صفد-نيرنبرغ/ أروى حليحل

ما يقوله الراب إلياهو يعيدنا بذاكرتنا التاريخية القصيرة إلى السنوات التي سبقت مرحلة الانحطاط في القرن الماضي: مواطن صفد (صفد-نيرنبرغ) ليس إلا ذلك الإنسان الذي يقطن المدينة ودمه يهوديّ أو ما يشابهه. لماذا؟ لأنّ حفيداته وجيرانه يشعرون بالخطر لوجود الأغيار من حولهم!

صفد-نيرنبرغ/ أروى حليحل


كلية صفد. ماذا سيحدث لو اضطر طالب عربي للدفاع عن نفسه وكانت النتيجة دموية؟

كلية صفد. ماذا سيحدث لو اضطر طالب عربي للدفاع عن نفسه وكانت النتيجة دموية؟


|أروى حليحل|

أروة حليحل

أروة حليحل

تتصدر مدينة صفد في الأيام الأخيرة العناوين، لكنها لا تحتل هذه العناوين لأنها مدينة خصّتها الطبيعة وكرّمتها، ولا لأنها مدينة الراب يوسف بن ميمون، تلميذ الفارابي، الذي وصفه الرمبام في كتابه “دليل الحائرين” المكتوب أصلا بالعربية العبرية بأنه من أكبر الفلاسفة منذ وقت أرسطو؛ ولا لأنها مدينة سكنها منذ مطلع القرن الماضي ولسنوات طويلة العرب واليهود سوية- تحتلّ صفد العناوين في ضوء عاصفة العنصرية التي نتجت عن دعوة 18 حاخامًا يهوديًا وعلى رأسهم الراب شموئيل إلياهو، بعدم بيع أو تأجير الأغيار لشقق أو لقسم من الشقق في أرض إسرائيل.

ما يقوله الراب إلياهو في واقع الأمر، وهو يعيدنا بذاكرتنا التاريخية القصيرة إلى السنوات التي سبقت مرحلة الانحطاط في القرن الماضي، هو كالتالي: مواطن صفد (صفد-نيرنبرغ) ليس إلا ذلك الإنسان الذي يقطن المدينة ودمه يهودي أو ما يشابهه. لماذا؟ لأنّ حفيداته وجيرانه يشعرون بالخطر لوجود الأغيار من حولهم.

إلا أنّ هذه الحملة المناهضة للأغيار الناجحة مرفوقة بانتهاك حقوق المواطنين الذين يسكنون المدينة أو يعملون فيها عامة، والطلاب الجامعيين خاصة. فالعربي الذي يمرّ في المدينة يفقد الشعور بالأمان ليس إلا لكونه “مغايرًا”، كما أنّ الجامعيين العرب يُهاجَمون على خلفية قوْمَوية، فيما يُطرق على أبواب شقق الجامعيات العربيات اللواتي يسكنّ في صفد في منتصف الليل، والجامعيون العرب لا يجدون عملا لهم في المدينة، وحتى وإن وجدوا فإنهم يستطيعون الحفاظ عليه بشرط واحد فقط: ألا يتكلموا العربية!

الراب شموئيل إلياهو

الراب شموئيل إلياهو

ومع أنّ “الأغيار” هم الضحية المباشرة لهذه الحملة العنصرية، إلا أنّ هذه الحملة لم تُغفل البعض من سكان صفد اليهود، الذين يتمتعون بإنسانية صلبة في مواجهة وباء العنصرية المتفشي في المدينة. أحد هؤلاء هو إيلي تسفيئيلي الذي تغلبت أخلاقياته وقيمه الفردانية على قيم المجموع الصفدي الحالي، ولم يجد من المناسب الانضمام إلى القطيع وعدم تأجير شقته للجامعيين العرب. وقد دفع تسفيئيلي ثمنًا لأخلاقياته بالتهديد بحرق بيته.

كل ما تقدم يُجسّد السبب الكامن من وراء تعريف التحريض على العنصرية على أنها مخالفة جنائية، مع كل ما يرافقه من استنكار اجتماعي، كما يُجسّد خطورة النتائج المترتبة على ضعف سيادة القانون التي تنازلت في الماضي أمام الراب إلياهو، وتراجعت عن لائحة الاتهام التي قُدّمت ضده بتهمة التحريض على العنصرية. فالسلامة العامة والنظام العام مُهدّدان ومُنتهكان كل يوم في مدينة صفد، وثمة حاجة لردّ فعل فوري من أجهزة تطبيق القانون والقضاء.

من المخيف حقًا أن يفكر المرء لوهلة في موقف يضطر فيه طالب جامعيّ عربيّ للدفاع عن نفسه أمام هجمة عنصرية بحيث تكون النتيجة دموية، وفي أية دائرة دموية سنغرق عندها!

نحن لا نتحدث عن السلامة والنظام العاميْن فقط، بل عن واجب الديمقراطية في الدفاع عن نفسها؛ فالنظام الديمقراطي الذي يتنازل عن مبدأ الحفاظ على حقوق الأقلية، يتنازل في المحصلة عن طابعه الديمقراطي ويتحوّل إلى نظام “إثنوقراطي”. إذا لم تستيقظ “تيميس” (إلهة العدل) فورًا؛ إذا لم تُغطِّ عينيها، إذا لم تكسر صمتها، إذا لم تُلوّح بسيفها وتضرب به ساعة اللزوم- عندها لن يعرف المحرّضون مخالفو القانون كيف تكون سيادة القانون.



المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. راب= حاخام

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>