أميركا وإسرائيل أعظم تهديد للسلام/ نوعام تشومسكي

|نوعام تشومسكي| ليس بالأمر السّهل أن يخرج الإنسان من جل […]

أميركا وإسرائيل أعظم تهديد للسلام/ نوعام تشومسكي

|نوعام تشومسكي|

نوعام تشومسكي

ليس بالأمر السّهل أن يخرج الإنسان من جلده وطبيعته ليرى العالم بطريقة مختلفة عمّا شكلته الحياة وظروفها وقدمته إلينا يوماً بعد آخر، لكني أرى أنّ من المفيد أن نحاول ذلك.

طبول الحرب تُقرع ضدّ إيران بسبب طموحاتها النووية وتتعإلى أصوات هذه الطبول يوماً بعد آخر، فتخيلوا لو أنّ هذه الحالة عكسية وطبول الحرب تقرع ضد إسرائيل.

إيران تواصل بهدوء حرباً إجرامية وتدميرية ضد إسرائيل من خلال إصرارها على مواصلة برنامجها النووي، وذلك بمشاركة دولة عظمى، ويعلن قادتها ان المفاوضات تراوح مكانها بلا نتيجة. وترفض إسرائيل التوقيع على المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي. والسماح بعمليات التفتيش والرقابة في حين أن إيران عضو في هذه المعاهدة وسمحت بتلك العمليات.

كما تواصل إسرائيل رفضها لدعوة المجتمع الدولي المتكررة إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية في حين تواصل ايران الاستفادة من دعم دولة عظمى ورعايتها لها، كما يعلن القادة الإيرانيون مراراً نيّتهم قصف إسرائيل اذا ما هاجمت بلادهم، بينما قال محللون عسكريون ايرانيون ان هذا الهجوم قد يتم قبل انتخابات الرئاسة الاميركية في نوفمبر المقبل. ويمكن لإيران أن تستخدم سلاحها الجوي وغواصاتها التي تسلمتها من ألمانيا والمجهزة لحمل صواريخ ورؤوس نووية والمرابطة في المياه الدولية في البحر المتوسط قبالة سواحل إسرائيل.

وبغضّ النظر عن الموعد أو الجدول الزمنيّ للهجوم، فإن ايران تعول على الدولة الكبيرة الداعمة لها في الانضمام اليها في الردّ، بل ربما تتولى دوراً قيادياً في هذا الشأن، ويقول وزير الجيش الأميركي ليون بانيتا «إننا نحن الأميركيين لا نميل إلى تأييد مثل هذا الهجوم على ايران فهي دولة مستقلة وذات سيادة وسوف ترد وتتصرف بما يحقق مصلحتها على افضل وجه ممكن”.

كل ما يجري هو خارج نطاق تصوّرنا؛ فالقياس المجرد والعادل غير موجود ويمكننا ان نتخيل الأمر معكوساً، وهو ان هناك حملة تحريض لشنّ هجوم على إسرائيل لنخلص إلى ان ايران تتعرض لظلم. واقتداء براعيتها وحليفتها الولايات المتحدة تلجأ إلى العنف فهي تواصل بناء وتوسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي تعلم ان المجتمع الدولي والامم المتحدة يعتبرانها غير شرعية، بل ضمت بعض هذه المستوطنات في تحدٍّ وقح للقانون الدولي وقرارات مجلس الامن التابع للأمم المتحدة. كما شنت هجمات وحشية على لبنان وقطاع غزة الذي تحاصره وقتلت عشرات الآلاف من دون أي مبرر، وقبل 30 عاماً أقدمت إسرائيل على تدمير المفاعل النووي العراقي، الأمر الذي تم امتداحه والإشادة به أخيراً، وزاد من تصميم الرئيس العراقي السابق صدام حسين على إعادة بنائه والاستمرار في برنامجه للأسلحة النووية على الاقل من وجهة نظر الولايات المتحدة، وضرب ايران سيؤدي إلى الاثر نفسه ونتيجة مماثلة.

وإيران من جانبها شنت هجمات خلال الأعوام البضع عشرات الاخيرة من تاريخها فاحتلت الجزر الإماراتية الثلاث، إضافة إلى أنها بدأت برنامجاً نووياً في ظلّ الشاه، بدعم رسمي أميركي قويّ وحاسم، والحكومة الحالية في ايران وحشية وقمعية شأنها في ذلك شأن العديد من حلفاء واشنطن في المنطقة، الذين يبذلون قصارى جهدهم لقمع أي تحرك شعبي للانضمام إلى الربيع العربي.

كما صادقت حركة عدم الانحياز بقوة في مؤتمرها الاخير الذي انتهى في طهران الاسبوع الماضي، على حق ايران في تخصيب اليورانيوم، وطلبت بعض الدول الأعضاء في الحركة، خصوصاً الهند تقييد أو تخفيف الالتزام ببرنامج الولايات المتحدة بشأن العقوبات القاسية المفروضة على ايران.

وقالت وفود دول الحركة التي شاركت في المؤتمر إن المناقشات التي يشهدها الغرب حول التهديد بضرب ايران تتسم بالخطورة إلى حد دفع الجنرال لي بتلر القائد السابق للقيادة الإستراتيجية الأميركية إلى القول «في منطقة تغلي بالتوتر والصراعات والعداوات يبدو من الخطورة بمكان القبول بدولة واحدة تسلح نفسها بالأسلحة النووية بكل ما تستطيع لأن هذا سيثير الدول الاخرى ويدفعها إلى اتباع خطاها». وبالطبع فإن بتلر هنا لا يشير إلى ايران وإنما إلى إسرائيل التي تعتبر في الدول العربية والاتحاد الاوروبي اكبر وأخطر تهديد للسلام والاستقرار في العالم العربي، بينما تأتي الولايات المتحدة بعدها في المرتبة الثانية، بينما لا يشعر كثير من سكان المنطقة بالخوف من إيران مصدر تهديد، رغم انها قد لا تكون محبوبة، بل ان استطلاعات للرأي أظهرت ان الأغلبية من العرب ترى ان المنطقة ستكون أكثر امناً واستقراراً حال حيازة ايران اسلحة نووية لتحقيق التوازن مع التهديدات المحدقة بالمنطقة، خصوصاً إسرائيل.

وإذا كانت إيران تسعى في الواقع إلى تطوير أو حيازة أسلحة نووية، وهو ما لم تتأكد منه الاستخبارات الأميركية حتى الآن، فإنّ ذلك يرجع إلى انه تم دفعها دفعا وتحفيزها بسبب التهديدات الأميركية والإسرائيلية المنتظمة والمستمرة التي تخرق ميثاق الأمم المتحدة، فلماذا تعتبر إسرائيلُ إيرانَ أكبر وأخطر تهديد للسلام العالمي في المناقشات والاحاديث الرسمية في الغرب؟

أظن السبب الأساسي تعترف به القيادات العسكرية والاستخبارية الأميركية والإسرائيلية، وهو أن ايران لديها من القوة ما يردع الولايات المتحدة وإسرائيل ويحد من لجوئهما للقوة في المنطقة، وإضافة إلى ذلك تجب معاقبة ايران على «نجاحها في التحدي»، وهي الذريعة التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد كوبا قبل نصف قرن، ورغم الإدانة الدولية للممارسات والعقوبات الاميركية ضد كوبا، فإن واشنطن تواصل الحديث عن استخـدام القوة في الهجوم عليها.

وثمة حدث آخر يمكننا تصوره معكوساً أو مختلفاً، وهو لجوء مؤسس موقع “ويكيليكس” جوليان اسانج إلى سفارة الاكوادور في لندن للنجاة من مطالبة الولايات المتحدة بتسليمه لها او تسليمه إلى السويد، فلو افترضنا أنّ أسانج سرب وثائق ومعلومات ووثائق عن روسيا، فسوف نجد أن السويد ستسارع بلا تردد إلى الاعراب عن قلقها من ملاحقة روسيا له وستقدم له كل اشكال المساعدة الممكنة، ومن بينها الإعلان ان محاكمته ستكون يسيرة وعادلة اذا ما قرر العودة إلى بلاده وقد يتم اسقاط الاتهامات الموجهة اليه، وأنه لن يتم بأي حال تسليمه إلى روسيا وستنوّه بموقفه المبدئي الثابت.

وبالنسبة للانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن لويس برانديز قاضي المحكمة الاميركية العليا قدم تعريفاً ملخصاً لحال بلاده بقوله «يمكننا الحصول على الديمقراطية، لكن الثروة تظل مركزة في ايدي قلة، ولكن لا يمكننا الحصول على الاثنتين معاً»، فتغطية هذه الانتخابات تسلط الضوء دائماً على تأثير الثروة في السياسة وكيفية حماية الأغنياء وإعفائهم من الضرائب على حساب الأكثرية من الطبقة الوسطى.

(مفكر وفيلسوف أميركي وأستاذ اللغويات في معهد التكنولوجيا في مساتشوسيتس؛ ترجمة: عقل عبدالله عن موقع “ألترنت”)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>