هيّ ثورة/ ياسمين ظاهر

مثلما يرابط الشعب المصري بنسائه ورجاله في ميادين مصر الآن ليحمي ثورته، فعلى المرأة أيضًا أن تبقى مرابطة لتحمي مكتسباتها ومكتسبات الأجيال السابقة واللاحقة

هيّ ثورة/ ياسمين ظاهر

المرأة المصريّة الثائرة في ميدان التحرير حررتنا من أساطير كثيرة

 

|ياسمين ظاهر|

عندما خرج الشعب المصري الى الشارع، خرجت النساء- دون أيدولوجيا. تحركهن إنسانيتهن ومواطنتهن التي استباح النظام قلبها وقالبها. خرجت النساء مدافعات عن حقوقهن وحقوق شعبهن. خرجن للمعارضة بنفسهن دون حاجة الى أبواق تتحدث باسمهن. لقد خرجن من قبو التاريخ، لأن الخروج هذه المرة أتى ليدافع عنهن، عن حرياتهن، في وجه قمعهن، وليس دفاعًا عن أية سلطة ذكورية أخرى تهين النساء أو تتسلط على حياتهن أو تدعي الوقوف الى جانبهن.

أقول “دون أيدولوجيا”، لأن الحرية بحاجة الى تسييس ووعي دون أيديولوجيات شمولية، لأن الشعب المصري يعي منذ سنوات انه مسحوق ومظلوم وفقير، وبقي فقط أن يربط هذا الظلم بذاك النظام، وأن يربط خياراته الآنية بمستقبله وأن يؤمن بانه قادر على التغيير. عمليّة الربط هذه قام بها مثقفون ومثقفات، مناضلات ومناضلون وصحفيون وصحفيات على مر العقود الثلاثة الأخيرة، ودفعوا جميعهم أثمانا باهظة لصدقهم وإخلاصهن لقضاياهن ولكن الشعب وحده بكل أطيافه من حوّل الفكرة الى حقيقة.

تحت غطاء وحماية النظام تحولت الساحات العامة في القاهرة وغيرها من المحافظات الى ساحات للتحرش بالنساء وملاحقتهن. حالات العنف والاغتصاب كانت جزءا من هشاشة الحيز العام المسيّج، ومن صورة الرجولة والفحولة التي وإن لم يكن هذا النظام او ذاك هو من صنعها، فإن سياسة الأنظمة المستبدة لعبت دورا أساسيًا في تأجيجها وترسيخها والإبقاء عليها، لتصبح أسطورة المرأة المصرية التي تُلقى في النيل لتهدئته، خيالا جماعيًا يمارَس بصمت تارة وبفخر تارة أخرى، ولتتحول فيه الإنسانة الكاملة الحقوق بالنظرية الى أداة تعبئة جماهيرية ولعبة بأيدي الشارع حينا وبأيدي النظام أحيانا، لتطعيم الشعور بالظلم بهوامش قوة، وإشباع الحقوق بامتهان حقوق أخرى.

لم تفلح “السيدة الأولى” سوزان مبارك -السابقة الآن- في تسجيل أية تغيير وتحسينات تذكر في مكانة المرأة المصرية. لم تحدث يومًا منصات مؤتمراتها العالمية أي أثر تُحسد عليه. فنظام يخنق الحريات والاقتصاد ويفتت الحيز العام ويرصد الحيز الخاص، لا يستطيع أن يقدم أي شيء للمرأة. لقد قالت مرة المفكرة المصرية نوال السعداوي للنساء التونسيات أن الحبيب بورقيبه، الرجل الحاكم، وقوانين الأحوال الشخصية التي وضعها، لن تنقذ المرأة التونسية من براثن الاستبداد الذكوري. اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، نفهم كلامها. نحن بحاجة الى روح الثورة لنفهمها، بحاجة الى الجماعة لنعرف أن الواحد لا يشتق من الألوف، لنفهم أن المشاركة هي ما يصنع القانون، وأن المرأة هي باسمها بعقلها وقوتها من تصنع حريتها وتاريخها.

لقد نسينا أن الأساطير لا تصنع تاريخًا، وأكدت المرأة المصرية لنا هذا اليوم. المرأة المصريّة الثائرة في ميدان التحرير، حررتنا من أساطيرنا الشخصية والجماعية، من سيناريوهات التحرير التي ارتأيناها أو نسيناها؛ لقد وضعتنا أمام الحقيقة، وجها لوجه. لقد ذكرتنا ثورة مصر ماذا يعني الكبرياء، وكم جميل أن تنتمي، وماذا يعني أن ترفعي رأسك في الصباح لأنك تنتمين الى هذه الأمة، وأخيرًا تعلمنا!

مثلما يرابط الآن الشعب المصري، بنسائه ورجاله، في ميادين مصر ليحمي ثورته، فعلى المرأة أيضًا أن تبقى مرابطة لتحمي مكتسباتها ومكتسبات الأجيال السابقة واللاحقة. عليها ان لا تبرح المكان دون ان تضمن مناصفة تامة وحقها بالحكم، المشاركة السياسية في صنع الديمقراطية، وضع الدستور والحصول على حقوق مدنية كاملة وقوانين أحوال شخصية تنصفها. لا احد فينا يجرؤ حتى أن يقول للمرأة المصرية ماذا يجب عليها ان تفعل – نحن فقط نذكر ونذّكر أنه في ثورات شعبية سابقة، لدى كل شعوب الارض، وبعد أن صنعت النساء الثورة كالرجال، طُلب منهنّ أن يعُدن الى البيت، ليربّين الجيل القادم! نحن محبات لمصر، قلقات على نسائها وعلى رجالها، ونعرف أن الحرية، الازدهار والعدالة لا تكتمل ولن تكون أصلا إن عادت المرأة المصرية من بيتها الكبير الى “بيتها” المسيّج.

ثورة مصر – كل الشعب- غيرت واحتضنت تاريخًا ومستقبلا جديدًا. عليها الآن الآن وليس غدًا -كما قالت فيروز- أن تعلن أن المرأة شريكة متساوية في كل شيء، في كل شيء.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>