جنوب العالم.. وسط القلب/ فيروز التميمي

ماذا كنا نعرف عن ليبيا قبل الثورة؟ القذافي وخيمته وحارساته الملهبات للخيال؟ الآن نعرف أزقة مصراته، ونحفظ كلمات الثكلى الليبيات ونعرف لهجة الأمهات الدرعاويات ونساء البيضة وفهمنا اللهجة التونسية… وكما كان شهداء الفلسطينيين بالنسبة للعالم مجرد أرقام فقط، كان العرب بالنسبة للعرب مجرد كليشيهات وأنماط إلى أن حلّت بركات العولمة!

جنوب العالم.. وسط القلب/ فيروز التميمي

صبية متظاهرون في صنعاء، اليمن، يمدون أيديهم أثناء تظاهرة مطالبة بتنحية الرئيس علي عبدالله صالح- تصوير:محمد محيسن- أسيشيوتد برس)


| فيروز التميمي|

فيروز التميمي

هل شمال الكرة الأرضية أقرب إلى السماء؟ اتصله الرحمة أسرع؟ أهي مسألة وقت؟ أم أن الجنوب يحمل شمال الأرض على كتفيه ويرفعه ليتطاول على رؤوس أصابعه ويلمس السماء؟ تلتمع عيناه فخراً بصلته العلوية هذه وينسى إيصال الورقة الصغيرة المبللة بعرق الأيدي الجنوبية والتي ترجو الله أن يوقف الظلم والقهر والقمع.

لكن لا يهم.. فـ اللي حامل وراق.. شعرًا وعشاقًا.. ما بيقدر يحمل ظالم… وكل جنوب يحمل وراق وشعرًا وعشاقًا، ولن يحتمل شمالاً ظالماً طويلاً ولا حكّاماً شماليين.. فيا جنوب العالم.. يا وطني، لن تظلّ قانيا هكذا دومًا -وسيأتي نيسان ما ويزهر ليلك.

كنا نزعل من الغرب، نزعل من الأمريكان ونقول إنهم مأخوذون بالستيريوتايب، أو بالنمطية وبالكليشيهات الأزلية من أول أيام السينما، وإنهم حينما يفكرون بالعرب يفكرون بالجمل والخيمة والدشداشة والنفط والحريم.

قبل الثورات عملت مع فريق ضمنه أمريكان وحينما مددت إليهم طبق حلويات على سبيل الضيافة، سألوني إن كان من زلاطيمو زلاطيمو أم من الأخوين زلاطيمو! قابلت آخرين يعرفون عن اليمن أكثر مما أعرفه بكثير، ويعرفون جنوب السودان وكل الأماكن المنكوبة التي تدس أمريكا أنفها فيها عنوة.

فماذا كنا نعرف عن ليبيا قبل الثورة؟ القذافي وخيمته وحارساته الملهبات للخيال؟ تفاجأنا حين رأينا ليبيين أنيقين متحدثين متحضرين- أننكر هذا؟ الآن نعرف أزقة مصراته، ونحفظ كلمات الثكلى الليبيات ونعرف لهجة الأمهات الدرعاويات ونساء البيضة وفهمنا اللهجة التونسية وتدربنا طوال ثورة ونيف على التمييز بين الكلمات التي تبدو لنا كلمة واحدة طويلة.

الآن نعرف أنّ اليمن ليس القات فقط، وأنّ ليبيا ليست القذافي فقط. وكما كان شهداء الفلسطينيين بالنسبة للعالم مجرد أرقام فقط، كان العرب بالنسبة للعرب مجرد كليشيهات وأنماط إلى أن حلّت بركات العولمة!

الآن في عصر السرعة سقطت الاختصارات، توقفنا عن الشلفقة في عصر التكنولوجيا وصرنا نستطرد. نعرف الآن أسماء قبائل اليمن وليبيا، نعرف من منهم يقف مع الشعب ومن ما زال يشاور حاله. الآن نعرف وجع العربي من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن. الآن تتبلل وسائدنا كل ليلة وصورة الطفل المرعوب من آلة التعذيب الكهربائية في مخفر سوري لا تغادر رؤوسنا، وصورة الحدود السورية المغلقة مع الأردن تسبب لي الاختناق. ليس أنني كنت مقطّعة الطريق جيئة وذهابا، لكن أن يحاصرك عدو مجرد من الغرب ويخنقك شقيق يُجرم من فوق ويكون جنوبك ضيقاً لدرجة أنّ قلته أحسن ويكون شرقك نازفاً وموجوعاً- فالاختناق هو الاحتمال الغالب.

أصبت برهاب الحشر مؤخراً! إذ لم يكن قد بزغ أبو مصعب الزرقاوي أيام كنت زرقاوية وما كان السلفيون واردون في الزرقاء! لكن المشهد الصوتي في الزرقاء لغزوة السلفيين أصابني بهذه الفوبيا. كنت قد سمعت بـ “المعزّر سياج داره” على كَبَر، ودهشت كيف لم أسمع هذا المثل من قبل! فهل كانت عزارة السلفيين حماية لهم من بطش حكومتنا العتيدة؟ وهل باستطاعة السلفيين تزويد قوى 24 آذار بهذه الخدمة (على وزن مزوّدي خدمات الانترنت) ليتعلموا العزارة، وبالتالي يذودون عن سياج دارهم الذي هو -لكل سبب غير الصدفة- وطن؟

أعود إلى الاختناق؛ فقد أتيح لي الأسبوع الماضي أن أخوض تجربة جديدة بالنسبة لي وهي السّفر بحرًا. كنت أنظر إلى صفحة الماء، زرقاء… زرقاء ملء القلب، فأفكر بالعقبة وبالشواطئ الإضافية التي حصلنا عليها من الشقيقة الغنية، وكيف تغيرت خارطة الأردن بين ما درسته أنا وبين ما يدرسه ولداي، وكيف أنّ كل الهبات لم تزدْ من حجم الأرض للأردنيين شيئاً لكن زادت من أرصدة الوقحين أشياء. كنت أفكر بصفحة الماء، الزرقاء.. وبمن لا يملك قوتا كيف لا يخرج إلى الناس شاهراً سيفه.

دع عنك ذا السيف الذي جردته… هكذا أخاطب بيني وبين حالي مسؤولا غير مسؤول. دع عنك ذا السيف الذي جردته. فنحن أرخى من أن نثور.. لو كنت مكان الحكومة لما فعلت شيئاً بالمطلق…

السودانيون غضبوا من تعليقات النت التي تقول إنّ رئيسهم يقول لهم بالله عليكم، إن أردتم أن تثوروا فقولوا لي لأن ما لي بدايد للقمع، فيرد شعبه عليه: بالله عليك تقعد وتهدا، لأن ما لنا بدايد للثورة نحن أيضاً.

فهل نعاني انعدام بدايدنا نحن أيضًا؟.. أشعر باليأس وبالهزيمة، من مصراته إلى درعا إلى الزرقاء؛ من شمالي القلب إلى جنوب الزعل.

(عن “العرب اليوم”)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. ما تشبهي شهداء فلسطين بشوية خونة في درعا.. بعد إذنك يعني
    مبارح الخون كانوا بدهم استغاثة دولية, إخص على هيك مواطنين. قلبي مع الجيش السوري العظيم, واتمنى غنهاء الغوغاء ومحكامتهم بتهمة الخيانة العظمى, لنه سيجلبون الأجتبي إلى عقر دارهم, كما وعد بن اليعازر بعد كسر مناخيرو في 2006: “الأسد سيدفع ثمن وقوفه مع حزب الله”
    والىن يجب على الأسد ان يُدفع غوغاء درعا قمن وقوفهم مع الصهاينة.. ولا نامت اعين الإمعات والجبناء.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>