ألسنة متطاولة على تونس..

هذا النوع من “الثقافة” ينقل للناس بلاغًا مفاده: لا تستعجلوا الفرح، خفّفوا من وتيرة استعادة الثقة بالنفس وبالشعوب، عودوا خلف الأسوار التي تحجب عنكم نور الشمس.

ألسنة متطاولة على تونس..


حين أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده، لم يكن على اتصال بوكالات أجنبية.

|تعليق: هشام نفّاع|


هناك من يوقعون أنفسهم في مطبّات محرجة. آخرهم بعض من يملكون فرصة الوصول الى الميكروفون أو الشاشة لتحليل ثورة تونس. أقصد محللين يسارعون الى تعميم مقولة إن ما شهدته تونس مرتبط بـ “أطراف خارجية” أو بـ “أيادٍ” أطول من أيادي المتظاهرات والمتظاهرين المرفوعة بشارة النصر وقبضة الاحتجاج.

سؤالي لهؤلاء بسيط: على ماذا تعتمدون حين تعمّمون هذا الكلام؟ هل من دليل، أو مؤشّر على الأقلّ؟ ألا يحق للجمهور احترامًا يجب أن يتجلى من خلال إسناد التقييم بمعطيات ومعلومات وبراهين؟

العجيب أن من يزعم وجود “أيادٍ غريبة” حرّكت وتحرّك جموع الشعب التونسي، يلتقي بسلاسة مزعجة، وأحيانًا مريبة، مع الرئيس المخلوع نفسه. فهو من ردّد قبل أن يهرب بأن هناك أطرافًا خارجية خلف الاحتجاجات الشعبية. وأراد من خلف هذا الكلام الواهي نزع الشرعية عن ثورة أشعلتها ممارسات نظامه الاستغلالية القمعية والمهينة لشعب برمّته.

في النتيجة، هذه التحليلات تنكفئ للوراء عن قصد أو بدون قصد (أي بدون وعي، وهذه أعوص!) لتضع يدها في يد الدكتاتور التونسي الهارب. الخطير في الأمر أنها تصبّ في مستنقع “ثقافة الاحباط” وتهدّد برفع منسوبه الخانق. هذا النوع من “الثقافة” ينقل للناس بلاغًا مفاده: لا تستعجلوا الفرح، خفّفوا من وتيرة استعادة الثقة بالنفس وبالشعوب، عودوا خلف الأسوار التي تحجب عنكم نور الشمس. هذه أصوات نشاز تساهم في تأبيد اليأس وتبديد الأمل الذي رفعه شعب تونس بإرادته وكرامته كقمرٍ بدْر في بادية الظلام العربية السائدة.

حين أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده، لم يكن على اتصال بوكالات أجنبية. وحين هبّ أهله ثم بلده ومنطقته فشعبه كله لرفع الصوت الغاضب على جرائم النظام كلها، لم يتم ذلك بالتنسيق مع دبلوماسيين غرباء. الأيدي الوحيدة التي حرّكت شعب تونس البطل هي أيدي النظام التي تطاولت على حقوقه وحرياته وكرامته. هذه هي الأيدي الغريبة حقًا! ومن المؤسف والمثير للغضب أن تلقى الأيادي التي تطاولت دعمًا من ألسنة متطاولة، تمتد من رؤوس منسوب المسؤولية فيها ضئيل، إن لم نقل غير ذلك!

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>