إلخ إلخ إلخاخًا: رازي نجّار “يحاور” حنا شماس

أسأله سؤالاً تلخيصيًا حول ما الذي سيراه من سيحضر عرض “بعرض إمي”، وأجيب بالنيابة: “العرض يراوح بين المسرح المونودرامي وأسلوب الستاند أب كوميدي. هو ليس هذا وليس ذاك، لكنه خلاصة لخّة امتدت على مدار 20 عامًا، انطلقت من الإذاعة ومرّت بالمطبخ فالمسرح فالتلفزيون، يوحدها منطق واحد هو بلغة الشارع منطق السِّرأة

إلخ إلخ إلخاخًا: رازي نجّار “يحاور” حنا شماس

|رازي نجّار|

razi-qadita

يدخل حنا شماس المسرح. يرتدي بلوزة ذات ماضٍ أسود غسل الدهر عليها وتعب. ليس عريض المنكحين، لكنه شلولخ مع سبق الإصرار والتردُّد؛ ففي حين أنّ انحناءة خفيفة تقوِّس أعلى ظهره دلالة على حمل سنين من الهبل المهموم، يصرّ شعره أن يمضي في مشروع مقاومة الجاذبية نحو تشكل هيئة سبعينية أفرو-بوهيمية، أو قل آينشتانية… يعدِّل المايكروفون ليناسب عرضه، ثم ينظر إلى الجمهور مرتبكًا، فتنطلق من طرف القاعة قهقهة ملجومة. يمسّي على الحاضرين بالخير، وتتزايد الضحكات معلنة أنّ العرض الكوميدي عُرضة للنجاح. هذا هو سر شماس؛ 0% مجهود، 100% إضحاك!

Untitled-1

هنا، أتوقف أنا عن الكتابة، وأنظر خلفي لما تركت ورائي من كلمات، وأعدُّها مطمئنا نفسي الكسولة بأنّ 400 كلمة إضافية لا غير تفصلني عن الوفاء بوعدي للصديق وسبب الضيق- مُحرّر الصحيفة. كنا قد اتفقنا، المحرر وشماس وأنا، على إجراء مقابلة صحافية فنية مع شماس نسبِّق فيها لعرضه الكوميدي المشتهى عند زاوية الصحيفة ونشبعه ضربًا في الكلام الترويجي والتهليلي والتسويقي و”العين عيني”، وهنا بدأت المشكلات؛ فمنذ سنتين ونيف فككت الارتباط بالصحافة ومقابلاتها واعتنقت عملاً تل أفيفيًا رأيت فيه فرصة أمل مربحة، أي أن رتقة خفيفة من الصدأ غطت الصحافي النائم (وماكِل شارِب) فيّ، فوجدتُ الحل في تبسيط الأمور وتفكيكها.

الشغلة بسيطة. كلّ ما تحتاجه المقابلة الصحفية الفنية موضوع (عرض “بعرض إمي”، الأحد  6/6/2010 في مسرح الميدان الحيفيّ) وصحافي (متطوع) وفنان (أين ذهب حنا؟!). حنا، صديق العمر الذي حرقت معه الكثير من أخضر الحياة ويابسها، لا يحبّ المقابلات، ولا يحبّ أن يُدعى فنانًا، ولا يحبّ أن يُسأل فيجيب. لذا، استغلّ سذاجتي وطيبة قلبي (بلشنا كذب؟!) واعتذر عن اللقاء الذي بادر إليه و”أَدَح” بعد أن خبّرني عبر التشات أن ألمًا في الضرس قد ألمّ به وشلّ حركته، وأقنعني بأن أكمل اللقاء الصحفي من دونه. سألته: “وكيف يعني؟”، قال: “جاوب إنتي.. ما هو هبل يا زلمة، في حدا فاضي يقرا عني؟”.

صحيح، لكنني التزمت أمام المحرر الذي خصّص صفحة كاملة للمقابلة، ولن أرجع بقراري وسأكتب المقابلة “تشات من تشات وأدح من أدح”، ولن أترك هذه الصفحة لقمة سائغة لوحش الإعلانات… وبدأ “اللقاء” أحاديّ الجانب!

أقنعني بأن أكمل اللقاء الصحفي من دونه. سألته: “وكيف يعني؟”، قال: “جاوب إنتي..

لم نلتقِ في مقهى فتوش تفاديًا لسبر أغوار تاريخه الشخصي كطباخ (معتزل) كان يبحث عن مواد للساتيرا بين طلبية “السلاط يفاني” وصحن الكفتة بطحينة، ثم يدوّنها على قبعة الطباخ. آه، لو تنّحتُ قليلاً وصعبتُ عليه الأسئلة لكنت أخذته في رحلة إلى مسيرة الثنائي شماس-نحاس الكوميدية الاستثنائية التي انطلقت على باب المطبخ الخلفي في المقهى ذاته، لكنه لم يحضر اللقاء، ولو حضر كنت خرجت بسكوب حشّوريّ عن انفصالهما بعد أن قرّر كلّ منهما أن يحمل سلمه ويمشي بالعرض الخاص به… كم جيد أنه لم يحضر اللقاء!

أختار مكانا قصيًا للقائنا، وأحضره وحدي؛ أنا السائل وأنا المجيب. أرتب الأسئلة التي أعددتها سلفًا على غير عادتي، وألقيها على المقابَل الغائب الحاضر في اللقاء. أختزل الأسئلة التقليدية التافهة اياها (متى بدأت، هل لقيت تشجيعًا من الأهل، هل ترى بالباسبورت الإسرائيلي حاجزًا إلخ إلخ إلخاخًا)، وأقفز مباشرة إلى موضوع لقائنا الذي باشر على الانتهاء قبل أن يبدأ.

أسأله سؤالاً تلخيصيًا حول ما الذي سيراه من سيحضر عرض “بعرض إمي”، وأجيب بالنيابة: “العرض يراوح بين المسرح المونودرامي وأسلوب الستاند أب كوميدي. هو ليس هذا وليس ذاك، لكنه خلاصة لخّة امتدت على مدار 20 عامًا، انطلقت من الإذاعة ومرّت بالمطبخ فالمسرح فالتلفزيون، يوحدها منطق واحد هو بلغة الشارع منطق السِّرأة – وسرأ يسرؤ فهو مسروء، أي مضروب/مهبول/ضايع/مهسهس/مهستر/مهلوس”.

أنهي اللقاء، وأشكر نفسي بالنيابة عن حنا على تقمص شخصيته، وأرسل اللقاء الذي لم يكن للمحرر مطمئنًا إلى أنني أوفيت بوعدي، وكتبت عن العرض من دون أدنى تلميح (نزولاً عند طلب صاحب الشأن) حول جنس الكوميديا التي سيدور حولها العرض.. أوپسٌ، هل قلت جنسًا؟!

(عن صحيفة “فصل المقال”)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. كثير حلو.. شكرا لرازي ولحنّا :)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>