هدف برازيلي في المرمى الدولي/ رائد الدبس

البرازيل من أوائل وأهمّ الدول التي لبّت طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية ثم تلتها الأرجنتين وأورغواي وسوف تليها حتماً، كثيرٌ من الدول

هدف برازيلي في المرمى الدولي/ رائد الدبس

|رائد الدبس|

رائد الدبس

رائد الدبس

النقاش الذي يدور حول الخيارات والبدائل المتاحة أمام شعبنا الفلسطيني في مواجهة حالة الاحتباس السياسي وانقطاع الغيث، بدأ يتبلور ويتمحور حول  خيار أساسي لا بد منه: الحصول على أوسع وأكبر اعتراف دولي ممكن بالدولة الفلسطينية المستقلة، ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك قبل إعلانها من جانبنا كفلسطينيين.

يقولون في بلادنا: أوّلُ الغيث قطرة . ويمكننا أن نقول اليوم، بعد أن طال الاحتباس السياسي فوق أرضنا وسمائنا: أوّلُ الغيث برازيل! وأن نقول أيضاً إن البرازيل التي اعتادت على تسجيل الأهداف الرياضية الرائعة، قد سجلت هدفاً سياسياً أروع في مرمى الشرعية الدولية. وهو هدف يُعدّ إنجازاً سياسياً وقانونياً فلسطينياً .

لماذا البرازيل؟

البرازيل هي من أوائل وأهمّ الدول التي تمّ التوجه إليها بطلب الاعتراف، وقد لبّت الطلب الفلسطيني الذي قدمه الرئيس الفلسطيني إلى نظيره البرازيلي في غضون عشرة أيام فقط. ثم تلتها الأرجنتين وأورغواي وسوف تليها حتماً، كثيرٌ من الدول الأخرى.

يقولون في بلادنا أيضاً: أوّلُ الرقص حَنْجَلة. وثبتَ أن أوّل الرقص سامبا ثم تانغو، وقد يتبعه الفلامنغو والوالس أيضاً.

السؤال المشروع الذي يطرحه الكثير من الفلسطينيين اليوم: ما جدوى حصولنا على اعتراف دولي جديد، طالما أن منظمة التحرير الفلسطينية أعلنت في العام 1988 قيام دولة فلسطين وحصلت آنذاك، على اعتراف حوالي مائة دولة، ولكنّ دولتنا الفلسطينية العتيدة، لم ترَ النورَ بعد؟

الجواب هو أن  ذلك الإعلان التاريخي الهام الذي صاغهُ الشاعر الراحل محمود درويش، وأعلنه الرئيس الراحل ياسرعرفات، كان بمثابة إعلان الشعب العربي الفلسطيني عن حقه في تقرير مصيره واستقلاله في دولة فلسطينية فوق أرض فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية. وقد أثمر ذلك الإعلان الذي حدث لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني، عن اعتراف الغالبية العظمى من دول العالم، بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والاستقلال. ما تطلبه منظمة التحرير الفلسطينية  والسلطة الوطنية الفلسطينية من دول العالم اليوم، هو اعتراف رسمي مُعلَن، بحدود الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ضمن خطوط الرابع من حزيران عام 1967.

الفوارق النوعية بين إعلان الاستقلال عام 1988 وما تلاه من اعتراف دولي، وبين ما تطلبُهُ منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية من دول العالم اليوم، تتجلّى أولاً باعتراف دولي يحدد حدود الدولة الفلسطينية وينزع أيّ شرعية إسرائيلية عن عمليات الاستيطان التي حدثت وتحدث منذ عام 1967، وخصوصاً في القدس.

ثانياً، هذا الاعتراف الدولي المُحَدّد بحدود الدولة الفلسطينية وبعاصمتها، هو اعتراف تتجاوز آثارهُ الأبعادَ السياسيةَ والمعنويةَ للاعتراف بإعلان الاستقلال، وينشأ عنه ويترتب عليه آثار قانونية دولية مُلزمة، خصوصاً بعد أن يكتمل، إما بالحصول على اعتراف ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومن ثم التوجه بدعوة الجمعية العمومية للانعقاد تحت بند ميثاق الأمم المتحدة الشهير بإلزامية قراراته، وهو بند الاجتماع لأجل الحفاظ على السلم العالمي، أو بالحصول على قرار من مجلس الأمن، وهو الاحتمال الأضعف بسبب الفيتو الأميريكي المتُوَقّع.

على صعيد متصل، صدر كتاب جديد فائق الأهمية من حيث مضمونه وتوقيته، عن دار النشر الخاصة بجامعة كمبريدج في أيلول الماضي بعنوان: دولانيّة فلسطين: القانون الدولي في صراع الشرق الأوسط

The Statehood of Palestine- International law in the Middle East Conflict

تكمن أهمية الكتاب في ما يقدمه من خلاصات بينها قرائن تعود إلى عصبة الأمم صاحبة قرار الانتداب في العام 1924 حول هوية فلسطين كدولة. وفي هذا الصدد يرى المؤلف أن كل ما حدث لاحقا لم يغيّر من الوضع القانوني لدولة فلسطين، ولا من حقها في الاستقلال. وفي تعليقه على الكتاب يقول الدكتور نبيل العربي، العضو السابق في محكمة العدل الدولية: إن كتاب دولانيّة فلسطين شامل، يأتي في التوقيت الصحيح، ويمثل إضافة قيّمة إلى الدراسات الخاصة بوضعيّة فلسطين، في وقت يشهد مداولات بشأن الدولة الفلسطينية في أكثر من محفل دولي.

أما جون دوغارد، المفوّض الخاص السابق حول حقوق الإنسان إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة فيقول في تعليقه على الكتاب: فلسطين ليست دولة، ليس لأن إسرائيل تقول إنها ليست دولة، القول الذي تتردد أصداؤه في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية. ولكن لأن الوضع كما يبيّن لنا كويغلي أعقد من هذا بكثير. ففلسطين تستجيب لكل مواصفات الدولة، وهي بالتأكيد مؤهلة أفضل من كيانات قُبلت كدول مثل كوسفو، ومكرونيزيا وجزر مارشال وبالاو”.

يمكننا أن نضيف إلى أسماء الكيانات التي ذكرها جون دوغارد، والتي تمّ الاعتراف بها كدول، قائمة طويلة تتجاوز كوسوفو وميكرونيزيا وبالاو.. فهناك الكثير من الكيانات القبليّة المرشحة جداً للاعتراف بها كدول، والحبل على الجرار. لكن كل هذا الواقع الدولي المرير والمختلّ لصالح دولة الاحتلال، لن يمنعنا ولن يُثنينا عن مواصلة الكفاح لأجل الحصول على حقنا في دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

نحن إذاً، أمام معركة سياسية ودبلوماسية جديدة وصعبة ومفتوحة على كل الاحتمالات. ستلعب فيها مزايا الإرادة السياسية والمثابرة المهنيّة النضالية الذكية وطول النفس، دوراً حاسماً. فما أحوَجَنا اليوم لتنظيم وتوحيد صفوفنا، وترتيب أوراقنا. وما أحوجنا اليوم ونحن نستعدّ لخوض هذه المعركة الدبلوماسية الدولية، أن نستعيد ذكرى شهدائنا الأبطال جميعاً، وخصوصاً أؤلئك الذين دفعوا حياتهم ثمناً لتحقيق هذا الهدف ، خلال عملهم كديبلوماسيين فلسطينيين مناضلين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: د. نعيم خضر، وائل زعيتر، محمود الهمشري، والقائمة طويلة..

نذكرهم اليوم ليس من باب الوفاء لهم فحسب، بل للتذكير أيضاً، بحاجتنا الآن أكثر من أي وقت مضى،  إلى مزيدٍ من النهوض والارتقاء، بكفاءة ومهنيّة ديبلوماسيتنا الفلسطينية المناضلة.

(باحث فلسطيني مقيم في تونس)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. الأخ باسل . أحترم رأيك وأشكرك على هذه المشاركة. بالنسبة للخيار الأنسب في هذه المرحلة، فأنا أعتقد أن محاولة الحصول على اعتراف ما يقارب أو يزيد عن ثلثي دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة، ثم دعوة الجمعية العمومية للانعقاد تحت بند ميثاق الأمم المتحدة المسمى: الاجتماع من أجل السلم العالمي، حيث تكون لطبيعة قرارات هكذا اجتماع صفة إلزامية تماماً مثل قرارات مجلس الأمن.
    العمل على هذه الخيار لن يستغرق إلا بضعة أشهر وتتضح الصورة. ويمكن بعد ذلك النظر في كل الخيارات الأخرى ومن بينها فكرة حل السلطة. ومن وجهة نظري فإن قرار حل السلطة هو قرار غير ناضج حتى هذه اللحظة، ليس بسبب المصير المجهول الذي ينتظر 170 ألف موظف فلسطيني وعائلاتهم فحسب، بل في اعتقادي أن المجتمع الدولي لا يزال غير مستعد للقبول بذلك وتحمل النتائج. لذلك، فإن السير بالخيار الأول الآن، (خيار الحصول على الاعتراف الدولي الواسع بالدولة) هو خيار معقول جداً، وسوف يترتب عليه نتائج وآثار قانونية وسياسية هامة، ثم إنه لن يستغرق سوى بضعة أشهر . أما إذا فشل، فساعتئذ يمكن وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته وطرح خيار حل السلطة وغيره من الخيارات.
    أخيراً،في اعتقادي لا بأس أن نفكر بطريقة نقدية تجاه الذات بما في ذلك انتقاد السلطة وخياراتها وسقفها السياسي، لكن لا بأس أيضاً أن نرى ميزان القوى الدولي المائل والمختل تماماً لصالح دولة الاحتلال، الأمر الذي يجعل كل خياراتنا صعبة ومعقدة جداً. تحياتي واحترامي.

  2. يعني اعتراف دول العالم بفلسطين، وبالذات دول أمريكا الجنوبية، هو أمر يدل على تضامن عن هذه الشعوب مع الشعب الفلسطيني، وهم قاموا به لقناعتهم بأن هذا ما يريده الشعب الفلسطيني وهم في على هذا الدعم أكثر من مشكورين.

    المشكلة برأي تكمن في الاستراتيجية التي تتبناها سلطة محمود عباس وسقفها المنخفض. وأعني بهذا أنهم اذا طالبوا بدولة في حدود 67 الآن فان حالهم هو كحال من صام طويلا ليفطر على بصلة.

    الخيار الأنسب، والذي برأيي وصل المجتمع الدولي والمؤسسات الأهلية في دول العالم الى مستوى من النضوج لتبنيه، هو حل السلطة ومطالبة اسرائيل بانهاء الأبارتهايد القائم ضد أهالي المناطق المحتلة عام 67.

    ولكن المشكلة في هذا الحل أنه سيكون هناك هيكل بيروقراطي كامل سيتوقف عن الحصول على الرواتب، وطبقة منتفعة كاملة ستفقد امتيازاتها التي كسبتها “بعرق جبينها” في السلطة، وهم ذاتهم من سيقرر ماذا ستكون الخطوة التالية.

    وبخصوص البرازيل والدول الصديقة الأخرى، أنا على يقين بأنهم سيقومون بدعم أي خيار سياسي يقوم به الشعب الفلسطيني.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>