عن سوريا وقلبنا الملوّث/ مصطفى قصقصي

ربما كان هذا الغزل السياسيّ للنظام السوريّ “الإصلاحيّ”، تحت مسميات لا تحجب شمس الحقيقة، تذكيراً بضرورة التغيير هنا أيضاً. وجازاكم الله خيراً، كما قال ذاك التونسيّ الشريف. وستكون تلك هدية الشعب السوري البطل لنا

عن سوريا وقلبنا الملوّث/ مصطفى قصقصي

.

|مصطفى قصقصي|

مصطفى قصقصي

كان لا بدّ من صوت عودة بشارات الواضح والشجاع (“اعتمدو القلب”، الاتحاد، 28.9.2011)، وقبله أصوات قليلة أخرى، لكي يتخفف قلبنا، الأخلاقي والسياسي، مما مسّه من تلوّث إذ انقضّت عليه رطانة سياسية غريبة أصابته في مقتل فيما يتعلّق بموقف بعض القيادات الوطنية في الداخل الفلسطيني من القمع الدمويّ لحركة الاحتجاج في سوريا.

تاريخ سياسيّ نظيف، على مشروعية النقد لبعض مواقفه، تمّ  تجنيده طوعاً لإسعاف النظام الغارق بدماء شعبه، ثم تكبيله وتقويله، بوحي الإعلام الرّسمي السّوري المشهود له بموضوعيته ونزاهته! ما لا يجب أن يقال. الدفاع عن النظام السوريّ الفاشيّ تحت شعارات براغماتية فوقيّة هو فعل سياسيّ عدميّ يحتفل  بالانفضاض، المأساويّ حتماً في صدوره باسم فئة واسعة من الفلسطينيين في إسرائيل، للعروة الوثقى بين السياسة والأخلاق. وكأنّ الشعب السوري رقم زائد على معادلة التحرّر العربية؛ وكأنّ عطش السّوريين للحرية يهددّ ما سُمّي يوماً “جبهة الصمود والتصدّي”، والتي حذف منها التصديّ ولم يبقَ من صمودها سوى “الممانعة” عبر استخدام الدبابات لمداهمة المدن والقرى السوريّة الثائرة.

لو  كان المرء من أنصار القاموس التآمري المزدهر دوماً في الأدبيات السياسية الضحلة للنظام العربي المهزوم أصلاً، لأمكن القول إنّ هذا الموقف تآمر على نصاعة النضال الفلسطينيّ وعدالة قضيته وفرص انتصاره. لكن القضية لا تعوزها مفردات تآمريّة. لا يملك الفلسطينيون أينما كانوا ترف المفاضلة بين المقاومة والحريّة. لا يقاوم إلا المواطنون الأحرار. وحرية شعب فلسطين ليست نقيض حرية شعب سوريّا، مهما كانت الأسباب والظروف والتسويغات. والأنظمة المقاومة فعلاُ تحتمي بشعبها وليس منه ومن توقه المكبوت عقوداً إلى الحريّة والكرامة. فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أوطانهم أحراراً؟ طبعاً لا حاجة هنا إلى تعداد وتبيان الدلائل والوقائع المعروفة حول خلوّ النظام السوري من الممانعة الحقيقية وامتلاء سجله الأسود بالجرائم في حق السوريين واللبنانيين والفلسطينيين.

التبسيط المرعب في سطحيته، “الوقوف دائماً حيث لا تقف الولايات المتحدة”، ينهار عند المعطيات الأولى للثورة العربية الكبرى المنطلقة من تونس، ويلتقي مع المواقف المعلن منها والمستور لأكثر الأنظمة العربية رجعيةً. يتساوى هذا الموقف مع القول إنك مع نظام القذافي لأنّ أميركا دعمت إسقاطه، ومع نظام مبارك وضدّه لأنّ الحكومة الأمريكية تذبذبت في موقفها إلى حين أذعنت وتراجعت أمام مدّ ميدان التحرير.

وكيف يمكن اختزال السياسات الأمريكية على بشاعتها بهذا الشكل تماهياً مع مقولة بوش المندثرة: أو معنا أو ضدنا. الإنسان هو بوصلة المواقف السياسية الشريفة والاختبار النهائي والقاطع لصحتها، في كلّ زمان ومكان.

لم تتخلّص بعض القيادات العربية المحليةّ من ذلك النوع الفجّ من الوصاية الفكريّة التي لا تتنازل عن دورها الأبويّ وتضيق ذرعاً بالاختلاف بل وتخونّه أحياناً

تكريس التناقض بين الممانعة المزعومة للنظام السوري والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيزه بـ “الفزّاعة الطائفية”، هو خطيئة سياسية لن تكفي التخريجات السياسية بمنطقها الاستفزازيّ لغسلها أو ترويجها حكمة لا يرقى إليها “فكر العوام”. إنّ الواقع السياسي الأقليميّ والدولي هو على درجة من التعقيد لا تحتمل الطهرانية في المواقف، والحكومات الغربية تحمي مصالحها في العالم العربي استبدّت الأنظمة العربية أم جنحت إلى الديمقراطية، والثورات لا تخلو من الأخطاء الفادحة المدانة، وثمة أجندة إعلامية للتركيز على سوريا وإهمل أقطار عربية أخرى تقمع شعوبها بنفس الطريقة الوحشيّة، هذا كلّه لا يعفي أحداً من غضّ الطرف عن القتل والتنكيل والتشريد والاعتقال الذي يمارسه النظام السوريّ في حقّ شعبه. بينما الإمعان في  عقد مصالحة لغوية مشينة بين القاتل والقتيل، وإدعاء الوقوف في آن مع النظام المدجج بآلة قتله والشعب الأعزل إلاّ من نبض حريّته، لهو من الفتوحات المشهودة في العلوم السياسية والبلاغية العربية الحديثة!

الثورة العربية التي لم تكتمل فصولاً بعد، لم تكنس أنظمة عربية بعينها، وإنما عقلية عربية هرمة وصدئة من موقعها المتكلّس بعد أن تجاوزته وأحالته ثكنة مهجورة إلا من فلول الأنظمة والمعارضات العربيّة التقليدية والفكر السياسي المتخصص بعقلنة العجز. الثورة العربية لم تستأذن أحداً ولم تنحنِ لتراتبية جيلية فقدت مصداقيتها وأهميتها لأنها لا تعدو في معظم الأحوال كونها ظاهرة صوتية. لرسالة الثورة هذه عناوين أيضاً في الطبقة السياسيّة الفلسطينيّة في اسرائيل. لم تتخلّص بعض القيادات العربية المحليةّ من ذلك النوع الفجّ من الوصاية الفكريّة التي لا تتنازل عن دورها الأبويّ وتضيق ذرعاً بالاختلاف بل وتخونّه أحياناً، وربما كان هذا الغزل السياسيّ للنظام السوريّ “الإصلاحيّ”، تحت مسميات لا تحجب شمس  الحقيقة، تذكيراً بضرورة التغيير هنا أيضاً. وجازاكم الله خيراً، كما قال ذاك التونسيّ الشريف. وستكون تلك هدية الشعب السوري البطل لنا.

عند السقوط الحتميّ القريب للنظام السوريّ سنعتذر جميعاً عمّا اقترفه البعض باسمنا وباسم قضية فلسطين العادلة. أنا أعتذر منذ الآن.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

8 تعقيبات

  1. الى جميع المتبجحين…
    عن اي حرية تتكلمون؟
    عن منع المرأة قيادة السيارة وسلبها حرية الخروج واللبس والاستقلالية؟
    عن منع الطوائف المتعددة من ممارسة شعائرها بكل حرية؟
    عن اعادة سوريا الى العصور الوسطى؟

    سوريا بلد ذو تركيبة طائفية معقدة, اكثر من 15 طائفة, وكلنا نعلم ما عقليات طوائف المنطقة!
    اذا سقط هذا النطام سنشهد عراق 2, سنشهد حمامات دماء لا ندري متى تنتهي… هاكم العراق, 9 سنوات وما زالت الدماء تجري يوميًا في شوارعه…
    مناطق مسيحية هجّرت بأكملها… من مليوني مسيحي لم يبقَ سوا بضع آلاف إن لم نقل مئات…

    الم تشاهدوا المظاهرات وما يهتف بها المتظاهرون؟
    “المسيحي ع بيروت والعلوي بالتابوت”…
    “يا مسيحي دورك جاي بالبارودة مش عصاي”…
    أهذه الحرية التي تطالبون بها؟

    لماذا لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث تعلن بكركي موقفها المؤيد للنطام السوري مما يجعل الفاتيكان يتبنى ذلك الموقف؟

    أتعلمون… لنطرح هذه الامور جانبًا قليلاً..
    أليس هذا النظام هو النظام الوحيد الذي دعم المقاومة وناهض على أعين العالم كله المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة؟
    ألم يبقَ النظام الوحيد الذي قال لا لأمريكا؟
    هل هذا هو الوقت الأمثل للإطاحة به؟

    ناهيكم عن الاقتصاد السوري الذي يسبق جميع الدول العربية …
    من اكتفاء ذاتي, لصناعة لزراعة لتعليم لمعاهد لطب…
    هل تعلمون انه يوجد سيارة انتاج سوري؟ تدعى سيامكو..

    كفى ذر للرماد في العيون…
    الاسد ليس مبارك ولا بن علي…
    الأيام القادمة ستبرهن لكم مدى صمود الشعب السوري أمام المؤامرة الكبرى التي يتعرض لها…
    عاشت سوريا بلد الحضارة والتاريخ والتآخي بين أبناء الشعب الواحد…

  2. الى رياض بلان
    دخلك ولأي عقلية ينتمي الاخ ؟؟
    جماعتك اغتالو بالامس سارية حسون ابن مفتي الجمهوريةهل عندك علم بذلك ؟ هل شاهدت الوالد المفجوع والغصة تخنقه ؟
    عن اي شعب سوري تتحدث واي شعب سوري تناصر ؟؟الشعب الذي تقتله انت وجماعتك والفضائيات الهتافة للمجازر؟

  3. الى رياض بلان

    انت تتحدث عن رائحة التعليق يا عرعور؟
    سبحان اللي خالق عقليتك ما اصفاها!
    وكيف تفضل الحرية وحياة ابوك ؟؟تفضل الحرية بنكهه الطائفية؟ ام الدم المستباح ام باغتصاب القاصرات ام بعويل النساء ام ببتر الاطراف ام ببقر البطون ام بالتمثيل بالجثث ام بالذبح ؟؟؟ !!
    مباركة كل رصاصة تطلق من بندقية الجيش العربي السوري الابي !!!
    عاشت سوريا الاسد

  4. الى شبيحة،
    من رائحة تعليقك نستشف عقليتك البعثية الاشتراكية…….والأسديه.
    عاشت سوريا عاش الشعب السوري .
    حريه. حريه حريه. حريه حريه حريه .

  5. الى سلمان

    لم لا والكعكة تقبل القسمة على الجميع والافواه برائحة القبور تتقيأ الجيف وتنتظر التحلية بنكهة آل خرافة!

    خسئ آل خرافة وعاشت سوريا الاسد !

  6. معلوماتك تعتمد على قناة الجزيرة الاجيرة والعربية العبريةوالفضائحيات وشهود العميان والشاهد من عطارد ولذلك ما بني على باطل فهو باطل لذلك ستنتظر طويلا على الرصيف السوري في انتظار “السقوط الحتميّ “الافتراضيّ وتلهى واقرانك في سرد القصص يّا قصقصيّ …وانتظر واعتذرحتى قيام الساعة..

    اتحداك!

  7. لا أعتقد أن هنالك فلسطيني وطني عاقل مؤيد للقمع وقتل الأبرياء …. ومناهض للحرية ،الديمقراطية والدولة المدنية !! إنطلاقا من هذه الفرضية، فإن الأختلاف (الأنقسام )الحاصل بالشأن السوري والذي يبدو وكأنه بين داعمين “للثوار ” من جهة ومؤيدين للنظام من جهة أخرى … ليس حقيقيا !! إن ما يُستشف من الكتابات المتعددة حول هذه الأزمة ،أن الداعين الى إسقاط النظام ، الديمقراطية ، الحرية ووووو…. وهم غالبا صادقون بقناعاتهم إلا أنهم لا يحتملون الرأي المغاير الذي بالأساس مصدره القلق والخوف على مصير سويا وشعبها ،والمنطقة وكأن حرية التفكير ليست ضمن الحريات المنشودة !!!؟

  8. يا سيدي
    طيب حلو الموقف هذا
    تطالب المتأخرين عن الموقف السليم أن يتخذوه
    وتذكر الأخلاق،
    من أخلاقيات الكتابة ما دمت ذكرت بشارات أن تذكر
    من سبقه بكثير وبوضوح أكبر في بلورة موقف أخلاقي
    وسياسي يُدين النظام السوري وقمعه لمواطنيه
    من يدعو إلى أخلاقية وصدق في مسألة ينبغي أن يكون كذلك في سياقات أخرى
    اقرأ نبيل عودة من قبل ورائف زريق وسليمان جبران ومرزوق حلبي وغيرهم
    لقد سبقوا بشارات بكثير في الزمن والموقف وجلائه
    لا يضرّ في زمن القمع وغياب الإنصاف في العالم العربي أن ننصف بعضنا هنا

    خُذها ملاحظة

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>