مظفر النواب يخضع للعلاج وأدباء يكشفون سرّ بكائه ورفضه تدوين سيرته الذاتية

حالة الشعر عنده حالة حضور كلي يتدفق وينساب يهدر ويثور يغني ويبكي وقد ينفعل لدرجة الفوران والغليان هناك حيث تستوي الكلمة التي لا تروق لكثير من الناس والتي لم يبقَ سواها معبرًا عن حقيقة مؤلمة وجارحة

مظفر النواب يخضع للعلاج وأدباء يكشفون سرّ بكائه ورفضه تدوين سيرته الذاتية

|زياد ميمان- دمشق|

عزف على وترياته الليلية وتنفس عبق الشعر بين الريل وحمد؛ شاعر يسكنه العراق بأهله ونخله،  ولطالما تناقل الجمهور العربي قصائده اللاهبة سرًا وعلانية لما لها من تماسّ مع الواقع المعاش. تميز بجرأته وتناوله لموضوعات ذات خصوصية كبيرة، فكان له الحضور الأمثل والقصيد الأجمل، ورغم دوّي قصائده بيد أنّ هذا الشاعر غادر دائرة الضوء بصمت ممتنعًا عن إجراء الحوارات الصحفية منذ أمد.

إنه الشاعر العراقي مظفر النواب الذي قصدت “الوكالة” السؤال عنه وعن أخباره وفاء لذكرى القصيدة.


د. حسين سرمك: رغم أنه لا ينشر الشعر إلا أنه يكتب باستمرار..

كانت البداية مع الدكتور الناقد العراقي حسين سرمك، الذي تحدث للوكالة عن أخبار النواب قائلا: “النواب مقيم في دمشق بصورة دائمة في منطقة السّبع بحرات وهو الآن في الإمارات للعلاج من مرض مصاب بما يشبه داء الرّعاش، وقد عُولج في دول عدة وهو مرض مزمن كما هو معروف”. وحول شخصية النواب أضاف سرمك: “المبدع مظفر النواب ومن خلال لقاءاتي به إنسان بسيط جدًا.. في غاية التواضع، شديد التهذيب، كريم النفس بشكل كبير، تشعر بالألفة معه من أول لحظة. يسمع أكثر ممّا يتحدّث. رغم مرضه يقف ليستقبلك عند الباب ويودّعك بنفسه. يقرأ باستمرار ويتابع الوضع الثقافي العربي. متعلق بوطنه حدّ المرض خصوصًا عندما يتابع ما جرى في وطنه من خراب رغم أنه لا ينشر الشعر الآن إلا أنه يكتب باستمرار حسب قوله”.


بسام صالح مهدي: لا يجابه خصومه الذين يخطئون معه..

الشاعر العراقي بسام صالح مهدي وبحكم إقامته في العاصمة السورية دمشق فقد كان مقربا من النواب وجمعتهما لقاءات عدة. بسام مهدي يقرأ النواب شاعرًا وشخصًا عبر حديثه للوكالة حيث يقول: “النواب تجربة شعرية عربية أخذت مداها الواسع وإن اختلط فيها الجانب النضالي مع الفني وعلى مستوى العامي والفصيح كان تجربة مؤثرة في الأوساط الشعرية والسياسية.

“وهو في العامي رائد من رواد التجديد في القصيدة العامية العراقية، وهذه التجربة أخذ حقها من النقد والذيوع وتأثر الشعراء بها بشكل واسع. أما عن تجربة الشعر الفصيح فشعره له بصمة خاصة جداً نابعة من طريقة إلقائه للشعر، ويمكن تقسيمها إلى قسميْن: الوجدانيات والحماسيات. وإن أخذت الحماسيات انتشاراً أوسع لجرأتها إلا أن القيمة الفنية الحقيقية تكمن في وجدانياته.

“والنواب شخصية وديعة جداً وهادئة وحين تجلس معه يكاد صوته لا يسمع، وهو يكتب بحرف صغير جداً يكاد لا يقرأ، كان سابقاً لا يتأخر عن أيّ شخص يطلب لقاءه وإن كان لا يعرفه، أما الآن فأمراض الشيخوخة تحول بينه وبين هذه اللقاءات. ولقد روى لي بعض الخصومات التي كانت بينه مثلا وبين بعض المطربين والشعراء ولكنه لا يجابههم بالرد حين يُخطئون معه”.

وتحدث بسام صالح مهدي عن فكرته في كتابة سيرة النواب التي تراجع عنها النواب بعد موافقته، حيث يقول بسام مهدي: كنت في أول إقامتي في دمشق مُصرًا على إقناع النواب بضرورة طباعة دواوينه الشعرية بنفسه وكتابة سيرته الذاتية، وقد تحاورت كثيراً معه في هذا الشأن في سنة 2002 في مقهى الهافانا واتفقت معه على تدوين سيرته الذاتية. وبعد لقاء آخر غيَّرَ رأيه واعتذر عن إكمال تدوين السيرة لأنه بحسب قوله: يصيبه القلق عندما يتذكر الماضي ففيه ذكريات الأهل والأصدقاء والطفولة ما يسبب له الألم، فعكفتُ على تدوينها بنفسي وجمعتُ الحوارات الصحفية والتلفزيونية التي أجراها في حياته وأعانني الشاعر الصديق محمد علاء الدين عبد المولى في هذا الأمر، وقمت بكتابة حلقات من سيرته الذاتية ونشرَ بعضها في دوريات عديدة”.


رفض دعما ماليا عرضته الحكومة العراقية

وحول آخر لقاءاته بالنواب قال الشاعر بسام صالح مهدي: “كانت آخر زيارة له قبل أشهر وبحضور بعض الأصدقاء وكان متعباً صحياً ولا يقدر على إكمال أي حوار وكلما سأله احدهم عن شيء يجيبُ بعبارة قصيرة ثم يقول: “قصة طويلة”.

“النواب رفض ويرفض أموالاً كثيرة عرضت عليه من جهات رسمية ومن أشخاص؛ نفسه عزيزة لا يقبل المساعدات، وهو كما هو يعيش ببساطة وما زال شيوعياً حدّ النخاع وهو يميل إلى التَّشَيع قليلاً بحكم نشأته، ووضعه الصّحي لا يُطمئن فأمراض الشيخوخة قاسية عليه. ويسأل عنه الكثيرون ممن يرغبون في رؤيته ولقائه ولكنه يرفض وثمة أصدقاء لا يفارقونه ليل نهار من أصحابه القدماء وهم مشكورون يعتنون به وبأحواله.

“وبحسب علمي أنّ الحكومة العراقية السابقة عرضت عليه عروضًا مالية لمساعدته وكذلك فعلت الحكومة الحالية ولكنه يرفض دائماً.”


عبد الفتاح عثمان: يبكي حين يتذكر أمه..

بدوره تحدّث الشاعر عبد الفتاح عثمان عن صمت النواب الذي استقرأه عبر لقائه به حيث يقول: “النواب هو النهر المترقرق المنساب إذا كان راضياً وهو العاصفة الهوجاء المؤلمة إذا كان ساخطاً وما بين هذين الحلين يلوذ بالصمت؛ فقد يجلس لساعات طوال صامتاً وهو مستمع جيد يصغي للحديث بكليته ويشف أحياناً لدرجة التماهي مع المتحدث والتفاعل معه بحسن إصغائه. يتألم كثيرًا لما يرى ويسمع وتراه يبكي بكاء الأطفال لتذكره أمه التي توفيت وهو بعيد عن العراق.

“حالة الشعر عنده حالة حضور كلي يتدفق وينساب يهدر ويثور يغني ويبكي وقد ينفعل لدرجة الفوران والغليان هناك حيث تستوي الكلمة التي لا تروق لكثير من الناس والتي لم يبقَ سواها معبرًا عن حقيقة مؤلمة وجارحة فهو لا يرحم من يتعدى على حدود الوطن وحرمته وحدود الإنسان وكرامته. غنى للأمة بكل ما فيها من آلام وآمال ونظر إلى الأفق البعيد فينتظر طموحاتها المعلقة بالأحلام والغيب.”


أسامة أسبر: كرسي مخصص للنواب في مقهى الهافانا

وحيث كان يواظب النواب على الحضور، دخلت “الوكالة” إلى مقهى الهافانا في دمشق وتحدثت إلى الأستاذ الناشر أسامة أسبر الذي تحدث عن النواب الشاعر الذي يفتقد أسبر حضوره في الهافانا حيث يقول: مظفر النواب من الشعراء العرب الكبار الذين جلسوا في هذا المقهى الذي جلس فيه الشاعر أدونيس والشعراء العرب المغتربون، ومنذ زمن لم أعد أرى النواب في هذا المقهى بحكم تواجدي شبه اليومي هنا. وأظن أنه نظراً لظروفه الصحية لم يعد يجلس في أيّ مقهى”.

ويشير الأستاذ أسبر لكرسي في باحة المقهى قائلا: “كان ذلك الكرسي القريب من الشارع العام مخصّصًا للنواب وكنا نراه هناك دائماً. وهذا الشاعر قضى الكثير من الوقت بين جدران هذا المقهى العريق. وهو مهذب لأبعد الحدود وإنسان محترم جدا، وأحياناً كان يتعرّض لإزعاجات من الحضور وأخصّ المعجبين به، فمنهم من يريد توقيعه ومنهم من يريد أن يقرا له، إلخ…”


الطالب الأميريكي ألكس: آر بي جي!

وللصدى الذي حققته قصائد النواب فقد كان حضوره لدى المتلقي الآخر -غير العربي- لافتا. فهذا طالب أميركي اسمه ألكس يدرس الأدب العربي في جامعة دمشق يتحدّث للوكالة عن النواب فيقول: “لم ألتقِ بالنواب ولكنني قرأت له بعض القصائد وأذكر منها قصيدة آر بي جي، وأتمنى أن ألتقيه فهو من كبار الشعراء العرب المعاصرين.”


عامل في مقهى الهافانا: نرجو له الصحة والعافية

وقد كان لعمال مقهى الهافنا التي يرتادها النواب صوتهم المشبع بحبّ الشاعر النواب حيث تحدث أحد عمال المقهى للوكالة قائلا: “يختلف كل زوار المقهى حسب ثقافاتهم وخلفياتهم وأفكارهم وأنت من نظرتك للشخص تعرف أنه مثقف أو غير مثقف ومن جلسته وطريقة معاملته لنا. ومظفر النواب كانت معاملته لنا جداً رائعة فيعتبرنا إخوة له ولا يطلب منا الخدمة إلا بطريقة لبقة ومهذبة. نرجو له الصحة والعافية وأن يعود لمقهانا من جديد.”


خطيب بدلة: جاب عواصم العالم، ولكنه كان يعود، في كل مرة إلى دمشق

ولعلّ مما قد يختصر بعض سيرة النواب شاعرا وإنسانا ما قاله القاصّ السوري خطيب بدلة: “مظفر النواب.. الرجل الشجاع، المقدام، العنيد، المحارب، الملاحَق، الهارب عن طريق الأهواز باتجاه موسكو، المقبوض عليه من قبل مخابرات (سافاك) الشاه البهلوي، المُسَلَّم إلى مخابرات العراق، المحكوم عليه بعدها بالإعدام، المخفف حكمه إلى المؤبد، المسجون في نقرة السلمان عند الحدود العراقية السعودية، المنقول (المُسَرْكَل) إلى سجن الحلة، الحافر نفقاً في الأرض تحت سجن الحلة، ثم الهارب ورفاقه من السّجن إلى الأهوار ليعيش سنة مع الفلاحين، ثم الهارب مرة أخرى، الهائم على وجهه في عواصم العرب والعالم.. المستقر أخيراً في دمشق..”

جاب مظفر النواب عواصم العالم كلها.. ولكنه كان يعود، في كل مرة إلى دمشق.

مظفر النواب اليوم في دمشق.. ولكنه الآن.. شيخ كبير (76 سنة)، مريض، متعب، وحيد..

مظفر النواب، الشاعر المبدع، ذو النفس الثائرة، الكبيرة، المحلقة في الأعالي، يعجب من الركون، ويكره الاستكانة، ويمقت اللطف المصطنع، ويمجّ الكياسة المدربة، ويغضب من الديبلوماسية المخاتلة، لذلك فقد خرج عن طوره حينما رأى القدس تذبح وتستباح من قبل زناة الليل، وشرع يسب الراكنين، المستكينين، المراوغين، اللطيفين، الكيسين، المخاتلين بالشعر.

(عن: وكالة أنباء الشعر)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. جبل في عصر الاقزام ..النواب شاعر طربنا لقصائده وحفظناها رغما عنا ..عشنا معه الامه واماله .. غضبه ورضاه .. حبه وحقده ..شاعر لم ينحني يوما امام الريح .. ودفع ثمن ذلك غاليا ..وافقناه على كثير مما قال – وان كان بذيئا – ولكن ” سادتي المعذرة ما بذيء انا .. وصل القيح للحنجرة ” وعاتبناه على البعض الاخر .. ولا باس ” نغفر لك حزنك وغضبك وكلماتك القاسية .. بذيئة لا باس .. اروني موقفا اكثر بذاءة مما نحن فيه” ” حملت البندقية قلبا وطويت عليها شغافه” .. ” كنت فلسطين مهما انتماؤك ” .. ” ما زلت تطير .. فهذا الوطن الممتد من البحر الى البحر سجون متلاصقة سجان يمسك سجان ” .. ” قلت الهجرة وطن والحقيبة افضل المساكن” .. لم تتزور كما تزور الاخرون … لم تبع قلمك وشعرك كما باع الاخرون .. اخطات حين وصفت ما جرى في العراق انه تحرير .. ولكن لا باس .. نغفر زلتك – خصوصا اذا علمنا انك لم ترض ان تعيش فيه رغم حبك له – فهذا اقرار ضمني ان ما جرى لم يكن تحريرا .. شتان بينك وبين من عاد الى وطنه في ظل الاحتلال .. شتان بينك وبين “من يسمي احتلال البلاد ضيافة ..” ايها النواب .. ايها النورس الحزين .. عشت عملاقا وستموت عملاقا .. وستخلد ذكراك قصائدك التي لا تنحني للريح ..وعشقك الذي لا ينتهي .. وغضبك الهادر ..

  2. هذا الشاعر يسيء الادب فيسب الصحابة من منطلق تشيعه بل قد استمعت الى بعض قصائده يسيء الادب مع الله سبحانه من منطلق شيوعيته نعوذ بالله

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>