اميركيا، هو ايضا ذروة الفساد الذي يزكم الأنوف، لا تذهبي بعيدا يا حنين، فأنت لا تستطيعي اطلاقا التحدث عن الفساد.

  4. ما قالته النائبة والمناضلة المحترمة عن التواصل الفلسطيني العربي هو أمر هام جداً وخطير .. ونأخذ على الفلسطينيين عدم أخذهم بجدية لأمر تواصلهم مع أشقائهم العرب بل وأحياناً نلمس عند القيادات الانتهازية للشعب الفلسطيني و الباحثة عن مصالحها الضيقة وعن الفتات تعمد القطيعة والتنظير لهذه القطيعة وتكريسها بكل ما يعني ذلك من تدمير للعمق الاستراتيجي العربي و حتى الأممي للفلسطينين ..” وشو هامهم فهم غير سائلين” عن ذلك ولا يعنيهم معاناة الناس الحقيقيين المعنيين بذلك …!!!

  5. مقال تبريري
    كنت أقترح أن تقفي وتعتذري أنت والتجمع وكل من سافر
    إلى هناك وإلى سوريا
    عقولنا لم تعد تتحمّل أن يهينها أحد

    ركبت ترمب على مرمرة وفكرت أنك قائدة
    والآن تركبون ترمب على الثورات وهي بريئة منكم

    وهي في أوجه كثيرة منها ثورة على أحزاب وشعارات وتوجهات
    يجسدها هذا المفال

  6. بشكل عام:
    نهج تجمعي نموذجي, تحاولين انقاص بعض النقاط للمنافسين (او يمكن الاعداء..(
    ظناً منك انه بهذه الطريقة سوف يعلو شأن التجمع…

    وسؤال للتفكير:
    اذا تمت دعوة قيادات ال ٤٨ لزيارة كهذه من قبل الامير القطري وموزة (واظن انه غير ديموقراطي وفاسد وعميل امريكي)
    الن تكيل حنين الزعبي (والتجمع ) بالمديح والتملق له ولموزة ولنظامه وسياسته الداخلية تجاه شعبه؟

  7. اعتقد انه من اهم الدروس التي علمتنا اياها هذه الثورات ان الانظمة الموجودة حاليا في الوطن العربي واسرائيل كلها ساقطة عن الشرعية وأي تعاون معها هو اشتراك في الجريمة المنظمة
    نحن لسنا افراد بل أقلية مضطهدة وليس لنا سوى العمل الجماهيري
    موقعنا في المعارضة يأتي على حساب تزويد الوعي الفلسطسني بما هو اساسي لتكوين هوية وطنية نضالية شعبية ثورية
    حان الوقت ان نصنع الثورة لانفسنا بدل الاكتفاء بتذوق ثورات اشقاءنا
    انت تمثلين التجمعيين دون الحاجة لكنيست اسرائيليةاو اي شرعية منها

  8. هذا المقال يثبت المأساه الكبرى لواقعنا السياسي الرديء – مزاودات واتهامات وتهجمات بائسه لا تتماشى برأيي مع قوانين اللعبه الديموقراطيه. وكم بالحري لواقعنا الحرج الذي لا يحتمل اصلاً مثل هذه المزاودات. على الاحزاب السياسيه ان تراجع تصرفاتها وتحاسب نفسها بشكل مستمر فيما اخطأت أم لا بدل ان تصب مجهودها في التهجم على الحزب المنافس كأجنده مركزيه وكأنه ينقصنا طائفيه وحمائليه وفئويه. لماذا نتفاجأ بابتعاد الناس عن النشاط السياسي ؟

  9. قال سخيف، شو يا حنين عم بتبرري حالك بالجبهة؟ ما انتوا مورطين لدنيكوا؟ تأسفي وبدون مبررات ولف ودوران.. هاد المقال زي خطابات مبارك.. مفصولين عن العالم انتوا اللي عالكراسي

  10. مقال ممتاز!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>