خفة الروس التي لا تحتمل/ نائل بلعاوي

|نائل بلعاوي| لا تحفظ كتب التاريخ الحديث، ولا ذاكرتي ال […]

خفة الروس التي لا تحتمل/ نائل بلعاوي

|نائل بلعاوي|

نائل بلعاوي

لا تحفظ كتب التاريخ الحديث، ولا ذاكرتي الشخصية الصغيرة، ما يفرح قلب العربي او يدل على وفاء صديقه القديم الكبير، الاتحاد السوفييتي السابق، او وريثته الشرعية الراهنة روسيا الاتحادية. لا شيء يجعلنا نصفق طرباَ او عرفاناَ لموقف واحد، حاسم المعنى والنتائج ، للمذكورين.. لا شيء سوى اللغة الثقيلة الباردة لأعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وهذه اللغة السخيفة لزعماء المافيا في روسيا اليوم، حيث لا فرق يذكر بين ذاك الأمس، وهذا اليوم.

لا فرق، حين يتعلق الأمر بالقضايا العربية، بين ما كانه الاتحاد السوفييتي، وما تكمله روسيا الآن؛ هي الخفة عينها في الحالتين، وهو الاستخفاف الخبيث، عينه، بهذا الجزء من العالم، هو الوعيد والتهديد والثرثرات الخاوية، تلك التي لم توقف حرباَ هنا، أو تمنع احتلالا هناك. هل تمكن الروس، من باب التذكير لا أكثر، من إيقاف العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، أو منع احتلال الضفة الغربية في العام 1967، ثم دخول القوات الإسرائيلية لبنانَ وحصار بيروت في العام 1982، إلى حرب الخليج الاولى واحتلال بغداد 2003، والقائمة تطول… ولا تشير لغير سلسلة كئيبة من الإخفاقات السياسية المريرة “للصديق الكبير”.

لم يتمكن الروس في اللحظات الحاسمة من لعب الدور المنوط بقوة عظيمة مفترضة مثلهم، ولم ينجحوا مرة بمقارعة الامبريالية التي يكرهون بندية القوي، فقد خسروا جميع المعارك الثقافية والحربية الباردة معها، ولأنّ الشيء بالشيء يذكر، فقد تمكنت الامبريالية من تثبيت وجهة نظرها، هي، حول القضايا الدولية، وفرضت في السياق عينه، رؤيتها الأحادية -الاقتصادية والسياسية- على العالم ومجموع قضاياه، ولم يتمكن الروس إزاء تلك السيطرة المطلقة من تحويل صراخهم النظري واقتراحاتهم الفكرية المزعومة إلى قوة قادرة على إيقاف “الزحف الإمبريالي”.

هكذا عرفناهم؛ ومن باب التذكير مرة أخرى: بلا حول ولا قوة، أمام الحرب الامريكية على فيتنام وكمبوديا وإسقاط النظام الاشتراكي في نيكاراغوا، وحصار كوبا الطويل، إلى قدرة الامبريالية على دعم المجاهدين في افغانتسان.. تلك التي دخلها الروس بلا معنى وغادروها بخفي حنين، والقائمة تطول، ولا تتوقف بالضرورة عند عجز الروس عن حماية مناطقهم الحيوية في البلقان، أو عجزهم اليوم عن استرداد جمهورياتهم السابقة في آسيا الوسطى.

من حق روسيا أن تبحث عن مصالحها، ولكن ليس من حقها أبدًا السعي إلى تلك المصالح عبر هذا الجحيم الإنساني المتوقد في سوريا

إنها كتب التاريخ الحديث وأحداثه المريرة، تلك التي تقدم، مجتمعة، هذه الحقائق وتؤكّدها، وهي ليست بالكتب الامبريالية بالضرورة، وليست تمثيلا لرغبة المرء باسقاط ما يريده هو على الأحداث، بل هو الواقع، بعنفه وصرامة وقعه، هو الذي يقدم الامثلة ويدل عليها. فها هي روسيا تواصل إنتاج خفتها التقليدية وابتعادها الأثير عن رغبتها المعلنة، دائماَ، بلعب دور القوة العظمى، كما ابتعادها اليوم عربيًا عن جدوى التقاط لحظات التغيير الفذة التي يمرّ بها هذا العالم العربي الآن. فما وقوفها في هذه اللحظات التاريخية الحرجة إلى جانب النظام الوحشي في سوريا، سوى الدليل الأقصى على مؤثرات الخفة التي أنتجتها سياسياَ وأخلاقياَ، وهي عين الخفة التي أودت، في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، بالاتحاد السوفييتي برمته أيضاَ.

روسيا اليوم، كما الامس، هي المُراهن الخاسر، خفيف الطاقات وغير القادر على معرفة الجياد الرابحة. لهذا ولأسباب عديدة أخرى يطول شرحها الآن، اختارت روسيا الوقوف إلى جانب الجلاد على حساب الضحية في سوريا، لا لأنها تراهن على أهمية ذلك النظام الذاهب، بلا شك، إلى العدم، والقادر، كما يمكن لها ان تتصور، على حفظ مصالحها في المنطقة، وليس حباَ منها بمنازلة “الامبريالية” في “عقر دار الأسد”، بل لأسباب مختلفة تماما، لعل من أهمها تخبط روسيا التقليديّ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والى اليوم، في ادارة اوراقها الدولية، وما الأمثلة المذكورة اعلاه سوى مجرد عناوين صغيرة لقضايا اكبر. إنها الخفة السياسية والادارية التي ظهرت وتظهر باستمرار عند تعامل الروس مع قضاياهم الدولية، ناهيك عن القضايا الداخلية المشتعلة بلا انقطاع- وهي حكاية طويلة أخرى ليس موقعها الآن.

هي الخفة اذاَ، وهي ذاتها التي تقف الآن خلف الصراع حول تقديم أو تأخير موعد السقوط المنتظر للنظام السوري؛ فما الصراع بين روسيا والغرب حول سوريا سوى الانعكاس الأبدي للخفة التي تدير بها روسيا مصالحها الاقتصادية تحديداَ، على اعتبار أنّ الصراع بينها وبين الغرب هناك هو “حول ترتيب العديد من الملفات الاقتصادية العالقة بين الطرفين”، وهي ملفات لا تمت لسوريا بصلة تذكر. إنها، بعبارة أخرى، مجرد لعبة تفاوض شريرة تقودها روسيا ليس أكثر، ليكون النظام السوري، والحال هذه، هو العربة الروسية البالية التي تستخدمها اليوم وتلقي بها غدًا.

من حق روسيا، مثل غيرها من دول الأرض، أن تبحث عن مصالحها؛ تلك بديهية لا نقاش حولها، ولكن ليس من حقها أبدًا السعي إلى تلك المصالح عبر هذا الجحيم الإنساني المتوقد في سوريا، ولا ترتيب ملفاتها الاقتصادية مع الغرب، على حساب الشعب الذي يُفنى صباحَ مساءَ بيدي مطيتها/ نظامها الوحشي هناك.

كان يمكن لروسيا البحث عن مصالحها عبر بوابة الشعب السوري وليس بوابة النظام القاتل، فلعلها تعرف مرة أن بوابة الشعب، أينما كان، هي أكثر ثباتا ومنعة، وأكثر قدرة على البقاء، وأن لذاك الشعب ذاكرة حديدية لن تغفر لروسيا، غدًا، وقفتها/ خفتها الأثيرة، إلى جانب الجلاد وليس الضحية.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. استغرب احيانا من البعض الذين لا يجدون ما يكتبونه فيلجاون الى اختلاق مقالات لتعبئه اوقات فراغهم القاتل, ولنفترض ان رايك عزيزي الكاتب صحيح, فلماذا نبحث دائما على ما يجب على الاخرين ان يفعلوه لاجلنا, امريكا اوروبا روسيا الصين ..كل هذه دول تنظر الينا عبر مصالحها ,صح خطا هذا شانهم. كان الاجدى بك ان توجه فلسفتك العميقه نحو تحليل ماذا قدمنا نحن لانفسنا وماذا نقدم؟؟ امه تعد مئات الملايين ما زلنا نتخبط في ايجاد مكان لنا في الخارطه العالميه ونجتر الفلسفه الفارغه والتحليلات الساذجه والتخلف الاحمق والقبليه والعصبيه البغيضه. فقط ملاحظه صغيره للكاتب “روسيا الاتحاديه لم تعد دوله شيوعيه”

  2. يعالج كاتب المقالة بخفة كبير مسائل كبيرة ويبدو من معالجته لها أنه يخلط رغباته الشخصية أو قل قلة درايته ومعرفته وسطحية مقارباته على وقائع تاريخية دون أن يتحقق من صحة ودقة أي من الاحكام التي يطلقها . ونصيحتي له أن يدقق ويدرس ومن ثم يدقق ويدرس ومن ثم يدقق ويدرس قبل ان يكتب .
    خذ مثلا مسألة العدوان الثلاثي على مصر
    فمن المعروف أن الانذار السوفيتي بقصف كل من باريس ولندن
    الى جانب عوامل أخرى هو من أوقف العدوان ولمزيد من المعلومات عن هذا العدوان أحيله إلى الرابط التالي :
    http://www.aljazeera.net/NR/exeres/CACCA73B-9E0D-46CE-9DBD-8CD648050C6F.htm
    وقس على هذا جميع ما قدمه من معلومات ومواقف وأحكام .هي إذاً خفة الفبرة سريعة النط عديمة الوزن.

  3. مشكلتنا ان الكثيرين راهنوا في الماضي على روسيا “العظمى” الملقبة بالاتحاد السوفييتي، ليس من منطلق دعمها للمبادئ الانسانية الكونية، انما لكونها ما برحت تعدنا باحلام القضاء على الامبريالية والاستعمار، ونسينا انهم بذاتهم هؤلاء الروس كانوا المستعمِر الظالم في عدة دول اوروبية واسيوية، وما ان سنحت الفرصة لطردهم من هذه الدول، ثارت الشعوب ضدهم الواحد تلو الاخر. اذا زرت جمهوريات التشيك او بولندا وما شابه، عليك فقط ان تسأل كبار العمر هناك عن رأيهم في الروس.
    أخي نائل، الحزب الشيوعي عندنا لا زال يدعم الروس في موقفهم اللا انساني من ثورة الشعب السوري لان اعضاءه لم يتوقفوا عن الحنين الى الماضي “العظيم” المتخيل (كما يفعل ايضا بوتين وشلته). هو بكاء على أطلال المستعمر القديم، الذي يأبى ان يتجدد أو يتغير.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>