الحريقة الدامغة!/ فراس خطيب

القادة الإسرائيليون اعتادوا على إشعال النيران لا إخمادها، حافظوا على “التفوق العسكري” بينما مخازن الإطفائية فارغة. إنَّها ثمالة القوة التي تعمي الاقوياء عن طبيعتهم، فالدولة التي حسمت حربًا تاريخية في أربع ساعات في العام 1967 لم تحسم حربها ضد نار حتى بعد مرور 40 ساعة… الكرمل يحترق

الحريقة الدامغة!/ فراس خطيب

الكرمل يحترق

|فراس خطيب|

Firas Khatib

في شهر آب من هذا العام، صادق وزير الأمن الإسرائيلي إيهود باراك على شراء 20 طائرة من  طراز “إف 35″، مقابل 2.7 مليار دولار. الطائرات ستصل بعد خمس سنوات. وتباهى الوزير بأنَّ الطائرات “ستوّفر الأمن” وستحافظ على “التفوّق العسكري مقابل إيران”. لم تحدث ضجّة، ولم تهتز الدنيا لسماع هذا الخبر الجنوني علمًا بأنَّ ثمن الطائرات يساوي ميزانية التعليم العالي والرفاه الاجتماعي معًا. لكن حين اشتعل محيط الكرمل، لم يجد “المتفوقون عسكريًا” طائرات لإخماد الحرائق. ووقفوا عاجزين أمام المشهد المؤلم، حين كانت النار تلتهم بشرًا وشجرًا من بقايا الرقع الخضرا ء على هذا المكان. الكرمل.

في مكان يحترم ذاته، وقبل أن يطير الدخان على الكرمل، على رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أن يتصل بوزير دفاعه (إيهود باراك) ليعترفا بأنَّ دولتهما “العظمى” تملك موادّ للحرق لا للإطفاء وطائرات لإشعال المحيط لا لتهدئته.

كل عاقل في هذا العالم يعي جيدًا بأنَّ شيئًا ما ليس على ما يرام يحدث في الطقس. لا نعرف سبب الحريق ولا نحن خبراء في البيئة. لكن الأخطار البيئة لم تعد حلم اليساريين الذين ابتعدوا عن درب نضالهم واتجهوا لحماية الطبيعة لإرضاء أنفسهم كما يحدث مع اليسار الإسرائيلي؛ لا، هي واضحة لكل انسان يعي ما حوله. في دول أوروبا من ينكر وجود التغييرات المناخية والاحتباس الحراري يدان جماهيريًا. من يعيش في لندن اليوم يعي جيدًا بأنَّ هناك أمرًا ليس تقليديًا يجري، لم تحدث من ستة عقود أن تهطل الثلوج على مدينة الضباب في نوفمبر. كما لم تحصل من ستة عقود أن ينتهي الخريف ويشرف الشتاء على النهاية ودرجة الحرارة تساوي 32 درجة في الشرق الاوسط. فقط اغبياء لا يستعدون لمصائب الطبيعية. فقط سكارى القوة المنشغلون بالقبة الحديدية لردع صواريخ لا تأتي من غزة هم من لا يستعد. ينفقون ملايين الدولارات لاقتناء الأسلحة ومخازن مواد الإطفاء فارغة. فالحكومة التي تستعد لكل ذبابة تدخل عبر الحدود الشمالية والجنوبية، لم تستعد لحريق كان سيأتي حتمًا في ظروف الريح والحر في هذه الفترة. وقد قالها أحد مسؤولي الاطفاء على القناة الاسرائيلية الأولى: “نحن آخر من تفاجأ؛ نحن كنا مستعدين ولكن قدراتنا محدودة”.

هذه هي حماية المواطنين الذي يتغنى بها نتنياهو وباراك ويعتقدان بأن القنابل العنقودية الذكية التي تخترق الأنفاق هي الأمن والأمان.

تحولت لجان الكنيست، التي من شأنها أن تراعي شؤون البشر إلى دفيئات عنصرية. لم نسمع خطابًا واعيًا يحذر الناس من أن شيئًا سيأتي. تحول أعضاء الكنيست إلى أبواق العنصرية والائتلاف الحكومي منشغل بتمرير القوانين الفاشية. يريدون الحفاظ على يهودية الدولة الآن. فلتحترق الأشجار والناس، ولتحترق المباني وليجفّ البحر أيضًا إن شئتم، ولتحترق الدنيا بأسرها، كل هذه الكروم التي احترقت والناس التي وقعت ضحية الغباء السلطوي، ليست هامة، قانون الولاء للدولة هو الأهمّ- فلتحترق الدنيا كل الدنيا.

بنيامين نتنياهو سيعلن قريبًا عن تشكيل لجنة تحقيق. طبعًا، هذه اللجان تحولت إلى موضة حقيقية في الدولة العبرية وإلى حامية للرؤساء. حروب ولجان، حريق ولجان، موت ولجان، حتى صارت الحياة كلها مرهونة بلجان لا تنفذ توصياتها إن وجدت. حريق الكرمل هو علامة على أنَّ ثقافة الحروب تنسي القياديين معنى الحياة. تبعدهم عن أكثر الأمور بديهية ليقنعوا جمهورهم بأنَّ كلمات الرئيس الايراني أحمد النجاد هي الخطر. فالدولة التي تملك أكبر سلاح جوّ في المنطقة لا تملك طائرات لإطفاء الحريق في بيئتها الإشكالية. الدولة التي حسمت حربًا في أربع ساعات ضد 4 دول عربية في 1967،لم تحسم حربها ضد نار اشتعلت حتى بعد مرور 40 ساعة.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. ما يعز علي شخصيا في هذه الكارثة هي الطبيعة الفلسطينية و لاشيء غيرها لتحترق اسرائيل الفكرة والمشروع والسلطة والدولارات و الاسلحة كي تعود فلسطين نضرة طيبة عفوية صادقة

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>