“المفاوضات المباشرة ستجري لتعرض الجانبين لضغوط خارجية لا بسبب تغير دراماتيكي”

هذا ما يقوله بروفسور داني غوطفاين، ويزيد: الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أصبح مشكلة إقليمية وبات جزءا من معادلة أوسع تهدد توازن القوى الشرق أوسطي والعالمي

“المفاوضات المباشرة ستجري لتعرض الجانبين لضغوط خارجية لا بسبب تغير دراماتيكي”

ميتشل ونتنياهو في لقائهما، الأربعاء

ميتشل ونتنياهو في لقائهما، الأربعاء

|بلال ضاهر|

إعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أنه يوجد مناخ دولي مريح لإجراء مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، وقدر بأن هذه المفاوضات ستبدأ في منتصف شهر آب الحالي.

وقال نتنياهو لدى افتتاحه اجتماع الحكومة الإسرائيلية مطلع هذا الأسبوع إنه أجرى في الأسابيع الأخيرة “محادثات مع زعماء في العالم حققت هدفا واحدا وهو خلق مناخ دولي مريح أكثر للبدء في محادثات مباشرة مع الفلسطينيين”. وأضاف: “إني أدعو أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) إلى البدء في محادثات سلام والاستجابة لدعوة المجتمع الدولي من خلال الحفاظ على الترتيبات الأمنية كشرط أساس”.

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نتنياهو تقديره خلال اجتماع وزراء حزب الليكود مطلع الأسبوع الماضي، أنّ المفاوضات المباشرة ستبدأ في منتصف شهر آب الحالي. وأضاف نتنياهو أنه لم يتلق أية خطة فلسطينية للسلام حتى الآن، علما أن رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة “هآرتس” إنه سلم المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، الذي يشكل وسيطا في المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، تفاصيل خطة سلام فلسطينية تعين عليه إبلاغ الجانب الإسرائيلي بها. وقال نتنياهو إنه “لا يوجد تغيير في شروط التجميد”، في إشارة إلى تعليق البدء بأعمال بناء جديد في مستوطنات الضفة الغربية.

التطورات تشير إلى أن المسألة لم تعد منحصرة في “الشجار المحلي” فيما بيننا. وإنما المسألة تبدأ في أفغانستان وباكستان مرورا بإيران

وذكرت صحيفة معاريف، يوم الجمعة الماضي، أن وزير الأمن الإسرائيلي ورئيس حزب العمل، ايهود باراك، كرر استعرض خطته لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أمام أعضاء من “مبادرة جنيف”. وتتضمن خطة باراك انسحاب إسرائيل من أحياء فلسطينية في القدس الشرقية، لا تشمل البلدة القديمة ومحيطها، وتجميد البناء في المستوطنات “المنعزلة” في عمق الضفة تمهيدا لإخلائها في إطار اتفاق سلام ودفع تعويضات مالية لسكانها. واعتبر باراك أن حل قضية اللاجئين ينبغي أن يكون في إطار الدولة الفلسطينية بعد قيامها في المستقبل وعدم تطبيق حق العودة إلى مناطق داخل الخط الأخضر.

وفيما لا تزال المواقف بين إسرائيل والفلسطينيين متباعدة، يطرح السؤال حول ترجيح نتنياهو بأن المفاوضات المباشرة ستبدأ بعد أسبوعين، وعلى ماذا يستند في تقديره هذا.

وقال المحاضر في قسم التاريخ الإسرائيلي في جامعة حيفا، البروفسور داني غوطفاين، إنه “بالإمكان الاعتقاد، من خلال مطالعة الصحف، أن تقديره يستند إلى قرار مجلس جامعة الدول العربية وإلى مواقف الرئيس الأميركي، باراك أوباما. وأنا أعتقد أنه تبلور تحالف إقليمي-دولي واسع، يشكل استمرار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بالنسبة له تهديدًا إقليميًا. وواضح تمامًا أنّ ما يحدث في السنوات الأخيرة هو أنّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أصبح مشكلة إقليمية كما أنه بات جزءا من معادلة أوسع بكثير وتهدد توازن القوى الشرق أوسطي والعالمي”.

- لكن الفلسطينيين ما زالوا غير موافقين على الانتقال إلى مفاوضات مباشرة بسبب عدم وجود أساس لذلك؟

غوطفاين: “أنا أعتقد أنّ الإسرائيليين والفلسطينيين متقوقعون داخل أنفسهم. لكن التطورات تشير إلى أن المسألة لم تعد منحصرة في “الشجار المحلي” فيما بيننا. وإنما المسألة تبدأ في أفغانستان وباكستان مرورا بإيران. وعلينا أن ندرك أن التحوّل الهام الذي طرأ على الصراع هو أنّ المعادلة السابقة بأن العالم العربي إلى جانب الفلسطينيين ضد إسرائيل المدعومة من الأميركيين، قد أفلست. وعمليا فإن الانقسام الحالي في المنظومة الشرق أوسطية هو الذي أوجد لدى نتنياهو فرضية أنه في نهاية المطاف سيضطر كلا الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، إلى التوصّل لتفاهم ولو كان ذلك من أجل مواجهة المسألة الإيرانية. وإلا ما الذي يبحث عنه بيريس لدى مبارك [خلال لقائهما في القاهرة قبل أيام]؟ وماذا يفعل الملك السعودي في بيروت؟ وأنظر كم من المعادلات المألوفة آخذة بالانكسار. والاعتبار لدى نتنياهو وأوباما وجهات في جامعة الدول العربية هو أنه في المعادلات القائمة يتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يواجها معًا مشاكل مثل إيران وحماس وحزب الله والأخوان المسلمين التي تقف ضد المحور السّني المعتدل، أو سمّه مثلما تريد. وهذا الوضع هو الذي سيملي على إسرائيل والفلسطينيين التوصل إلى اتفاق، رغم أنه لا يبدو أنه يوجد نضوج كاف لدى الجانبين للتوصل إلى تسوية”.

التغيير لم ينبع من صور الاستيلاء على “مرمرة”، بل من تفكير سريع في إسرائيل ومصر حول تغير موازين القوى بعد أن تحزبت تركيا إلى جانب معين

- هل يريد نتنياهو والإدارة الأميركية إظهار أنّ هناك مفاوضات جارية أم أنّ هناك نية حقيقية للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين؟

غوطفاين: “لم نعد في وضع نظهر فيه أن هناك مفاوضات تجري وحسب. وإذا نظرنا إلى الخريطة، بدءا من [العاصمة الأفغانية] كابول وحتى رام الله والقدس، وما بينهما، مثل تركيا وأذربيجان وتركمانستان، سنرى أننا فقدنا استقلاليتنا في الصراع وأنه تحول إلى صراع دولي، بمعني أننا لم نعد نديره وحدنا. وعمليا، عدنا إلى نقطة أصبح فيها الصراع جزءا من صراع عالمي أكبر. ومثال على ذلك عملية الانفصال عن غزة خلال ولاية أريئيل شارون. فقد كان هذا جزءا من تحركات دولية، مثل حرب العراق [أي احتلال العراق في العام 2003] وما إلى ذلك. وانظر الآن إلى كلّ ما يحدث في اليمن والسعودية، أي إلى الجيوب الإيرانية التي تزعزع الاستقرار، وعمليا فإن الصراع ينتقل من حدود إسرائيل إلى حدود السعودية”.

- أفهم من أقوالك أنه إذا انطلقت المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين فإنّ هذه ستكون مفاوضات حقيقية وأن ثمة احتمالا للتوصل إلى اتفاق. هل هذا هو ما سيحدث؟

غوطفاين: “المشكلة هي أنه إذا أخذت اللاعبين- الإسرائيليين والفلسطينيين- لوحدهما فإنهما ليسا ناضجين للتوصل إلى اتفاق. المجتمع الفلسطيني ليس ناضجا بعد للموافقة على الحد الأدنى من المطالب الإسرائيلية، والمجتمع الإسرائيلي أيضا ليس ناضجا للموافقة على الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية. هذا هو الوضع اليوم. والآن قالت جامعة الدول العربية لأبو مازن [الرئيس الفلسطيني محمود عباس] إن المصالح العربية تقضي بخفض لهيب الموقدة الفلسطينية-الإسرائيلية. وهذا ما قاله تقريبا أوباما لنتنياهو وأبو مازن. والضغوط الحالية هي على انعدام النضوج لدى كلا الجانبين. والسؤال الكبير هو: هل ستنجح الضغوط الممارسة عليهما؟ وهذا لا يعني أن القوى السياسية في إسرائيل أو بين الفلسطينيين قد تغيرت. وما أحاول قوله هو أن صورة الوضع هنا تغيرت ولكن بتأثير من الخارج. وانظر مثلا إلى القافلة التركية [أي أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة]، فهذه جزء من القصة. وعمليا هذه القافلة تعبر عن سير الأمور في الشرق الأوسط، إذ أن ما حدث بعد يوم واحد من أحداث هذه القافلة، ما كنت ستصدقه لو قلت لك قبل ذلك بأسبوعين إنه سيحدث. وأقصد موافقة إسرائيل على أن تفتح مصر حدودها مع قطاع غزة. ووفقا لرؤيتي فإنه ليس إسرائيل ولا مصر كشفتا عن سياسة لم نكن نعرفها من قبل. وأعتقد أنه أمام التغيير الذي أجراه رئيس حكومة تركيا، رجب طيب أردوغان، في خريطة القوى الإقليمية، فإن المنطق الجديد هو منطق منظومة يوجد فيه عدد كبير من المصالح. وكذلك الوضع في اليمن [يقصد الحوثيين]، حيث تجري محاولة لإقامة قطاع بين اليمن والسعودية تسيطر فيه جهة شبيهة بحزب الله أو حماس”.

بروفيسور داني غوطفاين

بروفيسور داني غوطفاين

- هل تأتي “خطة السلام” التي يقترحها رئيس حزب العمل ووزير الأمن الإسرائيلي ايهود باراك في هذا السياق؟

غوطفاين: “يصعب قول هذا الآن، لأن القياديين الإسرائيليين والفلسطينيين لا يكشفون أوراقهم. والانطباع العام، فيما يتعلق بنتنياهو وباراك، هو أنهما يديران سياسة تستقطب إجماعا في إسرائيل. لكن يصعب معرفة ما إذا كان باراك يدفع باتجاه اتفاق أكثر من غيره. وإلى أن نعرف ما الذي جرى خلال اللقاء بين نتنياهو وأوباما فإنه يصعب معرفة اتجاه الأمور”.

- لماذا يتم إخفاء المعلومات حول لقاء نتنياهو وأوباما؟

غوطفاين: “يتم إخفاء المعلومات حول لقاءات تعقد بين رئيس حكومة إسرائيلي ورئيس أميركي بشكل دائم. ويصعب معرفة الحديث الذي يدور بينهما. رغم ذلك فإن أجندة الأميركيين معروفة تقريبا، وخلال السنتين المقبلتين سنشهد خطوات بعيدة المدى، مثل انسحاب الجيش الأميركي من العراق. لكن خطوة كهذه ستكون منوطة باتفاقيات مع دول أخرى. ولذلك فإني أعتقد أن ما يصعب على الإسرائيليين والفلسطينيين إدراكه في المرحلة الجديدة المقبلة علينا هو أن اللعبة لم تعد لعبتنا وحدنا، وإنما سيتم إملاء أمور كثيرة من الخارج. ونحن نتحدث هنا عن عملية سياسية [لحلّ الصراع] أكبر بكثير مما عهدنا في الماضي. وبرأيي فإنّ المثال الأبرز الحاصل الآن هو مثال غزة وموافقة إسرائيل على أن تفتح مصر حدودها مع القطاع في أعقاب قافلة السفن التركية، وذلك بشكل مفاجئ ومن دون تفكير وتخطيط مُسبق من جانب إسرائيل ومصر. وباعتقادي أنّ هذا التغيير لم يكن بسبب الصور التي تم نقلها من عملية الاستيلاء على سفينة “مرمرة”، وإنما من تفكير سريع في إسرائيل ومصر حول تغير موازين القوى بعد أن تحزبت تركيا إلى جانب معين. وأعتقد أن هذا هو المنطق الذي سيوجه المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين”.

- هل سيوافق نتنياهو على الدخول في مفاوضات مباشرة استنادا إلى مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة في حزيران 1967؟

غوطفاين: “سوف يرفض ذلك ويعلل بأنّ هذا الموضوع يجب أن يخضع للتفاوض. ولا شكّ في أنّ ثمة فجوات كبيرة بين مواقف الجانبين. فالمفاوضات التي قد تبدأ قريبا لا تجري، كما ذكرت، بسبب حدوث تغيير ما دراماتيكي، وإنما لأنّ كلا الجانبين تعرّضا لضغوط خارجية هائلة، كما أنّ كليهما لا يعملان في فراغ. وأوباما أوضح لعباس أنّ عليه التنازل عن شرط تجميد الاستيطان وعن التزام إسرائيل بإجراء المفاوضات استنادا إلى خطوط الرابع من حزيران، وفي المقابل أوضح الرئيس الأميركي لنتنياهو أيضا أن عليه الاعتراف بداية بمبدأ الدولتين لحل الصراع”.

(عن “المشهد الإسرائيلي”)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>