جلبير الأشقر: النموذج الإيراني مستبعد في مصر

على اليسار أن يكون وفياً لقيم الديمقراطية والعلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة إضافة إلى معاداة القوي الاستعمارية والرأسمالية ■ من يتصورون أنّ الثورة انتهت هم من دبّ فيهم الذعر إزاء الحراك الجماهيري ويريدون أن يلجموا الثورة عند الإطاحة برموز الفساد، من دون الإطاحة بالنظام

جلبير الأشقر: النموذج الإيراني مستبعد في مصر

جماهير ميدان التحرير


|محمد سعد|

جولبير الأشقر

استبعد المفكر اليساري جلبير الأشقر في حواره لـ “بوابة الأهرام” تحول مصر إلى النموذج الإيراني قائلاً إن الوضع يختلف، فإيران كانت دولة ميراثية تمتلك فيها العائلة الحاكمة جهاز الدولة على طريقة الانفجار وإسقاطها كان يتطلب شق جهاز الدولة وتفكيكه بالكامل بما فيها المؤسسة العسكرية، وهو ما لم يحدث في مصر. كما أنّ التيارات الإسلامية في مصر وعلى رأسها الإخوان ليست حركات ثورية بل ترمي إلى التعاون مع المؤسسة العسكرية.

جلبير الأشقر هو مفكر يساري وأكاديمي لبناني يعمل أستاذا بـ “معهد الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن” ولد عام 1956 بالسنغال، وعاش بلبنان حتى عام 1983 انتقل بعدها إلى فرنسا وعمل هناك كأستاذ في جامعة باريس الثامنة حتى العام 2003، انتقل بعدها إلى برلين ثم إلى مدرسة الدراسات الشرقية جامعة لندن في 2008 وله مساهمات في جريدة اللوموند الفرنسية وله كتب عديدة، آخرها: العرب والمحرقة النازيّة: حربُ المرويّات العربيةُ ـ الإسرائيليّة ويلقي اليوم محاضرة في القاهرة عن المسار الثوري للثورات العربية.

وقال الأشقر إن ثورة 25 يناير هي ثورة من حيث الشكل حيث أخذت طابع الانتفاضة الجماهيرية ولكنها انقلاب بالمضمون إذ لم تفض بعد إلى تغيير جذري في البنى السياسية والاجتماعية، بينما ثورة 23 يوليو هي انقلاب بالشكل ولكنها ثورة بالمضمون إذ أحدثت تغييرا جذريا على المستوي الاجتماعي والسياسي ولكن المسار الثوري للثورات العربية مستمر لتحقيق هذا التغيير.

وأوضح الأشقر أن كلمة انقلاب ليست بالمعنى العسكري وإنما بمعنى الانقلاب على الحاكم. وأكّد أن مسار الثورات العربية مستمر ببعديه السياسي والاجتماعي والثورة في مصر وتونس لم تنتهِ بإسقاط رموز النظام السابق وأنّ من يتصورون أنّ الثورة انتهت هم من دبّ فيهم الذعر إزاء الحراك الجماهيري ويريدون أن يلجموا الثورة عند الإطاحة برموز الفساد، من دون الإطاحة بالنظام الذي أفرز تلك الرموز؛ فمبارك هو مجرد إفراز للنظام وليس النظام.

ورأى الأشقر أنه من الطبيعي أن توجد حالة من الإحباط بين أوساط بعض المصريين خاصة في ظل وجود قدر كبير من الآمال التي تسبب علوّ سقفها في تحولها لأوهام، أهمها ما يختص بالمؤسسة العسكرية التي يرى فيها العديد من القوى السياسية المعارضة في ظل حكم مبارك وتحديداً الإخوان حليفاً للشعب، رغم أنها كانت العمود الفقري للنظام في مصر منذ عقود طويلة. وشدد على ضرورة تكوين عمود فقري مُواز للدولة من الحركات العمالية التي لعبت دوراً مهماً في إسقاط مبارك.

وقال الأشقر إنّ السياسة المصرية تعاني تدخلين اثنين يجب إنهاؤهما وهما تدخل المؤسسة العسكرية والتيارات الدينية المتاجرة بالدين في السياسة لأنهما يحدّان من سيادة الشعب. وأضاف أنّ الصراع قائم بين القوى التي تريد استكمال التغيير الديمقراطي والقوى التي تريد لجمه. وأوضح أنه يرى أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية كان أهم تلك المحطات على طريق الصراع. وقال إن نسبة المصوتين بلا ليست قليلة بل هي نسبة مرتفعة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن فريق النعم كان يضم المؤسسة العسكرية وأكبر فصيل سياسي منظم في مصر وهم الإخوان، إضافة إلى أن التصويت بـ لا لم يكن جزءاً من ثقافة الشعب المصري لفترة طويلة. وقال إن الصراع القادم صراع بين الدولة العسكرية الدينية والدولة المدنية بحق.

ولفت الأشقر إلى أن قيام حركة قومية عربية جديدة أمر من الصعب حدوثه الآن لأنها أفلست بشكل عميق في منطقتنا. كما أن فلول تلك القومية والمتمثلة في النظام الليبي والسوري قد أظهرت عن وجهها القبيح، ورأى أن استنهاض حركة قومية جديدة يتطلب مراجعة صارمة لتراث الحركة القومية والقيام بنقد دقيق لطبيعتها يمزج بين الديمقراطية والقومية إلا أن هذا النهوض سيكون محدوداً. ولكن ما يمكن أن ينشأ الآن هو وعي قومي جديد يعد تعبيراً عن الطموح إلى توحيد قومي عربي ليس على طريقة الوحدة الفاشلة بين مصر وسوريا، ولكن على طريقة الاتحاد الديمقراطي، كالاتحاد بين الدول الأوروبية.

وقال إن اليسار الآن أمام تحدٍّ وفرصة تاريخية ربما لم تُتحْ له منذ يونيو 67 وربما أنّ اللحظة الراهنة أهم بفضل الزخم الجماهيري الحاصل الآن. وأضاف أن على اليسار أن يكون وفياً لقيم الديمقراطية والعلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة إضافة إلى معاداة القوي الاستعمارية والرأسمالية.

وفي نفس السياق رأي الأشقر أن آفة اليسار العربي في العقود الأخيرة هي تضحيته بالديمقراطية من أجل الوطنية، ولكن بعد سقوط تلك الأنظمة المستبدة ظهر ميل الناس للديمقراطية أكثر من ميلهم للوطنية وعلى اليسار ألا يكون أقل ديمقراطية من التيار الليبرالي.

وشدد الأشقر على ضرورة فصل الدين عن السياسة قائلاً إنّ هذا المطلب ليس مطلباً للسياسيين بل لرجال الدين أيضًا، وأشار لمظاهرات رجال الأزهر المطالبة باستقلال الأزهر واختيار شيخ بالانتخاب. وأضاف أن تدخل الدين في السياسة أمر يضر الدين أيضاً لا السياسة فقط.

وقال إنّ شعار “الإسلام هو الحل” هو الوجه الآخر للقول إن الإسلام هو المشكلة؛ فكلا التعبيرين أجوف ولا يصمد أمام تفكير نقدي وكلاهما تفكير أصوليّ. وربط الأشقر بين حلحلة أزمة التيار السلفي والتوق إلى دولة تحقيق دينية بتأزم الوضع في إيران. وقال إنّ إيران تعاني خللاً بنيويًا عميقًا وسقوطها وتأزمها سيظهر للناس أنّ تلك الدولة الدينية التي تدعي امتلاك الحل ليست بمنأى عن المشكلات التي تقع فيها النظم العلمانية بل وربما أن نظامها أكثر تضرّراً وسيدحض تلك الشعارات الجوفاء.

واعتبر الأشقر أن الأهمية في بناء اقتصاد يحقق العدالة الاجتماعية تكون لتوجيه الاقتصاد نحو قطاعات إنتاجية بعيداً عن المضاربات العقارية والمراهنات والقطاعات الربحية غير الإنتاجية وإعادة فرض الحماية الجمركية للتصدي لاقتصاد السوق الحر؛ فتحرير العلاقة بين الغني والفقير يصب دائماً في مصلحة الغني لا الفقير.

ورفض الأشقر وصف الثورة المصرية بأنها ما بعد إسلاموية باعتبار أنه من المبكر الحديث الآن عما حدث وتوصيفه.

قال إن هذا الوصف هو وصف يقول به المستشرقون الفرنسيون منذ عقود والواقع يناقضها، وعلى الرغم من أن الموجة الثورية الحالية تدشن مرحلة جديدة، “إلا أنني لن أسمّيها الآن”.

(عن “بوابة الأهرام”)

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. نطرا لكون “الاهرام” صحيفة للجبناء تطلق علي كبير ال سعود-الذي يحتاج لدورات في محو الامية- “خادم الحرمين”!!فلم تجرؤ علي طرح السؤال الصحيح علي جلبير الاشقر..واختارت ايران بوصفها التجسيد “الوحيد” للدولة الدينية والحال ان مملكة القهر الوهابي هي النموذج لما يمكن ان تتجه اليه مصر بعد “الهوجة” الاخيرة!!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>