عن تصفية بن لادن: فيما يتعدى هذه الثنائية!/ مرزوق الحلبي

مشروع بن لادن، وإن التقى بمشاريع أمريكية هنا أو هناك، إلا أنه مستقلّ منذ بداياته، له غاياته وأهدافه وتطلعاته الكونية. وهي ليست “ثورية” ولا تقدمية، في أي حال، وإن ناهضت الغرب وأمريكا مرة، والعولمة مرات!

عن تصفية بن لادن: فيما يتعدى هذه الثنائية!/ مرزوق الحلبي

أمريكيون يحتفلون بتصفية بن لادن في "تايمز سكوير" في مدينة نيويورك، في 2 أيار الجاري. تصوير: ماريو تاما، غيتي إيمجيز


|مرزوق الحلبي|

ماذا لو أن عرّاب مافيا أفلح، بعد طول عناء، في تصفية ربيب له اختار أن يؤسّس لنفسه مافيا مستقلّة منافسة وأن يشقّ له ولها نهجا خاصا؟ ومحاكاة لهذا السؤال، ماذا لو صحّت أطروحة كون وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عرّابة لبن لادن؟ أطروحة متداولة بل رائجة لجهة نقد الاحتفاء الأمريكي بتصفية بن لادن من خلال تسجيل نقاط التطابق بينه وبينها لا سيما فيما يتّصل بنشاطه العسكري في أفغانستان ضد الوجود السوفييتي هناك، أو حصوله المدّعى على تمويل هائل من “الوكالة”. كأن في مثل هذا التطابق ما يُتيح نقد الأداء الأمريكي واحتفاء جماهير أمريكية بالتصفية.

فرضية اشتغال بن لادن لصالح “الوكالة” الأمريكية في بداياته محفوفة بأسئلة جدية. ونرجّح أنها كانت شراكة هي ثمرة استثمار متبادل لحالة، كان هو فيها بحاجة إلى كل عون لمحاربة السوفييت، وكانت هي فيها مستعدة للاستثمار في كل ما ومَن يُنهك الجيش السوفييتي (خاصة إذ لم يكن بتضحيات بشرية أمريكية) ويُعطّل مشروعه في أفغانستان. وهو لقاء في الأهداف قد يظلّ ضمنيا دون أن يتحوّل إلى مباشر ممهور بالتواقيع. لكن لنفرض جدلا، كما هي الرواية الرائجة، أن بن لادن اشتغل فعلا مقاول حرب عند “الوكالة”. هذا يعني أنه اختار الاشتغال مثلما اختارت الوكالة تشغيله. وهو ليس شرفا عظيما يُحسب للرجل ـ ما دام القياس هو “نقطة البيكار” الأمريكية! ومن هنا ليس محزنا ولا مفرحا أن تقتل الوكالة “زلمتها”! ومن هنا، أيضا، تكون المسألة قد انتهت.

ومع هذا فهي لا تنته هنا، على الأقل بسبب من تلك القراءات التي لا تنفكّ تنهال على فضاءات الشبكة. وهي غير منتهية، أيضا، لما لظاهرة بن لادن من دلالات بدأت في 11 سبتمبر ولا تنفكّ تتوالد. فلأن الرجل رمزا لمرحلة أو على الأقلّ ظاهرة كونية، فإن التوقف عند تصفيته يتجاوز فعل التصفية وتفاصيله المعلنة مسبقا.

لقد استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية كأي مركز قوة كل فرصة سنحت لها لتمرير سياساتها بما في ذلك الحركات الجهادية والسلفية. وهو ما فعلته أنظمة سياسية عربية استثمرت المد الإسلامي لضرب قوى اليسار والتقدم العلمانية في المجتمعات العربية ـ والأمثلة كثيرة. لكن هذا لا يعني أن يُلغى النقاش كلية مع هذه القوى لمجرّد أنها تصادمت بحكم حركة السياسة والتاريخ مع المشروع الأمريكي حيثما هو حاضر. إن الادعاء القائل بأن أمريكا ممثلة للغرب أنتجت عدوها الجهادي والإرهابي قبل 11 سبتمر وبعده لتطوّر سياساتها العدوانية، هو ادعاء صحيح، يوازيه ادعاء مضاد يقول بأن الحركات السلفية ذاتها عرفت كيف تحوّل العداء للسياسات الأمريكية والعولمة إلى آليات لاستقطاب العناصر وحشدها في معارك الجهاد ضد “الكفار” ومن أجل “رفعة الإسلام”! بمعنى، أنه في الوقت التي خططت فيه الدوائر الأمريكية للاستفادة من المدّ الجهادي وظاهرة “القاعدة” لتبرير سياساتها، عكفت عقول مدبّرة في معسكر بن لادن وأمثاله على استثمار هذه السياسات في تدعيم “مشروعها”. وهي حركة طبيعية في المساحة السياسية العقائدية، ليس لأحد فيها فضل على أحد!

بمعنى، أن مشروع بن لادن، وإن التقى بمشاريع أمريكية هنا أو هناك، إلا أنه مستقلّ منذ بداياته، له غاياته وأهدافه وتطلعاته الكونية. وهي ليست “ثورية” ولا تقدمية، في أي حال، وإن ناهضت الغرب وأمريكا مرة، والعولمة مرات! وإذا ما رصدنا صيرورات هذه المشاريع في تجربة “قاعدة” العراق أو المغرب العربي أو في تجربة “طالبان” في “الجهاد” وفي الحكم مثلا لأدركنا أنها مشاريع لاهوتية تأخذ السياسة إلى خانة الأسطورة وتخرجها خارج التاريخ بعنف راح بعشرات الرؤوس التي طارت ببثّ مُتلفز، وتبرع في قمع المرأة ووأدها حية، مشاهد لا تمثيلات تؤكّد بؤس الأيديولوجيا السلفية وانسداد أفقها، طرحها بن لادن أو الظواهري، أو المقاولين الثانويين المنتشرين في هذا الموقع أو ذاك.

مَن تحمّل مسؤولية أحداث 11 سبتمر وتوعّد بمثلها، لا يُمكنه أن يتوقع مصيرا غير الذي كان من نصيب بن لادن… لأنها “قوانين اللعبة” التي اختار أن يلعبها

قيل أيام الحرب الباردة أن القطب الأمريكي أسقط ما يكفي ويزيد من ضحايا باسم محاربة الشيوعية. وهذا ادعاء صحيح تكرّر بعد 11 سبتمر عندما انبرت الإدارات الأمريكية ومَن حالفها بالاعتداء على الديمقراطية فكرة وممارسةَ باسم مكافحة الإرهاب الدولي. وعلى خط التصادم هذا، رأينا بن لادن وغيره من رموز الجهادية السلفية يفعلون الأمر ذاته على طريقتهم وشريعتهم باسم “حق” مزعوم أو “مشيئة إلهية” أوحت بمقاومة الغرب ومثالبه. كون الفعل الثاني استجابة أولية للفعل الأمريكي الأول ـ جدلا ـ فهو غير مبرّر! بمعنى، أن إفرازات السياسات الأمريكية، مهما يشتدّ هولها، لا يُمكن أن تظلّل على مشروع بن لادن ورهطه وتحجبه عن العين الناقدة وعن سؤال العقل السياسي. بالقدر نفسه، لا يُمكن لأداء الجهاديين السلفيين، مهما يكن دمويا، أن يستر سياسات الاستغلال والقهر والتوزيع غير العادل للثروات في مستوى بلد أو في مستوى العالم.

مَن تحمّل مسؤولية أحداث 11 سبتمر وتوعّد بمثلها، لا يُمكنه أن يتوقع مصيرا غير الذي كان من نصيب بن لادن، ليس لأن في ذلك عدلا أو أي شيء منه، وليس لأن في ذلك حكمة أو مثقال حبّة منها، بل لأنها “قوانين اللعبة” التي اختار أن يلعبها.

لقد اتسعت ثقافة المركز الغربي على تعدد محاورها وتحولاتها التاريخية لـ”نقد العقل الغربي” على موجات متراكمة أحدثها فلاسفة ومثقفون لا تنفكّ نتاجاتهم تلهمنا وتُثرينا وتضع بين أيدينا معايير قياس وحُكم. وكانت أوساطا واسعة منهم في أوروبا وأمريكا الشمالية وعلى مدار الكون عجّبت في نقد السياسات الأمريكية لا سيما منها المصممة بحجة مواجهة الإرهاب. وهي في سياقها سعت إلى تفنيد ادعاءات وأطروحات غربية وأمريكية بشأن الشرق والإسلام السياسي والدين الإسلامي. وهذا طبيعي في إطار التمهيد لأطروحاتها النقدية المتنورة الما ـ بعد عرقية وحداثية. وقد فعل مَن فعل من زاوية المثقّف الغربي الذي ينتمي لهذه الثقافة أو المواطن في تلك الدولة أو من زاوية “المثقف الكوني”. لكنها ـ هذه الأطروحات ـ مهما تبلغ من حدّة وجرأة، ومهما تستقطب من تماثل منّا وتأييد، لا يُمكنها أن تُبقي نظرنا معلّقا على المركز الغربي وما ينمّ عنه وعن ممثليه من لاعبين دوليين أساسيين كإدارات أمريكية أو حلفاء لها أوروبيين. حريّ بنا أن نُعمل أدوات الحفر النقدية الغربية نفسها، أو أن نُنتج مثلها في فضاءات سياقاتنا نحن، وهنا سياق الثقافة العربية أو مساحة الإسلام السياسي وما يُنتجه من مشاهد وأنماط وتمثيلات. وهي فضاءات “تتوحوح” لمَن ينقدها بجرأة وحدة دون سقف أو كابح، وأقلّ لمن يُمترس فيها لنقد الغرب وممثليه. وإلا، وقعنا من جديد صرعى النقائض غير قادرين على رؤية البدائل أو إنتاجها. فيبقى السؤال، أيهما على حقّ، أمريكا أم بن لادن، بينما هو: كيف نتجاوز هذه الثنائية إلى ما بعدها، أو كيف يُمكننا أن نتحرك فيما نحن فيه لبلوغ الأسمى!


• مقتل الأمريكي بن لادن/ هشام نفاع

مقتل السّعودي- الإسلاميّ بن لادن/ علاء حليحل



المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. أعتقد أن كلام المعقّبة ضربا من العبث
    وإذا كانت هذه ثورية فهي جنون
    أو تقود حتما إلى الجحيم
    كلنا نريد شيء ما يغيّر العالم
    لكن ليس ثقافة الموت والدم الرخيص

  2. نريد شيئاً جديداً يقنعنا!هذا الكلام مستهلك وقديم ومنتهي الصلاحية أصبحنا نخجل من التفوه به!
    لا يعقل أن تناموا 10 سنوات لتستيقظوا على مقتل بن لادن ثم تبحثوا في أرشيفكم الأصفر عن التحليلات الصفراء لتكتبوا مقالاً كهذا في ال 2011!
    هذه التحليلات أو التعليقات أخي الموقر لا تعدو كونها “هرب تهرّب هروب”من مواجهة الأمر الواقع ومن الحقيقة مهما كانت مؤلمة حتى لا نقول إنها تعبر عن “كسل” في البحث وفي قراءة التاريخ ومتابعة المستجدات والغوص في تفاصيل هذه الظاهرة الكونية الثورية شئنا أم أبينا.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>