مآلات الحوار الفلسطيني والمصالحة المنشودة/ علي بدوان

|علي بدوان| أثارت التحركات الأخيرة التي شهدها البيت الد […]

مآلات الحوار الفلسطيني والمصالحة المنشودة/ علي بدوان

|علي بدوان|

علي بدوان

علي بدوان

أثارت التحركات الأخيرة التي شهدها البيت الداخلي الفلسطيني، والتي توجت بالاجتماع المشترك لوفد من اللجنة المركزية لحركة فتح والمكتب السياسي لحركة حماس بدمشق أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، موجة جديدة من التفاؤل والاستبشار بإمكانية عودة انطلاق قاطرة الحوار الوطني الفلسطيني، وصولاً للمصالحة الوطنية الفلسطينية المنشودة، التي باتت مستعصية -من وجهة نظر البعض- نتيجة الانتكاسات المتتالية التي تعرضت لها خلال العامين المنصرمين.

خصوصا بعد تمترس القاهرة وراء الورقة المقدمة من قبلها لحركتي حماس وفتح، لاعتمادها كأساس للمصالحة، على الرغم من الملاحظات الكثيرة حول بعض النقاط التي وردت في الورقة إياها، وهي ملاحظات لا تقتصر على حركة حماس وحدها، بل تمتد إلى باقي القوى الفلسطينية بما فيها حركة فتح ذاتها التي كانت قد وقعت على الورقة قبل أكثر من عام مضى.

فما الجديد الذي وقع؟ وهل جاء اجتماع فتح وحماس الأخير دون مقدمات أو تحضيرات، أم هناك تطور جرى ويجري الآن في سياقات الجهود المبذولة للوصول إلى بر المصالحة الوطنية الفلسطينية المنشودة؟


عودة لإشكاليات الورقة المصرية

الورقة المصرية أحدثت تقدماً ما في ملف المصالحة وملف القضايا العالقة، إلا أنها قفزت عن الاستعصاءات الرئيسية، لتصبح وكأنها تمهد لمصالحة “تبويس لحى” فقط ولا تمهد لمصالحة حقيقية

للإجابة عن التساؤلات الواردة أعلاه، نقول بداية إن القاهرة وطوال فترات الحوار، وبجلساته السبع التي عقدت في القاهرة بعيد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حاولت احتواء التفاعلات التي رافقت عملية الحوار، فقدمت ورقتها المعروفة بتخريجات عامة وفضفاضة لإرضاء جميع الأطراف وتحديدا حركتي فتح وحماس، حيث طرحتها في سبتمبر/أيلول 2009 تحت عنوان “ورقة المصالحة المصرية”، بعد أن كانت قد أرسلتها لحركتي حماس وفتح دون باقي الأطراف الفلسطينية.

وعندما اتضح أمر الورقة بعيد تسريبها، أعلنت الفصائل الفلسطينية بدمشق أنها لن توقع على ورقة المصالحة المصرية إلاّ إذا تضمنت “الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية وضمان حق مقاومة الاحتلال الصهيوني”، بينما أعلنت حركة الجهاد الإسلامي أنها لن توقع مطلقا على الورقة المصرية للمصالحة التي سلمت إلى فتح وحماس تحت اسم اتفاقية المصالحة الفلسطينية.

ومن حينها باتت الورقة المصرية العنوان الأبرز لتحرك القاهرة في إطار ملف الحوار والمصالحة الفلسطينية، وقد زودت القاهرة تلك الورقة وألبستها هالة من “القدسية” رافضة بأي شكل من الأشكال أي إجراء أو تعديل أو تحوير في مضمونها، وطالبت القوى الفلسطينية، خصوصاً فتح وحماس، بالتوقيع عليها دون أي اعتراض مهما كان، اللهم سوى تسجيل بعض الملاحظات.

ولكن، ومن موقع الإنصاف والموضوعية، نستطيع القول إن الورقة المصرية وإن امتلأت بالمثالب، لكنها أحدثت اختراقا في عملية الحوار بين حركتي فتح وحماس لجهة التقليل من هوة الخلافات بينهما، حيث اقترح المصريون -على سبيل المثال- حلاً لإشكالية القانون الانتخابي باقتراح قانون انتخابات مختلط بنسبة 75% قوائم و25% دوائر، بينما كانت حركة حماس قد اقترحت 70% قوائم مع 30% دوائر، واقترحت حركة فتح بالمقابل اقتراحا يقول بـ80 % قوائم مع 20% دوائر.

كانت لقاءات مكة مرتبة ومدروسة انطلاقا من عدة معطيات، أولها وجود انسجام متزايد في العلاقات السعودية المصرية, وثانيها وجود حالة شبه انهيار في العملية التفاوضية على المسار الفلسطيني، وثالثها وجود ضغط كبير على مواقع القرار في السلطة الفلسطينية

إضافة لذلك، فإن الورقة المصرية اقترحت تأجيل بعض التفاصيل الخلافية المتعلقة بملف المعتقلين السياسيين والانتخابات والأمن, على أن تسوى لاحقاً إلى ما بعد توقيع اتفاقية المصالحة, مع التزام مصري بضمانات طلبتها الحركتان، حيث طلبت حركة حماس البدء بتحديد قوائم وأسماء المعتقلين بعد التوقيع على الاتفاقية, مع “ضمانات مكتوبة” من حركة فتح والسلطة الفلسطينية بالإفراج “الفعلي” عنهم، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية على أسس مهنية ووطنية، وعلى نظام “الرزمة والتوازي” في التطبيق بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

بالمقابل تحفظت حركة فتح على البند الخاص في الورقة المصرية والمتعلق بتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية ستة أشهر عن موعدها القانوني المقرر في حينها في العاشر من يناير/كانون الثاني 2010.

ومن هنا، فإن الورقة المصرية أحدثت تقدماً ما في ملف المصالحة، وملف القضايا العالقة، إلا أنها قفزت عن الاستعصاءات الرئيسية، لتصبح وكأنها تمهد لمصالحة “تبويس لحى” فقط، ولا تمهد لمصالحة حقيقية تقود البيت الفلسطيني من مسالك التردي إلى دروب الوحدة الحقيقية.


لقاءات مكة.. مشعل وجمال مبارك وسليمان

إن الجديد الذي زحزح من “قدسية” الورقة المصرية لدى الجانب المصري وحلحل من موقف القاهرة، جاء بعيد لقاءات العمل شبه اليومية التي أجراها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل مع رئيس المخابرات المصرية الجنرال عمر سليمان وجمال مبارك نجل الرئيس المصري، وذلك أثناء إقامتهما المشتركة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك الماضي في مكة المكرمة، حيث لعب الطرف السعودي دورا مهماً في ترتيب وإدارة تلك اللقاءات ولو دون تدخل كبير.

وبالتالي فإن لقاءات مكة لم تكن عفوية أو مصادفة، فقد كانت لقاءات مرتبة ومدروسة انطلاقاً من عدة معطيات، أولها وجود انسجام متزايد في العلاقات السعودية المصرية. وثانيها وجود حالة شبه انهيار في العملية التفاوضية على المسار الفلسطيني، ورفض دولة الاحتلال حتى تمديد مسرحية التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان، الأمر الذي أعاد الجميع من التحليق في سماء الأوهام إلى الأرض، ليتعاملوا مع حقيقة أن المفاوضات إذا استمرت في ظل المعادلات السائدة فستنتهي إلى الفشل المحتوم.

وثالثها وجود ضغط كبير على مواقع القرار في السلطة الفلسطينية في رام الله، لدفع أبو مازن للاستمرار في العملية التفاوضية على الرغم من الدوران في الحلقة المفرغة واستمرار عمليات التهويد والاستيطان، وهو ما زاد من توليد الرغبة الدافعة في رام الله نحو اللجوء لتحسين أوراق الوضع الفلسطيني حتى بحدودها الدنيا.

وفي ظل تلك المعطيات الواردة أعلاه، بدت الحلحلة في الموقف المصري انطلاقا من موافقة القاهرة على عدم ممانعتها للتوصل إلى تفاهمات فلسطينية، يتم الاتفاق فيها على أمور تضاف كملحق للورقة المصرية العتيدة إياها، وهو موقف جديد بدا وكأنه ينزع “القدسية” عن الورقة التي تمترست القاهرة وراءها منذ سبتمبر/أيلول 2009.

الموقف المصري الجديد بقبول التفاهمات الفلسطينية، لتصبح ملحقاً أساسيا للورقة المصرية، كان الباب الذي فتح الطريق أمام عودة عملية الحوار وعلى طريق إنجاز المصالحة الفلسطينية الداخلية

وفي هذا السياق، فإن القاهرة بادرت لتوجيه رسائل طمأنة لحركة حماس، بدأت بإطلاق سراح بعض معتقليها من السجون المصرية، ومنهم المسؤول الأمني في قطاع غزة محمد دبابش، ومحمد نعيم نجل وزير الصحة في حكومة إسماعيل هنية. على أن تتم عملية الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين من أعضاء حركة حماس في مصر بشكل متتابع، وعلى رأسهم القيادي في كتائب القسام أيمن نوفل، وصولاً إلى إطلاق سراح معتقلي حماس البالغ عددهم 25 قياديا من السجون المصرية.


لقاء دمشق.. هل أخرج الزير من البير؟!

إن لقاءات مكة فتحت الطريق أمام عودة الحوارات والاتصالات بين فتح وحماس ومهدت لها، والشيء المهم والجديد هنا هو أن الوزير عمر سليمان أبلغ خالد مشعل -كما تشير مصادر قيادية مسؤولة في حركة حماس- أن “القاهرة ليس لديها مانع من تفاهمات فلسطينية حتى لو سبق ذلك توقيع الورقة المصرية”، وأن مصر “تصر على موقفها فقط بعدم فتح الورقة المصرية، لكنها لا تمانع تفاهمات فلسطينية، وأنه إذا اتفق الطرفان الفلسطينيان على تفاهمات معينة فإن القاهرة سوف تراعيها وتلتزم بها أثناء تنفيذ اتفاق المصالحة”.

إن هذا الموقف المصري الجديد بقبول التفاهمات الفلسطينية، لتصبح ملحقا أساسيا للورقة المصرية، كان الباب الذي فتح الطريق أمام عودة عملية الحوار وعلى طريق إنجاز المصالحة الفلسطينية الداخلية، وبالتالي في ترتيب لقاء دمشق الأخير الذي تمخض عن تفاهمات إضافية بين وفدي فتح وحماس وفي ظل أجواء إيجابية، كان البارز أنها اتسمت بالمصارحة والصراحة والمصداقية، وهو ما سرّع نضوج حل الخلافات والتباين في وجهات النظر، لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي أفرز تداعياتٍ سلبية على الواقع الفلسطيني.

ومع ذلك، فإن لقاء دمشق -وعلى حد تعبير المثل الشعبي الفلسطيني- “لم يخرج الزير من البير”، لكنه فتح الطريق أمام ذلك المبتغى، فالتفاهمات التي طرحتها حركة حماس في لقاء دمشق، والمقترح إضافتها للورقة المصرية، محصورة في ثلاث قضايا أساسية، وهي: أولا الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية, ثانيا مسألة الانتخابات التشريعية والرئاسية ولجنة الانتخابات وقانون الانتخابات, وثالثا هيكلة أجهزة الأمن واللجنة الأمنية وملف الأجهزة الأمنية بشكل عام.

ففي المسألة الأولى المتعلقة بالإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، فقد نصت الورقة المصرية في نصها الأساسي على مهام محددة لهذا الإطار القيادي، وهو ما وافقت عليه حركة حماس في حينه، ولكن تم حذف عبارة “إن هذه المهام أعلاه غير قابلة للتعطيل” وكل ما تريده حركة حماس الآن في هذه المسألة يتمثل بعودة العبارة السابقة بدلا من حذفها، حتى لا يلجأ الرئيس محمود عباس لسبب أو لآخر إلى العودة لصيغة اللجنة التنفيذية الحالية للمنظمة خصوصا بعد الإضافات التي جرت على عضويتها قبل أقل من عام مضى.

أما في المسألة الثانية المتعلقة بالانتخابات، فقد توافق الجميع على أن لجنة الانتخابات يجب أن تتشكل بالتوافق، وبالتالي إذا حدث انقسام فيجب أن يكون التوافق هو الصيغة التي يتم اللجوء إليها، غير أن الورقة المصرية تتضمن تشكيل اللجنة بالتشاور بدلاً من التوافق، وهذا أمر مختلف لأنه قد يضع كل الأمور في يد محمود عباس فقط.

وفي المسألة الثالثة المتعلقة بهيكلة أجهزة الأمن واللجنة الأمنية، وهو أمر ما زال معلقاً بانتظار اللقاء القادم بين قيادتي حماس وفتح، والمتوقع التئامه في الشهر الجاري في العاصمة السورية دمشق، يعتبر الملف الأمني وبمكوناته من أصعب الملفات وأكثرها حساسية لدى حماس وفتح، إذ إنه يتحدث في الورقة المصرية عن إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية في قطاع غزة دون الضفة الغربية، وهو ما ترفضه حماس على اعتبار أن الضفة وغزة وحدة جغرافية تحتاج كل منهما لترتيب أوضاع أجهزتها الأمنية.


وعورة طريق المصالحة

ختاماً، إن طريق المصالحة الوطنية الفلسطينية الحقيقية والمنشودة ما زال طريقاً وعراً على الرغم من أجواء التفاؤل والاستبشار التي أثارها ونشرها اجتماع دمشق الأخير بين قيادتي حركتي حماس وفتح، فالمعادلة الفلسطينية غير منفصلة على الإطلاق عن الحجم الهائل من التعقيدات الإقليمية والدولية.

الطريق الحقيقي للمصالحة ما زال وعراً وعورة مسار عملية التسوية السياسية الجارية في المنطقة، والتي بدت استعصاءاتها واضحة خلال الجولات الثلاث مما تسمى المفاوضات المباشرة

وبالتالي فإن تحقيق المراد الوحدوي الفلسطيني مرهون بأمرين، أولهما توفر إرادة عربية حقيقية ونزيهة في التعاطي مع المعادلة الفلسطينية ومع مختلف أطرافها الرئيسية، وهنا تبرز أهمية التوازن في الدور المصري. وثانيهما ضرورة توفر إرادة فلسطينية كبيرة تستطيع كسر “تابو” المحرمات التي وضعتها الولايات المتحدة في سياقات إضعافها للدور الفلسطيني في إطار المفاوضات غير المتوازنة الجارية ولو بتقطع.

إن موضوع المصالحة الفلسطينية ما زال معلقاً وما زالت الهوة على ما هي عليه بالنسبة لعدة مواضيع حساسة، فقد تم التوافق العام في لقاء دمشق على قضايا الانتخابات ومنظمة التحرير الفلسطينية، أما التفاصيل فتحتاج لاجتراحات واشتقاقات ومجاهدات كبرى لإنجازها. في حين ما زال الموضوع المتعلق بالأجهزة الأمنية وإعادة بنائها وهيكلتها موضوعا آخر ينتظر أشبه بالمعجزة لحل تناقضاته وإشكالياته.

ومن هنا، فإن آفاق المصالحة الفلسطينية ما زالت مشوشة، والدليل على ذلك تأجيل موعد اللقاء الثاني بين فتح وحماس، وظهور تباينات بشأن مكان وزمان انعقاده. كما أن الطريق الحقيقي للمصالحة ما زال وعراً وعورة مسار عملية التسوية السياسية الجارية في المنطقة، والتي بدت استعصاءاتها واضحة خلال الجولات الثلاث مما تسمى “المفاوضات المباشرة”.

ومع ذلك، ورغم كل المآسي والصعاب، ورغم حالة التردي في الخطاب السياسي للنظام الرسمي العربي، فإن الخيار الوطني الفلسطيني، خيار التمسك بالثوابت والحقوق الوطنية، ما زال هو الخيار الأساسي للشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات. وهو الخيار القادر على لجم وإفشال كل مسارات “التسوية” الهزيلة التي يحاول الأعداء فرضها عليه، وعلى حقوقه الوطنية والتاريخية.

وبالتأكيد فإن خيار التمسك بالثوابت من قبل الشعب الفلسطيني يحتاج لروافعه الوطنية، وفي المقدمة منها إعادة بناء الوحدة الوطنية، والوصول الحقيقي لمبادئ التشاركية السياسية على أساس برنامج إجماع وطني فلسطيني.

(عن “الجزيرة نت”)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>