امتنان شخصي لثورة 25 يناير

|سليم البيك| رأيت مرّة في زيارة إلى مكتب الحكيم جورج حب […]

امتنان شخصي لثورة 25 يناير


عبد الناصر ولينين. هل يجتمعان؟


|سليم البيك|

رأيت مرّة في زيارة إلى مكتب الحكيم جورج حبش صورة (بورتريه) معلّقة لفلاديمير لينين، تقابلها صورة مماثلة لجمال عبد الناصر. لم أفهم هذه التركيبة اليسارية/القومية في حينه، كما أني لم أفهمها في كل قراءاتي لحوارات أُجريت مع الحكيم وأصدرتها، في كتب، دور نشر عربية، ولا في ما استطعت “انتشاله” قبل حوالي عشر سنين، من كتب قديمة لنصوص فكرية وسياسية كتبها الحكيم، وُجدت (أو كانت موجودة قبل انتشالها) في أحد مكاتب الجبهة الشعبية، التنظيم الذي أسسه الحكيم وقاده. وقد أقلقتني “قلّة الفهم” تلك كَوني رغبت في التماهي الكامل مع فكر الحكيم.

لم أكن أفهم تلك الصيغة التي يجمع فيها الحكيم ماركسيته بقوميته العربية. كنت أنجذب للأولى وأنفر من الأخيرة، أجد الأمل في الأولى واليأس في الأخيرة، لم أرَ تناقضاً بين أن يكون العربي ماركسياً وقومياً في الوقت ذاته، لكني كذلك لم أكن أرى ضرورة لذلك. كانت تقلقني حقيقة أن هنالك في فكر الحكيم أمراً لم أستوعبه/أستسيغه اسمه الانتماء القومي العربي، وضرورته العضوية والجدلية للانتماء لفلسطين، وللإنسانية على هذا الكوكب.

لن أبحث عن تبريرات الآن وقد تلاشى هذا القلق هناك في مصر، وقبلها بأيام في تونس. مسمّرًا أمام التلفزيون، قناة الجزيرة تحديداً، وأمام صفحات الفيسبوك والتويتر، والمواقع الالكترونية، مستمعاً إلى الشيخ إمام للمرة الألف، ثم أرتاح

من كل ذلك بإعادة قراءة “لزوم ما يلزم” لنجيب سرور، أشاهد (وأشهد على) ثورة في مصر التي اكتشفت في الأسبوعين الأخيرين بأني أحبها أكثر مما كنت أتخيّل. تذكّرت بكل ذلك الحكيم، وقد رحل في 27 يناير، مستبقاً ثورة 25 يناير بثلاث سنوات. تذكّرته وفكّرت بأني الآن فقط فهمت صورة عبد الناصر في مكتبه، والآن فقط فهمت كل ما قرأت عن القومية العربية في حواراته ونصوصه، وعن هذه العلاقة بين الماركسية والقومية.

لا أدري إن كان ما قرأت للحكيم قد تراكم في مكان ما في اللاوعي عندي، والآن انتقل بهجرة جماعية إلى منطقة الوعي. لا بدّ أن ما قرأت شكّل مخزوناً كبيرًا لشعور/إدراك انطلق دفعة واحدة مع ثورة 25 يناير المصرية، وإن ظهرت بوادره مع الثورة التونسية. كنت أنظر إلى نفسي كالمجنون منذ اليوم الأول للثورة، كنت أنظر إلى (وأحس بـ) تلك الهجرات في عقلي ووعيي، برعشاتها وهواجسها. الآن فهمت ما قاله الحكيم، الآن انتبهت لذلك المخزون الضخم من الشعور القومي، أشاهد أولئك الثوار في ميدان التحرير وكل نواحي مصر ثمّ أكرر لنفسي بأني الآن فهمت كل ما كان يقوله الحكيم، الآن اكتشفت أني أستطيع أن أقول بأني (كذلك) قومي عربي، وأستمتع بذلك، أفرح به وأفتخر به وأومن به وأكتب له، وأرى به كل الأمل، وبأني (أخيراً) على تصالح تام مع كل ما قرأته للحكيم، وأن هنالك ثورة مصرية لن تترك مجالاً لأي شيوعي/يساري عربي بأن لا يكون قومياً، وبأن لا يحب (كثيراً) جمال عبد الناصر.

لم أكن أدرك بأن ثورة في مصر ستكون، يوماً، بالنسبة إلي أمراً شخصياً وحميمياً إلى هذه الدرجة.

لو أن الموت انتظر ثلاث سنوات لشهد الحكيم يومين من الثورة يكفيانه ليموت مبتسماً مطمئناً، ولَما انتظر التنظيم الذي قاده، أسبوعاً كاملاً بعد اندلاع الثورة، ليصدر بياناً مقتضباً حذراً يدعمها به!

http://www.horria.org

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>