التجاربُ كالمِسَنّ/ جواد بولس

|جواد بولس| أربعة مقاعد هي حصة المحامين العرب في انتخاب […]

التجاربُ كالمِسَنّ/ جواد بولس

|جواد بولس|

جواد بولس

أربعة مقاعد هي حصة المحامين العرب في انتخابات نقابتهم في لواء القدس. نصرٌ أفرح الزميلات والزملاء بفرح أبيض، حقيقيّ بامتياز، ومجرد من أية شائبة شخصية.

عمليًا، استطاع المحامون العرب في هذه الدورة مضاعفة تمثيلهم. في الدورة السابقة، قبل أربعة أعوام، نجحنا بإدخال عضوين عن القائمة العربية، بينما نجحنا في هذه الدورة بإدخال ثلاثة أعضاء عن القائمة العربية، قائمة نزاهة المهنة وحقوق الإنسان، وكذلك أدخلنا زميلًا رابعًا من خلال ترشّحه في قائمة رئيس لجنة لواء القدس، الذي قمنا بدعمه وإنجاحه لهذا المنصب.

ما جرى في القدس هو درس وعبرة. تجربة يجب أن تُحتذى ومثال يؤكد أنّ الفرقة السائدة في بعض الأماكن وفي بعض “المعارك” النقابية أو المهنية هي “جريمة” بفعل فاعل، ومن الممكن والسّهل تفادي وقوعها أو على الأقل الحدّ من أضرارها.

بدأت الحكاية قبل أربعة أعوام. عندما اقترب موعد انتخابات نقابة المحامين تهافتت “تحرّشات” المتنافسين على بعضنا، وفُعّلت ضغوطاتهم، وكلها كانت، طبعًا، على أسس العلاقة الشخصية والمعرفة والمصلحة كذلك.

كنّا ثلاثة، تجمعنا صداقة قوية وغريزة “المغامرة” المحسوبة. لم ننتم إلى حزب واحد ولا “رياحين” على دين “قيس” حيث مال تميل! بيننا اشتعلت الفكرة وضغط التساؤل: لماذا لا نخوض الانتخابات ككتلة واحدة؟ ماذا يمنعنا من أن نتَّحد وندعو جميع الزميلات والزملاء إلى خوض التجربة وقبول التحدّي وعبور الامتحان؟

بعد الفحص تبيّن أنّ أعداد المحامين العرب المُسجّلين أعضاءً في لواء القدس تكفي، في حالة توحدهم، لإنجاح عضوين للجنة اللواء. كذلك تبيّن أنّ جاهزية الزميلات والزملاء عالية وأن استعدادهم لخوض “المعركة” لا شكّ فيه، ما دامت هذه ستضمن للجميع “لم الشمل” وتوحد الكلمة وتؤطر العزائم من أجل تمثيل موحد وانتماء واضح يصون الكرامة وحقوقنا المهنية وأبعد، لا سيّما في لواء القدس حيث الأجواء السائدة في المدينة ومحيطها لا تخفى على أحد.

من البداية أعلنّا أننا كمبادرين لهذه الفكرة لن نرشّح أنفسنا. كذلك أكدّنا أننا نعمل بشكل مستقلّ بعيد عن أيّة خلفية سياسية عُرفت عنّا ولصقت بنا، موحّدين بالفكرة والحلم، أحرارًا إلّا من عزيمة واضحة لخوض المعركة وعبورها بسلامة ونصر. هكذا انطلقنا وانطلق معنا عشرات الزملاء والزميلات. كلهم ذوو مبادئ وانتماءات وطنية، وبعضهم ينتمي إلى أحزاب مختلفة، لكنهم سخَّروا هذا من أجل وحدة حقيقية في ميدان لن يعرقل تحقيق الوحدة فيه إلّا من شابه خلل أو تغليب لمصلحة شخصية على مصلحة العامة والقضية.

ما جرى في القدس تجربة يجب أن تحتذى ومثال يؤكد أنّ الفرقة السائدة في بعض الأماكن وفي بعض “المعارك” النقابية أو المهنية هي “جريمة” بفعل فاعل

في مثل هذه الأجواء لن يتزاحم أحد في القمة. الجميع عمل من أجل إنجاح القائمة ومرشحيها، وأولئك اختيروا بالإجماع في اجتماع حضره العشرات من المحامين. لم يسأل أحد عن انتماء هذا المرشح الحزبي ولا عن دين ذاك أو بلده. شرط الانتماء الوطني كان بديهيّا وبعده كل المعايير سُخّرت من أجل إنجاح التجربة وتحقيق ذواتنا أمام “خصوم” راهنت على فشلنا وشكّكت بإمكانية عرب أن يتوحَّدوا!

خُضنا المعركة بإصرار نملة وجهد نحلة. نجحنا بإيصال عضوين أصبحا جزءًا من مشهديّة لم تألَف، لعقود، تمازجَ الألوان ولا مثلَ هذه المشاركة.

هكذا كان وعلى هذا بقينا. لم نتأثر مما جرى في ألوية أخرى، حيث أنشب “زيد” نابَه على “عمرو” وحلّق الإخوة أعداءً في فضاءات ملأى بالنسور والكواسر. لم نتأثر ومرة أخرى تنادينا. قمنا بتقييم تجربتنا ووجدنا أن ميزاتها ومميزاتها أكثر من سلبياتها التي اقتصرت على ضعف التواصل بيننا خلال الأربعة أعوام. إلى هذا وجدنا أنّ وحدتنا وفرضنا على الخصوم قبل الحلفاء وواجب احترامنا وسماع صوتنا وكلمتنا، أغلى وأهم من أيّ تقصير علينا تفادي تكراره في هذه الدورة.

هنيئا لك يا قدس بهذه الهمم والهامات. لا شيء مستحيلًا. لست ساذجًا ولكن تعالوا وشاهدوا كيف يمكن “لجبهوي” أن يتوحّد مع “تجمعي” وكلاهما مع “تغييري” و”إسلامي” ولا حزبي و… وبهذه الوحدة ينجحون في مدينة تنضح عنصرية وكراهية ويفوزون بأربعة مقاعد ويتحوّلون إلى قائمة كبرى ذات وزن واحترام وتأثير فعليّ وثمين. والأهم من كل ذلك، أنها معركة لم تترك بيننا جرحى ولا أسالت لعاب أحدهم ولا دمه. معركة نقابية؛ مبادرون خالون من شهوة أو غرض فلا مصلحة شخصية لهم؛ وعي بتفويق المصلحة العامة على أية فئوية، لا سيّما الحزبية؛ استعداد لتضحية محمولة وموزونة، مردودها يفوق مقدارها بأضعاف؛ تحديد معالم المعركة وأهدافها المرجوة؛ وضوح معايير التخاصم والاستعداء وأولويات التحالف والاستعداء؛ كل هذه الاعتبارات كانت موجودة وناقشناها بشفافية وصراحة ونضوج.

إنّ هذه التجربة -على محدوديتها- تبقى جديرةً بالدّراسة والاقتداء. وقد قالت العرب إنّ النظر كالسّيف وإنّ التجارب كالمسن. ودرسُنا، أيّها القارئ(ة)، أن الأهمّ الأهمّ هو من يقيّم ومن يناقش ومن يتدارس. القضية هي من هم “القادة” وهل يكونون، أحيانًا، على استعداد لأن يكونوا “قادة” ويتنازلوا عن الصدارة والتصدّر والجاه؟

على ما يبدو أنّ النجومية حالة يصعب التخلص منها!

(كفر ياسيف)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>