إنها الثورة المضادة!/ هشام روحانا

وقعت الثورة التونسية والمصرية والليبية واليمنية والبحرانية على الامبريالية وقوى الرجعية العربية والصهيونية وقوع الصاعقة. فكان لا بدّ لها من التعامل مع الوضع الناشئ بشكل يغيّر مسار هذه الثورات ويُقوْلبها في اتجاه يحدّ من مسارها المُعادي للإمبريالية

إنها الثورة المضادة!/ هشام روحانا

كاريكاتير: تايلور جونس- "إل إيه بروغريسيف"


|هشام روحانا|

من السهولة بمكان الوقوع في الخطأ الأكيد عند مقاربة الحالة السورية، إذا تمّت مقاربة هذه الحالة منزوعة عمّا يصاحبها من وقائع مشروع الثورة المضادّة الجاري على قدم وساق في أكثر من موقع في العالم العربي. وأيضاً بسبب التعقيد البالغ للحالة السورية والظاهر في عدم تلازم المشروع المناهض للإمبريالية مع مقوّمات مشروع نهضويّ ديمقراطيّ سوريّ (وليس له وجود في أية دولة عربية).

لقد وقعت الثورة التونسية والمصرية والليبية واليمنية والبحرانية على الامبريالية وقوى الرجعية العربية والصهيونية وقوع الصاعقة. فكان لا بدّ لها من التعامل مع الوضع الناشئ بشكل يغيّر مسار هذه الثورات ويُقوْلبها في اتجاه يحدّ من مسارها المُعادي للإمبريالية. ويتبدّى مسار الثورة المضادّة هذا في استدراج التدخل الامبريالي العسكري المباشر في ليبيا مُدجّجًا بسلاحه الأطلسيّ ومشاركة مالية وعسكرية عربية (قطرية) وبإلحاح جامعة الدول العربية وعمرُها موسى. وكان أن تمّ تدخل عسكر الرجعية العربية بدرعها الخليجي في البحرين لوأد ثورتها الديمقراطية العربية والتي تميزت بسلميّتها وحضاريتها. وكان أن تم العمل على تأجيل الحسم في اليمن بأمل أن تتحول الحالة الثورية اليمنية إلى اقتتال داخلي ما بين جنوبي وشمالي وحرب أهلية تدوم وتنحو إلى تقسيم اليمن. وتمت محاصرة كلٍّ من الثورتين الناجزتيْن في كلٍّ من تونس ومصر بمشروع التفافي خطير قوامه تحالف الجيش مع الأخوان المسلمين وعناصر النظام البائد وبتمويل يمنّ به الأمريكي أوباما.

يضعنا هذا كله أمام مشروع امبريالي-رجعي عربي تتناغم فيه الأدوار وتتكامل من أجل عكس مسار هذه الثورات.

تزامن كلّ هذا مع تحرك شعبي سوري ديمقراطي يطالب بالحرية والكرامة. كان هذا التحرك الديمقراطي، الاجتماعي الطابع، نتاج مراوحة السلطة في مكانها من دون التجرّؤ على القيام بالإصلاحات التي وعدت بها وسوّفت، من دون تحقيقها مع تعاظم الفوارق الطبقية والاجتماعية واستشراء الفساد، وكلها نتيجة سياسة اللّبرَلة الاقتصادية والانفتاح على سوق تنافسية غير مُقوْننة في ما سُمّي الإصلاح الاقتصادي. إلا أنّ هذا التحرّك الشعبيّ والديمقراطيّ أتّصف بأنه كان محدوداً في مناطق بعينها ولم يتحوّل إلى ما قد يشبه الحالة التونسية أو المصرية. وقد تمّت محاولة حصار هذا التحرّك الشعبيّ من النظام، إلا أنّ من نجح حقاً في محاصرته -بوصفه مشروعًا ديمقراطيًا ثوريًا- هي قوى الثورة المُضادّة عينها، حيث تمّ الزّجّ وسريعًا بكامل عدّتها وعتادها، لتنكفئ الأغلبية الشعبية السورية عن مساندته وتوسيعه.

وقوام هذه العدّة على المستوى الدولي، الانقلاب غير المفسّر والسريع في سياسات (مشكوك بأمرها أصلاً) دول كانت تعدّ حليفة لسوريا كتركيا في مسعى منها للحصول على فتات دور ما في المشروع الامبريالي، وتكالب دول أوروبا الغربية وخصوصاً فرنسا (وكان أحرى بها أن تعتذر أولاً وقبل كل شيء من الشعب السوري على سنوات انتدابها له بوصفه شعبا قاصراً) وألمانيا، مجترّة التهم المعدة سلفاً في مواقف استعلائية أقلّ ما يقال عنها إنها مزدوجة المعايير وغير أخلاقية، والدور الأمريكي الذي أعد لهذه اللحظة بالذات منذ زمن فوضاه الخلاقة مروراً بخلوات دبلوماسيه مع أقطاب الرابع عشر من آذار اللبناني، سعيًا وراء تجنيد العملاء وبعض أطراف المعارضة السورية (يُنظر: “ويكيليكس”، هنا و هنا). وغدا هذا الدور واضحًا في الشروط التي وضعتها ناطقة رسمية أمام سوريا لتتجنب ما يُعدّ لها. يستند هذا التدخل الخارجي إلى مشاركة فعالة ونشطة من جانب الرجعية العربية بمال فاضت خزائنها به وأبواق فضائية سكتت حيناً وزورت حيناً وضخمت أحياناً. فتم تجيش الحراك الشعبي المحق وعسكرته من خلال المشاركة النشطة لتكفيريين سوريين وعرب وارتفاع لغط التأليب الطائفي والمذهبي من الداخل السوري ومن شيوخ التخلف متعدّد الفتاوى عابرة القارات؛ فهذا يفتي بجواز قتل ثلث الشعب السوري “ليسعد”، ثلثاه، وذاك يشعل النار ما بين سني وشيعي وعلوي ودرزي. وأمام تكاثر هذا الذباب، أليس محقا هذا المعارض السوري الوطني الذي يسأل أين هي الجيفة؟ إن تمركز التحرك العسكري المناهض للنظام في سوريا في مناطق حدودية بعينها يضعنا أمام سيناريو يهدف إلى تكوين بؤر مسلحة تشتبك مع النظام لتستدعي تدخلاً عسكريا غربيا بغطاء الدفاع عن المواطنين السوريين وصولاً إلى تفتيت الدولة السورية كما جرى في العراق ويجري الآن في كل من ليبيا واليمن.

يضعنا كل هذا أمام مشهد معقد للغاية؛ فمن جانب واحد تستمر السلطة في سوريا بممارسة خطاب مُعادٍ للامبريالية من جهة وخطاب إصلاحي من جهة أخرى، وتتيح لها العسكرة المنظمة للحراك الشعبي من جانب آخر استخدام السلاح لتنقل أزمتها في عدم القدرة بالاستمرار في الحكم بالشكل الذي مارسته عقوداً، إلى المعارضة. أما المعارضة  فهي في مأزق الاستمرار الذي يغدو يوماً بعد يوم أسيراً لتدخل أجنبي امبريالي ورجعي عربي من الخارج وأسيراً لسلاح تكفيري عنيف من الداخل. وأمام هذا المشهد لا يسعنا الاستعانة بخطاب يدعي اليسارية حينا وعلو الأخلاق والقيم أحياناً ليهاجم مقاربة مركبة ومعقدة لوضع لا مفرّ فيه من الدعوة إلى إجراء حوار وطني واسع يجنب سوريا وشعبها ودولته كأساً مرةً جرب ترياقها في العراق وغيره.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

6 تعقيبات

  1. في البدايه اشكر الكاتب على هذا المقال الايجابي في وصف الداء والدواء.المطلوب من كل عربي حريص على مستقبل امته ان يكون موضوعيآ ومسؤولآ. في هذه المرحله لا بديل امام الاحزاب والقوى الوطنيه والتقدميه السوريه لدرءالاذى وحمايةالوطن سوى الحوار البناء…القاصي والداني يدرك اهمية ومكانة سوريا الكبرى تاريخيآ فهنا تقع عين جالوت وحطين وهنا تاسست الدوله العربيه الاولى وامتدت من الاندلس الى الهند ومنها تدفق نور العلم لينشر ضوئه على الكون…..وعلى سوريا تركزت المؤامره الاستعماريه بتقسيمها واقامةالكيان الصهيوني على اراضيها وبالتالي عزلهابريآعن شقيقتها مصر ومن ثم سلخ لواء الاسكندرون.اما اهمية سوريا الصغرى(الحاليه)فتكمن في موقعها الاستراتيجي الفاصل بين الدول المنتجه للنفط من جهه والدول الغربيه ودول حلف الاطلسي من جهه اخرى.الخلاصه:ان الهجمه المركزه الاعلاميه منها والسياسيه بل والعسكريه ترمي الى الضغط على النظام السوري لتغيير سلوكه السياسي الغير مرضي عنه من قبل الدوائر الغربيه والعربيه الخليجيه واسرائيل بل وتركيا او محاولة اسقاطه بالقوه.

  2. يا سيداتي
    من أين للكاتب هذه المعلومات
    فهي أقرب إلى توهمات

    صحيح أنه لم يُفصح
    لكنه كما يبدو مسؤول بنظرية المؤلمرة
    أو ما يشبهها
    والسؤال هو هل هو وغيره مع حرية السوريين وبكل ثمن
    مع كراماتهم ضد الطائفية التي استثمرها النظام
    أم ضد هذه القيم، هذا هو السؤال
    أمريكا وتدخلات عربية وتوهمات عن أناس يقفون لسورية بالمصاد
    كلها غطاء لجرائم النظام
    استنكروا جرائم النظام خلال خمسة عقود
    ثمّ نظروا علينا وعن التعقيد والتركيب
    وفرجونا قبضنتكم في السياسة والتحليل
    يا عيب الشوم!
    دم الناس لم يجفّ لأنهم مسالمون ولأنهم سوريون حقيقيون
    وليس لأنهم استخدموا السلاح أو العنف
    دمهم لم يجف وقبورهم لم تُبن
    وأنتم هناك في فلسطين تنظرون علينا
    وتبررون الفظائع
    غريب
    واسمحوا لي أن أهمس في آذانكم مشيرا إلى أن في الغرب والعرب من كان يبرر الفظائع بحقّ الفلسطينيين

  3. الى جهبذ زمانه ! لم تسعفك جهبذتك في فهم ما يقال لذلك سأبسط لك الامور.اقول لك ان الاسد سوف يعيش “رغم الداء والاعداء كالنسر فوق القمة الشماء”.اما بالنسبه للمحكمه الدوليه فقد سبق وعدلت معاهدتها لتشمل شاهد الزور زهير الصديق الذي انت على شاكلته في شهادتك عن سوريا.عاشت سوريا وعاش الاسد.

  4. لماذا هذا الساتقتال في الدفاع عن نظام قتل من مواطنيه وبأسلحة دفع ثمنها الشعب السوري نفسه؟
    يذكرنا بدفاع في التاريخ عن الستالينية؟
    وعن الجرائم الأمريكية أو غيرها باسم مقارعة الشيوعية أو محاربة الإرهاب!
    أن تسقط الأنظمة الاستبدادية في هوية العنف فهمناها
    لكن أن يسقط “مثقف” في إثر حزبي في أتون تبرير الجرائم
    أمر غير مستساغ وغير مفهوم أحيانا سوى أن الساقطين في تبرير العنف المدمّر لنظام ألأسد إنما يبررون جرائم يُعاقب عليها القانون الدولي الجنائي
    صار لازما تعديل معاهدة المحكمة الجنائية الدولية لتشمل صلاحياتها ليس فقط الضالعين بالجرائم بل المدافعين عنهم أيضا
    سوريا لم تدعم أي مقاومة بل قصفت تل الزعتر حتى النخاع واغتالت كمال جنبلاط وقادة وطنيين لبنانيين وصولا إلى الحريري وسمير قصير وجورج حاوي والقائمة طويلة
    سوريا حاصرت عرفات ومقاتلي الثورة الفلسطينية في البداوي ونهر البارد ودكت البيوت فوق رؤوسهم
    هذه سوريا
    سوريا تقاسمت مع إسرائيل مناطق النفوذ في لبنان
    هذا الوضوح في ال؛داث لا يبقي مكانا لتقولات عن تركيب وتعقيد
    إذا تحررت سوريا من نظامها تحرر الشرق ألوسط من غطرسة إسرائيل
    هذه هي المعادلة
    أمريكا أو غيلرها رقم ثانوي في المعادلة
    ولو كنت مكانها لاستغليّت كل فرصة سانحة لتمرير المشاريع
    لكن مشروع الشعب السوري وليس النظام أولا وقبل كل شيء اسفادت أمريكا أو لم تستفد
    قد نتستفيد في المدى القصير لكن دمقرطة سوريا وجعلها دولة لشعبها لا لعائلة ألأسد والجنرالات سيكون لفائدة السوريين والعرب فقط في المدى البعيد
    تنتقدون عسكرة إسرائيل وجنرلتها لكنكم تؤيدون جنرلة سوريا ومثيلاتها
    ازدواجية أخلاقية على الطريقة العربية
    مؤسف

  5. للمعلق طويل الاسم ! ان يرد على تعليقك مضيعه للوقت …ولكن معي دقيقه لا بأس! انو قلتلي “لم يحرر ارضه”!!!وانا اقول لك لانه عبقري وحكيم لانه جنب الشباب السوري الموت الرخيص في حرب جيوش نظاميه نتيجتها محسومه .انه يحارب بطريقته في دعم المقاومات العربيه…والشاطر يفهم!!!

  6. الوضع في سورية شديد الوضوح ولولا مسارعة النظام السوري لنشره الفزع من التدخل الخارجي علما أن الثوار السوريين رفضوا وما زالوا يرفضون التدخل الخارجي لما تحدث عنه أحد. ومن الواضح أيضا أن ثورة الشعب السوري ليست مدفوعة لا من الخارج ولا من الأزمة الاقتصادية للبلد بل هي ثورة نحو التحرر وبالأساس من نظام بلدها القمعي والذي لا يختلف بتاتا عن الأنظمة العربية التي ثار عليها مواطنوها رغم ادعاء نظام الأسد للمانعة والمقاومة (والله زهقت من هاي الكلمات) لأنه وببساطة لم يحرر أرضه المحتلة بل وبدأ بتفاوض غير مباشر مع إسرائيل. أرجو الكف عن تحميل الشعب السوري مآسي الآخرين وبالذات مآسينا نحن كفلسطينيين ودعم ثورته التي وبالمناسبة تزداد رقعتها كل يوم ولا تنحصر فقط على المناطق الحدودية التي ذكرتها والدليل مشاركة دمشق وحلب ولو بما تيسر.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>