للبدايات فرحٌ/ جواد بولس

|جواد بولس| قراران فلسطينيان شكّلا سابقتين تدعوان إلى ا […]

للبدايات فرحٌ/ جواد بولس

|جواد بولس|

جواد بولس

قراران فلسطينيان شكّلا سابقتين تدعوان إلى الفخر والاعتزاز وتحملان الأمل ومعه الترقب.

زهيرة كمال ابنة القدس، مناضلة عنيدة ذات ماضٍ مشرق، وحاملة لحلم وأمانٍ. أول امرأة تنتخب لتكون رأس حزب/فصيل فلسطيني يشارك في منظمة التحرير الفلسطينية. قيادة حزب “فدا” انتخبت الأخت زهيرة كمال لمنصب أمين عام الحزب ولترأسه، في حدث يبعث الفرح ويضيء أكثر من قنديل في حلكة، لولا هذه القناديل، تكاد عتمتها أن تكون قاسية ومذلة وسيدة الموقف.

عايدة توما سليمان، رئيسة لتحرير جريدة “الاتحاد” الحيفاوية العريقة. خلفاً لأسماء حُفرَت في التاريخ والذاكرة، ومناراتٍ أشعَّت: إميل حبيبي، إميل توما، توفيق طوبي، سالم جبران، أحمد سعد وغيرهم، أسماء عصية على النسيان وتستدعي التحدّي.

عن فرحي سأكتب، وعن “الأُوَل” في مواقعهن، وعن خوفي من العثرة وأملي في القدوة والخاتمة.

“أعطني جريدةً أعطِك حزبًا”، مقولة هيمنت لعقود من الزمن، وما زال البعض يؤمن بصحَّتِها، رغم ما اعتراها من وهن وسقوطها في الامتحان وتجربة الشعوب.

ربما ستتعثَّر البدايات، فالمهنية والكفاءة بالصحافة، وبالتحرير حصرًا، علمان يعتمدان المعرفة والتجربة

وإن كان القياس مجديًا، فلا مثل ما يجري في الدول العربية وغيرها، عبرة ومثالًا. دول حكمت من خلال حزب واحد، امتلك كل وسائل السلطة والجاه وفي طليعتها أبواق صرخت وصحف كتبت وجمَّلت، أفاضت وستَّرت، وكلها لم تجدِ.

العصر عصر التعددية لا “عصر” العقول وزجها في قوالب أحادية الأبعاد، مهما اقتنع صاحبها بصحتها، وحاول نشرها وإقناع الآخر بها وفقط بها!

ومن العام إلى الخاص، إلينا هنا، إلى “شيخة” الصحف والمنابر. جريدة “الاتحاد” الحيفاوية. تصدر منذ العام 1944 وكانت، بلا شك، وحيدة ومتفرَّدة في مواكبتها وعطاءاتها، لنضالات شعبنا ولتاريخه، ومنبرًا لكل حر إنساني وكريم، وعنوانًا وضرورة لكل باحث عن بوصلة ولاهث وراءَ يقين.

كانت، ولديها كل المقوِّمات لتستمرّ وتعود لتكون ذلك المنبر المتميز، قابلةً ومولدة وحاضنة لبنات أفكار أجيال اليوم والغد. ولكي تعود وتتبوَّأ الصدارة لا بد من “ثورة” تواكب ما طرأ وتغير، دون أن يضير ذلك بالتزامها وكونها جريدة حزب، ما دام هذا الحزب يعلن أنه حزب الشعب، كل الشعب، لاسيما فئاته الطليعية والرائدة.

“أول الغيث قَطرٌ”، والأول يستدعي، دائمًا ذكر الأوائل. فها هم أصحاب القرار والشأن، يكرسون سبقاً بتعيين أول امرأة عربية لتكون رئيسة تحرير جريدة. قرار “باكورة” وكما كل البواكير فيه من البهجة قسط ومن التمني أقساط.

ربما ستتعثَّر البدايات، فالمهنية والكفاءة بالصحافة، وبالتحرير حصرًا، علمان يعتمدان المعرفة والتجربة، إنما بإصرار ووعي يمكن جسرهما وبسرعة، خاصةً إذا احتسبنا ما اكتسبته الأخت عايدة، طيلة سني نضالها ومشاركتها الفاعلة والفعالة في ميادين الصراع والنضال والحراك الشعبي والمؤسساتي، مضيفين لذلك وطنيتها الصادقة وأمميتها الثابتة وانتماءها إلى قضايا من استضعفته مجتمعاتنا كالمرأة والعمال وغيرهم، فهنا نجد بأنها ستمتلك فرصة التغيير الحقيقي وأنها لن تقف عند تسجيلها في سجل “الأوائل” شكلاً بل سيتعدى ذلك إلى المضامين.

أقول هذا واستذكر سجل “الأوائل” وهذه غواية المؤرخين وهواية المدونين. لن أبتعد وأنا ابن كفرياسيف، تلك القرية الجليلية التي يحتفي ديوانها بالكثير من “الأوائل”، وعلى كثرتهم لم يسعفوها، فحالها اليوم وكما قلنا مرارًا، كحال مجتمعنا بقراه ومدنه.

“أول الغيث قَطرٌ”، والأول يستدعي، دائمًا ذكر الأوائل. فها هم أصحاب القرار والشأن، يكرسون سبقاً بتعيين أول امرأة عربية لتكون رئيسة تحرير جريدة. قرار “باكورة” وكما كل البواكير فيه من البهجة قسط ومن التمني أقساط

قرأنا قبل أسبوع ما نشره الصديق البروفيسور نعيم شحادة بمقالة لطيفة عن ذلك “الأول” سليمان بولس “أبو داهود”، الذي بادر واتصل بالإرسالية البروتستانتية الإنجليزية مقترحًا عليها إيقاف قطعة أرض يملكها من أجل إقامة مدرسة مشترطًا أن تكون مدرسة للبنات. شرط شذ عن ما كان مألوفاً وما سادَ من رأي. اشترط وفاز وأسست أول مدرسة بنات عام 1885. مدرسة خرَّجَت كثيرات وأخرجتهن من وراء حجب وستائر، ودفعت بهن حرائر خضن غمار الحياة وأضأن سماء الوطن.

ولأبي داهود حفيدة اسمها “هيفاء” ولدت عام 1917. تعلمت وتخرجت صغيرة وتفوقت من مدرسة كان اسمها “انجلش هاي سكول”. قبل أن تكمل السادسة عشرة سافرت إلى لندن حيث تعلمت وتخرجت من كلية تحضير المعلمين التابعة لجامعتي أكسفورد وكمبردج. عادت إلى الوطن عام 1934 لتمارس مهنة التعليم مستقرة عام 1945 في كفرياسيف حيث داومت على تخريج أجيال وأجيال حتى تقاعدت عام 1978. إنها “الأولى” “هيفاء” حفيدة “الأول” سليمان.

وفي كفرياسيف أيضاً ولدت عام 1910 سلوى الخوري العتقي، فكانت طلائعية و”أولى” أخرى شقَّت الحجاب وطارت مع السحب، إلى الجامعة الأمريكية في بيروت حيث تخرَّجت من كلية الطب عام 1937 كأول فتاة عربية تنال شهادة الطب ولتكون أول طبيبة فلسطينية.

ولا يمكننا في هذا السجل ألا نتوقف عند رائدة وطلائعية أخرى، هي فيوليت خوري، عندما سجَّلت سابقة في سبعينيات القرن الماضي بانتخابها رئيسة للمجلس المحلي في كفرياسيف، فكانت الأولى التي تتبوَّأ هذا المنصب في البلاد على الإطلاق.

إليكن أيتها السيدات “الأُوَل” أنقل مرتجفًا ما أنقل من قصص الأوائل، لا من طرب بل كديك يرقص مذبوحًا من الألم. فعلى الرغم من كل تلك البدايات التي ذلَّلت حواجز ورفعت ستائر وأزالت حجبًا، ترانا اليوم، بعد أكثر من قرن، نعود إلى بدايات، اعتقدنا أننا تخطيناها لنجد أنفسنا وكأننا كنا نعود إلى الخلف.

أنها مخاوفُ لن أدعَهَا تعكِّر فرحَ المناسبتين. فلتكنَّ “كبنات الماء” علوُّكُن حكمةٌ ونعمة، وحَطُّكُن رأفة ورشفة من صافي النبع ومن غدير سلسال. ولتكن تغاريدكن عِذابًا تقنِعُ ذا اللب حتى من وراء حجاب.

(كفرياسيف)

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>