أما الآن/ رائف زريق

|رائف زريق| لا شيء سوى الانحناء لأرواح الشهداء الذين يس […]

أما الآن/ رائف زريق

|رائف زريق|

رائف زريق

لا شيء سوى الانحناء لأرواح الشهداء الذين يسقطون برصاص الأمن السوري، أولئك الذين يصرون على مواجهة الرصاص بالصدور العارية. أولئك الذين يحطمون أسطورة الشرق والغرب، الغرب الحرّ والشرق المستبد، ويثبتون يوما بعد يوم بإصرارهم العنيد، أنّ الحرية هي قيمة الإنسان الأولى وجوهر كينونته ولتذهب النظريات الاستشراقية إلى الجحيم وأولئك الذين ينفضون عنا عارًا من الذلّ والاستكانة امتد أربعة قرون من الزمن، وعبروا حاجز الخوف من بوابته الكبيرة ومرشحون لإعادة العرب إلى مسرح التاريخ الحديث.

قد تنجح الثورة وقد تفشل. قد تقود إلى نقيضها وقد يأتي من بعدها استبداد أسوأ وألعن، لا احد يعلم كيف ستؤول وما الذي يخبئه المستقبل. أما الآن فلا شيء سوى الانحناء أمام شجاعة قلّ نظيرها في التاريخ المعاصر وسوى الانفعال من هذا الإصرار على رفض الذلّ والمهانة والاستكانة. سيقولون لنا الصورة معقدة ومركبة ولا يكفي النظر للحاضر، يجب النظر إلى المستقبل، وليس إلى سوريا إنما للمنطقة وليس للفعل بل لآثاره المترتبة، هذا صحيح.

أما الآن؛

فانا أريد التمعن في الحاضر وأن أعود إلى البسيط من الكلام، إلى صور الأطفال المشوهين والى أجساد مبتورة الأعضاء والى حناجر تم قطعها لأنها صدحت بمديح الحرية والى جرائم وحشية يرتكبها نظام يحتمي بفكرة الممانعة، ويلتمس حصانة في فكرة المقاومة، وبهذا وبذاك يسيء إلى سمعتها ويلوّث التراث التحرري المقاوم، ويقيم تزاوجا قسريا  بين الاستبداد والمقاومة.

الغد مليء بالمخاطر وشبح الحرب الأهلية يخيم على المشهد، وخطر اختطاف الثورة خطر حقيقي … أعداؤها أكثر من أصدقائها بكثير، كل هذا صحيح، لكن كل هذا لا يغير من  الحقيقية الأساسية الراسخة: الشعب السوري يناضل من أجل حريته

هناك من يعتقد انه يرى «الصورة الأكبر» وأنه ينظر إلى الموضوع «بشموليته»، وهو واثق من أنّ الثورة ستنتهي في غير مصلحة الشعب السوري وأنه سيتم توظيفها في خدمة الامبريالية الجديدة.. قد يكون هؤلاء مصيبين.. لا يقين لديّ بأنهم مخطئون.. وأرجو ألا يكون لديهم يقين بأنهم معصومون عن الخطأ، لأنّ أحدا لا يعلم ما الذي يخبئه المستقبل وكيف ستؤول الأمور وأين ستنتهي.

أما هنا والآن، فإنّ الأمور واضحة أكثر. نظام مستبدّ يفتك بشعبه كوحش مجرم، وشعب يقاوم بإصرار مسلح بالحقد والأمل معا، وفي مزجه بين الحقد والأمل يعطي للكرامة الإنسانية معنى جديدا وعميقا، لأنّ الكرامة لا تعني فقط ألا تقبل تحكم الآخرين فيك وبحياتك وبأن يخضعوك لأهدافهم ومشاريعهم وأهوائهم، إنما الكرامة أيضا أن لا تقبل إخضاع نفسك أنت إلى مشاريعك إلى حد تتحول أنت نفسك أداة بيدك أنت؛ الكرامة تعني ألا تقبل أن تحّول نفسك لحجر شطرنج بيديك أنت وأن تصر على غضبك وحقدك وحقك في الأمل وأن تخرج عن قبضة التاريخ المحكمة.

الغد مليء بالمخاطر وشبح الحرب الأهلية يخيم على المشهد، وخطر اختطاف الثورة من أمريكا وأعوانها في الخليج هو خطر حقيقي، والثورة تتحرك في حقل من الألغام. أعداؤها أكثر من أصدقائها بكثير، كلّ هذا صحيح؛ لكنّ كل هذا لا يغير من الحقيقة الأساسية الراسخة: الشعب السوري يناضل من أجل حريته، ويدفع ثمنها يوما بعد يوم، ويرفع منسوب كرامة الأمة العربية ويقنعنا بأن الحرية وإن كانت سرابا فهي حقيقية.

أما الآن فلا شيء سوى الانحناء إجلالا لأرواح الشهداء.

 

 


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

12 تعقيبات

  1. انا اوافقك الراي يا عزيزي, انا مستاء جدا من مواقف الذين يتجاهلون ابشع انواع القمع وكان من لم يوقع حتى الان اتفاق سلام مع اسراءيل يحمل في جيبة بوليسة تامين تسمح له بان يفعل ما يشاء. انا مخذول جدا من كل اولائك الذين يعطون التفسيرات الاواهية لالة قمع وجريمة من ابشع ما اوجد التاريخ و ينسون المواقف المبدئية الانسانية التي تربينا عليها
    بالنسبة للعصابات المسلحة التي اختلقها النظام لتغطية جرائمه, فيكفي ان نرى الابطال الحقيقيين اللذين يواجهون اشنع ادوات البطش ببسالة نادرة, على كل حال لو كان هذا النظام صادق لسمح للاعلام الدخول بحرية وتغطية ما يحدث ولكن الاصرار على اغلاق الدولة امام كل حرية صحافة لا يبقي مجالا للشك. انا اذكر منذ ايام الدراسة كيف كان يحدثنا الطلاب السوريين عن طريقة التعامل مع الناس عن التنكيل بالبشر فما حالك بمن يجرا ان يقف على رؤوس الاشهاد ويدعو لاسقاط النظام. فانا اذكر ان نفع التذكير

  2. لم يعد الحديث عن ثوره اليوم الا ضربا من الوهم! الارهاب والتفجير والخطف والفتنه لا يصنعون ثوره!! الاميركان والصهاينه والقطريون وال سعود عمرهم ما دعموا ثوره، ولا دعموا مظلومين، شو عدا ما بدا؟؟ نعم لسوريــــا قلب المقاومــــات وسوريا الاصلاح وسوريا الدستور الجديد وسوريا الاكله من قمحها، وبلد اللاجئين العراقيين، وبيت الفلسطيني!! نعم لسوريـــا الاسد، ويسقط المتآمرون علىيها، هم الذين تآمروا عالعراق ولبنان والسودان، ووطننا فلسطين، التي من اجل القضاء عليها نهائيا يستهدفون سوريا، بس فشـــــــــــــــــــروا، اي والله فشروا!!!

  3. الحقيقه ان التساؤل حول مستقبل “الثوره” اصبح امراً عبثياً بعد هذا المقال, فقد حقنت “الثوره” بجرعه فلسفيه هي كل ما ينقصها! فلو صب الثوار ابداعاتك الفلسفيه على ابداعات العرعور سيصبح لديهم كنزاً فكرياً يلهمهم.. وسينشدون ” يا عرب.. اماالآن.. احنا معاكو للموت.. يا عرب .. اما الآن.. يلعن روحك يا نصرالله.. اما الآن ..”

  4. رائع حكياتك ولكن
    كيف لك يا ايها الكاتب باقناعنا بالحجه الدامغه بان النظام من يقتل وليست الحركات الارهابيه في سوريا؟ هل لك دليل قاطع؟
    هل سمعت دور قطر والخليج في تسليح الثوار؟ هل سمعت عن دور القاعده في بلاد الشام؟ ماذا عن الجنود السوريين؟ اليسوا ايضا شهداء؟
    يا اخي… شاهدوا الاعلام البديل عدا اعلام الخليج ومعاونيه ولا تنسى ” طينه الداعم من طينه المدعوم”

  5. هذا المدعو علي / وضاح :
    كمان مستنفع من النظام يدافع عنه.

  6. وبعدين مع قصة الصدور العارية، عأساس أبو البراء السلطي وأبو حمزة الشامي وأبو حذيفة الكويتي وأبو فراس المهاجر كانت صدروهم عارية؟ هذا ناهيك عن المجاهدين الليبيين اللي غزو سوريا بالبطاطا طبعا وصدرهم عارية كمان، اللهم الا من فانيلات بيت جالا يمكن،

    http://www.syriatruth.org/Portals/0/arab_islamic_killed_in_syria_inter.jpg

  7. أخ علي
    لا شك انك لا تزال تعيش في فيلم أخرجته العائلة الحاكمة الاسدية. نفس الكلمات يرددها كل من يدعم الديكتاتور (عالم كله حبكات ومؤامرات وخطط سرية وحيل والاعيب …)
    الشارع السوري يغلي وينفجر، وها هي المظاهرات تصل الى حي المزة (الذي يبعد 800 متر عن قصر الاسد الثاني). لا تتحدث عن مؤامرات كونية وعالمية، فالمؤامرة الاكبر هي تلك التي تحيكها العائلة الحاكمة ضد حرية الشعب السوري.
    اسمع صوت الذين هربوا الى تركيا – نساء واطفال عزل، وجنود رفضوا قتل الابرياء. هل يوما سمعت شهاداتهم؟؟

    طز بقطر وبايران وبامريكا وبروسيا. الشعب السوري يريد الحياة بعد طمسه لمدة اربعين سنة.

  8. رائف زريق شكرا لك, وشكرا لكل قلم حر ومبدع يحترم ويدافع عن الشعوب التي تصبو للحرية.

  9. استاذي العزيز رائف زريق
    لا اعرف كيف تتبدل المواقف …وهل الدم النازف في سوريه يمكنه “تنخيله” من مواطن أو جندي…انهم سوريون
    هذا الجندي هو مواطن بالدرجة الاولى…نعم هناك تضليل اعلامي ضد سوريا …وضد النظام…هناك مؤامره …تحاك في اقبية السي اي اه والموساد وقطر…ويشارك في هذه الطبخه القذره بعض المثقفين رفاق الامس ….
    اسفي على مثل هذه المواقف…وهنيئا لك قطر

  10. “أما الآن فلا شيء سوى الانحناء إجلالا لأرواح الشهداء”.
    عزيزي رائف اوافق ما كتبت اعلاه ولكن في الجمله الاخيره اعلاه اختلف معك لانني لا اكتفي بسوى الانحناء اجلالاً وانما ان نعمل جميعاً لينتصر الشعب السوري على الطاغيه وكل حسب قدراته وامكاناته . عواصم الدول العربيه يجب ان تُشعِر الشعب السوري ليس لوحده . واصحاب القدرات الماليه ،المنظمات الدوليه ، والمنظمات المدنيه ان تحضر نفسها من جمع تبرعات ماليه ومساعدات طبيه وتقف على حدود سوريه مستعده في اي لحظه في الدخول وتقديم المساعده . يجب ان نهتم بمن بقي حياً بعد هذا الاعصار اللذي ضرب سوريه . وهنالك الكثير من الافكار ، خلاصة القول الان وقت العمل لا مناقشه بعضنا البعض . هذا النظام ذاهب الى الزوال والشعب السوري باقي.

  11. سيد رائد:
    شكرا على الكلمات المتعاطفة مع فاجعة الشعب السوري، لكن تنقص مقالتك نقطة مهمة:
    عندما تذكر “هناك من يعتقد” أو “سيقولون أن” ، الرجاء ثم الرجاء أن تذكر لنا اسماء هؤلاء، اسماء قياداتنا المتعفنة في الداخل، التي تدافع عن استبداد الديكتاتور.
    لماذا لا نذكر بركة المتعاطف مع الاسد الثاني مثلا؟ أو سويد الساكت الى الابد؟ أو بعض التجمعيين الذين اقتنعوا بقصص واحداث فيلم اخرجه الديكتاتور وعائلته الحاكمة؟
    اسماء، اسماء !! حتى يسجل التاريخ مواقفهم اللا انسانية، وهذا الانحطاط الاخلاقي عند هذه القيادة.
    بدون هذه الاسماء مقالتك فقدت الكثير من قوتها.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>