تذكرة الآنام بفضل لعق الأقدام/ ياسر عبدالله

عشق القدم انحراف جنسي بالفعل؛ إنحراف عن الغرض الإجتماعي المكرّس له في الجسد والمحبوس فيه، غرض التناسل، إلى الغرض الآخر الأكثر حقيقية، غرض المتعة، عشقًا إيروسيًا خالصًا من الغرض، تأمل في الجمال من أجل الجمال، لا تناسل جنسيّ من القدم ولا انتهاء لشهوة الحبّ فيها

تذكرة الآنام بفضل لعق الأقدام/ ياسر عبدالله

high_heel

..

|ياسر عبدالله|

yasser-abdallah-qadita

كإله أولمبيّ عجوز

أجلس في ميدان الشهيد

صباحًا

أتأمّل سطوع النهار

أتأمّل حمامات النهار

وأراقب أقدام النساء وأحذية النساء.

..

كمثل كل أبناء العبابدة البشارية، القبيلة ذات الاسم المزدوج الممتدة على طول ساحل البحر الأحمر وداخل صعيد مصر، اعتاد أبي أن يركن رأسه للخلف أحيانًا ثم يبدأ في الغناء بما تعلمه عن جدّي الأول الذي لم أرَه لكني ورثتُ عنه الكثير؛ ورثتُ عنه اسمه الذي أحمله، وورثت عنه شعره وسمرته. يبدأ والدي الغناء بقوله: “حبابك عشرة”، ثم يكمل بصوت شجيّ بين حداء الجمال والعديد على الأموات قائلاً: “كعب البنت ريال مدور يا ما خلق يا ما صور”، وكنت أعجب من غنائه. وقتها لم أكن قد رأيت سوى الريال الماسح برسم مسجد محمد علي فوقه. قلتُ في عقل بالي: أيّ بنت هذه ستكون قدمها صغيرة قدر الهلال؟ أيّ بنت حتى ولو كانت طفلة كما كنت وقتها– ولم أعبر مرحلة الطفولة سوى جسديًا فقط؟ وفقط حين رأيت ريال السلطان حسين كامل، الذي عناه جدي حين هاجر فقرًا من قريته الكرنك إلى ضاحية جديدة وقتها (مصر الجديدة) في عام 1916، ليرى بعينيْ رأسه قصر السلطان الجديد المبني أمام قصر البارون، بناه البارون عوضًا عن الاستيلاء من قبل السلطان على قصره- أدركتُ غناء أبي وجدي الأول، وبدأت مراقبتي لكعوب وأقدام البنات.

ولا يعجبك طولها الزين

ولا لبسها السوارة

عرقوبها يدبح الطير

جريك وراها خسارة

هكذا غنت جدتي الأولى زوج جدي الأول، والديّ والدي، مربعًا صعيديًا حفظته عن أمها وحفظته أمها عن أمهات كثر قبلها. جدتي، التي رحلت من جرجا إلى الروضة بمديرية المنيا هربًا من الفقر قبل أن يجري خطفها وجلبها إلى القاهرة انتقامًا وثأرًا من سيدة منياوية كانت جدتي الطفلة ربيبتها، لم تحفظ من الصعيد سوى أقلّ القليل: حفظت طعم الحلبة الخضراء وطعم البامية المفروكة المُسمّاة في التراث الصعيدي “بالويكا”، وحفظت ذاكرتها الضعيفة هذا المربع عن العرقوب المنطوق بجيم قاهرية مفخّمة صعيدية وعن السّوارة الجمع الصعيدي للسّوار، وعن أمي التي كانت تروي كثيرًا بنفس السّند أمثالاً عديدة أنها روت عن أمها وروت أمها عن أم أمها حتى انتهت إلى أناس لم تسمّهم، وقالت الناس اللي قبلنا إنهم قالوا “كل واحد متعلق من عرقوبه”. والعرقوب في المعجم وتر غليظ فوق عقب الإنسان، وحين سألتها رحمها الله عن العراقيب قالت يُعلق الناس من عراقيبهم يوم القيامة، ورغم أني كنت طفلاً وقتها –وعليّ التذكير بما قلته سابقًا أني ما زلت طفلاً– فقد ارتسم في عقلي مشهد أخيليّ يُعلق فيه الناس من كعوب أقدامهم ويُعمّدون في النار. وماتت أمي قبل أن أسألها أسئلة كثيرة عن كيفية هروب رمز أخيليّ إلى أمثال جدتي الثانية، وماتت جدتي الأولى قبل أن أسألها عن سرّ تحذير المربع من الزواج من ذات العرقوب. وفي سنين المراهقة الأولى سأبدع لنفسي تفسيرًا تشريحيًا عن العلاقة بين العراقيب الرفيعة وبين الحوض الضيق وبين صعوبة الحمل والولادة لصاحبات العراقيب.

..

“مثل قدم طفل”

هكذا تبدأ الرواية البديعة “فانيليا” للطاهر شرقاوي، ثم يمضي الرواي في تأمّلات عن عشقه لأقدام البنات الصغيرة وأجساد البنات الصغيرة، ثم يختتم تأملاته قائلاً “حذاء مقاس 35 سيكون مناسبًا”. ومثل راوي فانيليا كنتُ محبًا للأقدام الصغيرة قبل أن أبدأ تأملاتي عن جمال القدم. كان ذلك تفضيلاً للأنثى الصغيرة بشكل مطلق، البنت الحلوة التي يمكن كما يقول صديقي المطرب البوهيمي أن تبتلعها وتستحلبها كبونبونة فرنسية أو كقطعة شيكولاتة توبِليرونِه السويسرية. كان عشقي الأول أقدامًا من عينة قدميْ ناتالي بورتمان ووينونا رايدر وأودري هيبورن؛ أقدام صغيرة كأجساد صاحباتها يمكن ابتلاعها واستحلابها ولعقها. كنت أشبّه تلك الأقدام بجسد إنساني مكتمل موضوع في مساحة طولها طول كفّ، حتى اكتشفت –واكتشافات كهذه تحدث والله- أنّ كفي، نتيجة تشوّهات رياضية نتجت عن ممارسة كرة اليد وكرة السلة في الجامعة، كفًا طويلاً يقارب الأقدام مقاس 39، فانتقلتُ عندها لتأمّل الأقدام الطويلة نوعًا، ولم أكن أبدًا من أنصار الأقدام النسائية التي يزيد طولها عن مقاس 39.

ثلاثة أقدام هي ما جعلتني مؤخرًا أغير رأيي وأعيد الأعتبار لتلك المقاسات الطويلة ذات الرسوم الجميلة، قدمي الممثلة الأمريكية آلي لارتر وقدمي لاعبة التنس الروسية الفاتنة ماريا شارابوفا، وقدمي صاحبة أجمل ساقيْن في السينما العالمية مارلينِه ديتريش. ليست العلة في الطول إنما العلة في الرسم، قلت لنفسي، هل تتخيل أبدًا قدمًا مقاس 37 مصابة بفلات فوت، وتكون جميلة؟

قدماك في الخفّ المقصب

جدولين من حنين

هكذا غنت ماجدة الرومي من أشعار نزار قباني، وبينما يفضل صديقي ورفيقي في فتيشية القدم الشباشب ذات الأصابع الشبيهة بشبشب الحمام الزّنوبة لأغراض جنسية بحتة تتعلق بدخول الحزام الجلدي بين أصبعين منفرجين، أفضل الخِفاف المقصّبة كثيرة الأحزمة الجلدية، تذكّرني بأقفاص الكناريا التي تحبس الكناريا لكنها تسمح لنا بسماع غنائه، وكلما زادت الفواصل الجلدية كان ذلك أفضل بكثير، كإظهار بين إخفاءات عديدة، نصف اتصال ونصف إغلاق ونصف حوار يُنبئك بما خلفه من دون أن يظهره كله ويجعلك تتساءل كيف تبدو تلك القدم شبيهة العصفور حين تنطلق وتضعها في فمك وتلعق باطنها. هنا تلعب الالوان دورها فلا بديل عن الأسود لصاحبة القدم الشقراء، أما الخمرية مثل سلمى حايك فالبني حينًا والطوبي حينًا والنهري الخافت أحيانًا كثيرة ساحرة، ومثلما يفضل صديقي الشباشب ذات الأصبع الواحدة يغرم أيضًا بالأصابع التي لم أغرم أبدًا بها، أغرم بمنطقة أخرى في القدم لا ينتبه الكثير لها، البروز الناهد أسفل الأصابع – وآه لو كان محمرًا قليلاً يجري الدم داخله يذكر باللون الروز الخاص الذي لم تعد مصانع المحلة الكبرى تنتجه المُسمّى “لحم الهوانم”- ثم أسفله باطن لا بدّ وأن يعلو على الأرض قدر نصف المسافة بين أعلى القدم والأرض، ومن تحته كعبًا -آه لو كان محمرًا قليلاً وألا تحمره بعضات أسنانك الخفيفة وأنت تلعقه. خير الأقدام النسائية ما كان مشابهًا لقوس مشدود: الأصابع طرف القوس والبروز الناهد بروز القوس والباطن مرقد السهم بعد أن يخرج من كنانته.

القدم مرآة الجسد إذا رأيتها عرفت جمال صاحبتها، وكم من امرأة جميلة غيّرتُ رأيي فيها بعد أن شاهدتُ لها قدمين مفلطحتين مصابتين بفلات فوت واضح، وكل جراحات التجميل الحديثة لا تستطيع نفخ قدم رفيعة مثلما استطاعت نفخ كلّ شيء آخر. وحدها القدم تنبئ بجمال صاحبتها أصيل المنبت، من دون جراحات تجميلية وتكميلية.

دعيني أقبل قدميك ألفًا

ولا تشرقي عليّ بنور وجهك

إني أعشق آواخر الليل

مثل أشياء كثيرة يعيبها عليّ معارفي، يُعاب عليّ عشقي وغرامي بأقدام النساء. أقول لهم أنظروا في كلّ الأدلة واقرأوا مرة أخرى ما رُوي في تفسير بيتي الشافعي، حين قال:

شكوتُ إلى وكيع صوت حفظي………………..فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال لي إنّ العلم نور…………………………..ونور الله لا يُهدى لعاصي

حيث قيل إنه رأى كعبي امرأة فتذكّره أثناء درسه وقيل غير ذلك. واقرأوا النصوص المختلفة في الكاماسوترا و”الروض العاطر” و”رجوع الشيخ” وفي ألف ليلة وليلة اقرأوا البيتين:

لم أنسَه مذ قام يكشف عامدًا……………………….عن ساقه كاللؤلؤ البراق

لا تعجبوا من أن تقوم قيامتي……………………إن القيامة يوم كشف الساق

واقرأوا الوصف المتكرّر في ثنايا الليالي الألف: قدمان كأنهما لسانان –لشدّة حمرتهما وانبساطهما على الأرض- واسمعوا أغانيَ عديدة منها “كعب الغزال” لمحمد رشدي و”خبطة قدمكن” لفيروز و”يا شبشب الهنا” لعبدالعزيز محمود و”رنة قبقابي” لشادية.

عشق القدم انحراف جنسي بالفعل؛ إنحراف عن الغرض الإجتماعي المكرّس له في الجسد والمحبوس فيه، غرض التناسل، إلى الغرض الآخر الأكثر حقيقية، غرض المتعة، عشقًا إيروسيًا خالصًا من الغرض، تأمل في الجمال من أجل الجمال، لا تناسل جنسيّ من القدم ولا انتهاء لشهوة الحبّ فيها؛ المعضلة البشرية الأزلية في مدّ فترة المتعة إلى الأبد لا وجود لها هنا. تخيّل أن تلعق قدمي حبيبتك طوال الليل وأن تتأملها وتعيد تشكيلها، من منبت أصابعها حتى عرقوبها الأخيلي وجمال بداية سمانة قدمها، من دون ملل ومن دون كلل. عاشق الأقدام هو الألطف من بين كلّ العشاق مُقَدِرًا لكلّ تفصيلة صغيرة؛ هو الألطف والأرقّ رغم الدعايات السيئة والصورة الكوميدية الموروثة عن فؤاد المهندس رحمه الله.

كان جدي الثاني زوج جدتي الثانية والديْ أمي، صانعًا للبراويز؛ تلك الأطر الجميلة المكسبة جمالاً لما هو جميل أصلاً. مثله تمنيت أن أكون صانعًا لبراويز تبرز جمال ما أعشقه، تمنيت أن أترك كل شيء وأصير إسكافيًا لأتأمّل ما خفي على بصري الشحيح من جمال أقدام النساء وأحذيتهنّ.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. ههههههههه ما هذا؟؟؟

  2. عاش العبابده فى كل مكان

  3. ممممممممممممممممممم
    وحافية القدمين؟
    رهيب المقال وأشكرك جزيلا

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>