جولة قصيرة في عمان مع حراكها الشبابي/ ربيع عيد

. |ربيع عيد– عمان| بعد عبورك معبر “وادي الأُردن&# […]

جولة قصيرة في عمان مع حراكها الشبابي/ ربيع عيد

مقهى بيت بلدنا

.

|ربيع عيد– عمان|

ربيع عيد

بعد عبورك معبر “وادي الأُردن” والانتهاء من كافة الاجراءات والاكتشاف بأنّ تسعيرة العبور أصبحت عشرين دينارا بدل عشرة دنانير، تأخذ تاكسي من المكتب المعتمد والوحيد من المعبر إلى عمان لتكتشف أن تسعيرة التاكسي ارتفعت هي أيضا وبشكل ثابت إلى 31 دينارًا، بعدما كان بإمكانك في السابق “مفاصلة” سائق التاكسي.

ننزل أنا ومجموعة من الرفاق التقيت بهم صدفة على المعبر وقرّرنا تقاسم التاكسي في “دوار المدينة” في عمان لآخذ بعدها تاكسي أخرى إلى “المجمع الشمالي”، حيث ينتظرني صديقي فارس؛ لكن صاحب التاكسي أصرّ بداية بعدما رأى حقيبتي السفر على أنّ التسعيرة هي عشرة دنانير، لكنني قلت له ضاحكا هذه ليست المرة الأولى لي في عمان فأنهينا العملية بدينارين.

جلسنا أنا وفارس على الرصيف في “المجمع الشمالي” نحتسي القهوة “السادة” ونتبادل آخر أخبارنا، لنذهب بعدها الى “دوار الداخلية” حيث تنتظرنا لبنى صديقة فارس. جلسنا تحت الجسر في انتظارها وبدأ فارس يشرح لي ما حدث في 24 آذار في هذا المكان الذي إنطلقت منه الاحتجاجات المنادية بالإصلاح  وكيف هجمت قوات “الدرك” على المعتصمين.

تصل لبنى في سيارتها لنذهب سويا الى مقهى “بيت بلدنا” في منطقة “اللويبدة” الذي يطلّ على البلدة القديمة، ويعتبر ملتقى للمثقفين والفنانين والنشطاء السياسيين في زحمة هذه المدينة. نكمل حديثنا عن شباب 24 آذار والحراك الشبابي: “أول مرة بحسّ حالي أردني عنجد”، يقول فارس ويضيف: “كنت خلال الإعتصام وفعالياته أرسم على وجوه المعتصمين وأمرّ على جميع المشاركين وأسلم عليهم وأقبلهم مع انني لا اعرفهم، لكن هناك شعورًا بأنك تعرف الجميع والجميع يعرفك”.

“لم أشعر بغربة كوني أنثى في وسط اعتصام ليليّ؛ كان الجميع أخوة بالنسبة لي ولم اتعرض لمضايقات من احد، اول مرة اعيش هذه الحالة”- تقول لبنى عن تجربتها البسيطة، وتضيف: “حتى في اليوم الثاني عندما هاجمتنا قوات الامن والدرك والبلطجية حيث قاموا بوصفنا بأننا من دون أخلاق وإسماعنا كلمات نابية كوننا تركنا بيوتنا ونقف مع شباب على حد قولهم، أذكر أنّ أحدهم قال لأحد الشباب الذي كنت أقف بجانبه في الصفوف الامامية والذي لا أعرفه “ما بتستحي اختك تاركة البيت وطالعة”، فقال له “أختي وانا حر فيها انت مالك..؟؟”".

بين إسطنبول وحماة

ينضمّ إلينا عبدالله العائد مؤخرا من زيارة الى مدينة اسطنبول ليحدثنا عن زيارته وانطباعاته الجميلة عن تركيا “المدنية الحداثوية المتصالحة مع هويتها الإسلامية”، كمن يزور مكانا يحلم بأن يعيش فيه. يقول عبدالله: “تركيا بلد التناقضات الجميلة.. ترى المتدين وترى العلماني، خمارة قريبة من المسجد، المتدين مستعد أن يجلس معك وأنت تشرب الكحول ويحاورك ويناقشك محترما خياراتك وحقك في الإختلاف لكنه يحاول إقناعك برأيه من دون أن يلغيك… يحبون أردوغان بشكل كبير، حتى أشخاص من غير حزبه.. بالنسبة لهم رفع من مكانة تركيا وقام بإصلاحات داخلية كبيرة، يا ريت دولنا العربية تصير زي تركيا”.

وكما في كل جلسة مؤخرا لا بد من فتح ملف الثورة السورية خصوصا وأن عبدالله شاب سوري الأصل من مدينة حماة لكنّ والده ترك سوريا عام 1982 بعد مجزرة حماة كونه كان مطلوبا للنظام للإعدام بالرغم من أنه “لم يكن اسلاميا بالمرة”. يحدثك عبدالله عن سوريا اليوم بألم وحزن نافيا ما يُقال بأنّ من يحرّك الاحتجاجات في سوريا أيدٍ خارجية أو أن الذي يحركهم في الداخل هم الإخوان المسلمين لسبب بسيط “الناس تعبت وبدها تغيير وحرية… والناس اليوم اذا بترجع على بيوتها راح ياكلوها.. من أهم الأشياء اللي بتخلي الناس تضلها مكملة بالثورة هو الخوف.. الخوف من انو اذا رجعوا على بيوتهن راحت عليهم.. بعدين يا اخي الاخوان المسلمين ممنوعون من النشاط السياسي من عشرات السنين.. فجأة صارو هنني اللي عم بقودو الثورة؟”.

فارس يقرأ "فصل المقال" على دوار الداخلية

دوار باريس

مساء وبعد مشاركتي في حفلة “مشروع ليلى” في جبل القلعة التي التقيت خلالها كمًّا هائلا من الأصدقاء الذين لم أتوقعهم
(ولم يتوقعوني ايضا)، قدموا من الداخل إلى “بوابتهم الثقافية” للعالم العربي-عمان، التقيت بفارس مجدّدًا على دوار باريس، “لقد قمنا نحن وفرنسا بعملية تبادل “دواراتية”، فنحن لدينا في عمان دوار باريس وهم لديهم في باريس دوار الملك حسين”، يشرح لي فارس عن قصة هذ الدوار الذي جلسنا على مقاعده الخشبية حتى ساعات الليل المتأخرة والتقينا مجموعة من الاصدقاء الذي يمرون بشكل شبه يومي على الدوار. ففي دوار باريس تجد الفقير وتجد الفنان وتجد الشاب العاطل عن العمل وتجد الفنان العاطل عن العمل، كما تجد الشباب “الصايعين” وتجد الشباب الأكادميين والنشطاء السياسيين وبعض المخبرين أيضا، كما تجد من اشترى له طعاما ليتناوله على المقعد في الدوار بالرغم من كثرة المطاعم والمقاهي في المدينة، وتجد باعة القهوة والشاي الذين أصبحوا يعتاشون على هذه التظاهرة الشعبية اليومية على دوار باريس، وقد تجد ايضا عُشاقا اتوا لممارسة عملية خروجهم الى الحيز العام بشكل علني وتجد وتجد…

بو عزيزي آخر!

نأخذ تاكسي الى “طبربور” حيث يسكن فارس، يُشغل السائق العداد ويمضي.. خلال الطريق وخلال محادثة عادية مع سائق التاكسي بدأت بـ “كيف حالك عمي؟” وانتهت بكيف قام والده بمنعه من الانتحار بعد ان قرر حرق نفسه، عندها تفهم لماذا قام محمد بوعزيزي في تونس بحرق نفسه: “شو بدي احكيليك عن حالي؟ البلد تعبانة، الفساد ماكل البلد أكل.. الواحد زهق حياتو يا زلمي.. آه والله”، يقول سائق التاكسي، ويضيف: “مرتي كانت حبلى.. الدكتور عملها عملية غلط راحت ما تروح فيها هي والولد، رحنا لحقناها لحوق وعالجناها برا.. حطيت 40 ألف دينار.. حاولنا نشتكي على الاهمال الطبي وجبتلهن كل الوثائق.. بس ما في حدا هون.. تعاملوا معنا بحقارة.. ما خليت جهة الا وتوجهتلها.. صرت اشتغل بوظيفتين من شان أسدّ الديون.. بشي يوم كنت بدي أدير بنزين على حالي وأحرق حالي وارتاح من هالدنيا.. لولا ما ابوي لحقني.. انجنيت يا زلمي من هالوضع الخرا.. ومع هيك منقول الحمدلله”.

في اليوم التالي نلتقي في مقهى “ركوة عرب” -مقهى ثقافيّ- مع مجموعة جديدة من الأصدقاء نتناول آخر الأخبار والمستجدّات. المقهى مليء بالصور للفنانين والأدباء والكتاب العرب، تجذبك صورة عزمي بشارة المعلقة على الحائط بشكل ومميز وخاص. يُنهي الشباب تحضيراتهم الأخيرة على “الفيسبوك” و”التويتر” ومن ثم ينطلقون لإعتصامهم امام السفارة السعودية إحتجاجا على قرار الحكومة الإنضمام الى مجلس التعاون الخليجي، حيث أبقى مع لبنى في إنتظار عودتهم.

تستفسر لبنى التي هُجرت من إحدى قرى قضاء القدس عام 1967 عن كيفية حفاظ عرب الداخل على هويتهم الوطنية في ظلّ مواطنتهم الاسرائيلية وعن النشاطات الشبابية والسياسية في الداخل مبدية إعجابها وتقديرها الكبيرين، فأحكي لها عن يوم الأرض وأكتوبر 2000 ومسيرات العودة.

هون فش قانون

تصل أنباء عن إعتقال شابين من الحراك الشبابي خلال الإعتصام، فتقوم مجموعة من نشطاء الحراك بالكتابة على “التوتير”: “الحراك الشبابي يهدد بالتصعيد في حال لم يتم إخلاء المعتقلين حتى الساعة الثانية عشر مساء”، وبعد ساعتين تم إخلاء سبيلهم، فنذهب الى مقهي “محترف رمال للفنون” للقائهم فتجد المقهى يعجّ بالنشطاء الشباب مما أدّى الى إغلاق المقهى باكرا لاسباب معروفة بعد تواجد “الجيبات” خارج المقهى.

نشتري معجّنات من عند “الصاروخ” (مطعم شعبي) ونذهب الى دوار باريس. يمرّ موكب من السيارات حول الدوار مطلقة “زمامير العرس”، فيقف خالد ويرفع شارة النصر بيده: “هذول عم بحيوني عشنني طلعت من الإعتقال”، يقول خالد ضاحكا ويضيف: “بس كانوا أوادم هالمرة معي ولاد الحرام.. ما غلبوا كثير… بس شو الفلم.. بقول لرجل الأمن انو هاد مش قانوني اللي عم تساوي.. قام بقولي هون فش قانون.. بخربطلك وجهك!”- فضحكنا جميعًا.

نتحدث عن الثورات العربية وآخر مستجدّاتها، وعن حركة الإحتجاج في البلد وتصاعدها بعد أن فشلت سياسة النظام في اللعب على ورقة “فلسطيني-أردني” وعن التصعيد في الشعارات: “الشعب يريد.. إس إس أصلح يا منكملها” و”يا عبدالله يا ابن حسين شوف مبارك صار وين”، وعن رفع سقف المطالب “ملكية دستورية”. بدا واضحًا من خلال الحديث وحريتهم بالكلام على دوار باريس تأثير الثورات العربية على المزاج والأداء السياسي و”نفسهم النضالي”، فأحمد لم يعد يهتم بعد الآن اذا تعرض للأعتداء من “الدّرَك” خلال الإعتصامات والتظاهرات وأصبح أكثر عزما على مواصلة الطريق: “أكلنا كثير قتل منهم.. شللو عرظي الله يشلم عرظهم” يقول أحمد ساخرًا ومعتزًّا بنفسه في نفس الوقت.

في اليوم التالي، أودّع الأصدقاء للعودة الى فلسطين. أذهب الى “المجمع الشمالي” لأجد شخصا يعمل على سيارته مستعدا لتوصيلي من عمان للمعبر بعشرين دينارًا مع “ضيافة على الطريق” بعد “المفاصلة”. أُنهي كافة الإجراءات على النقطة الأردنية وأصعد إلى الحافلة التي ستقلنا إلى النقطة الإسرائيلية. ننتظر قرابة الساعتين في الحافلة.. أقرأ خلالها من كتاب “بين البيوت” للزميل إياد برغوثي والذي حصلت عليه كهدية من مدير دار “ملامح” للنشر (القاهرة) عندما قابلته صدفة في عمان. يتضح فيما بعد، وبعد أن نزل أحد الركاب من الحافلة من أجل قضاء حاجته، أنّ كلّ مدة الإنتظار هذه كانت بسبب تقاعس رجال الأمن في إخبار سائق الحافلة بإمكانية العبور بعد التأكد من عدم وجود أيّ “خطر أمني”.. يسمحون لنا بالعبور الآن.. تستقبلنا لافتة تقول: “أهلا وسهلا بكم في إسرائيل”.. أشعر بالغربة قليلا وبالحنين الى عمان وبالندم كوني لم أمدد يوما إضافيا لجولتي كما أصرّ عليّ فارس.

.

من اعتصام 24 آذار

.

دوار باريس

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. هناك أشخاص لا يهمهم سوى ركوب كل موجة متاحة بدافع مقزز من حب الظهور. لا يعقل كيف جعلتم من “مشروع ليلى” تلك الفرقة وليدة الهامش والتي تغني للهامش، لا يعقل كيف جعلتموها جواز سفر لل”مين ستريم” الشبابي! أفتح الفيسبوك وأتصفح الجرائد الورقية والالكترونية وأصاب بالإحباط مرة تلو الأخرى كلما رأيت أشخاصًا أعرفهم “منجلقين” على أغاني مشروع ليلى، أهو شعور بالإحباط؟ الغضب؟ القرف؟ كي تفهم هذا الشعور لك أن تتخيل مشهد جندي عربي في الجيش الإسرائيلي يستمع لأغاني الشيخ إمام. كيف تشعر؟ اترك ليلى تغني للثورة.. اتركوها.. واعفونا من حضوركم الزائد في كل “عرس”!!

  2. تجربة شيقة,تملأها المفاجئات

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>