جيل لا يخشى في قولة الحق لومة لائم أو لئيم/ باسل غطاس

إسرائيل تدرك أنّ المارد العربي لن يعود إلى قمقمه وأنّ مدّ الحرية الجارف وتحطيم حواجز الخوف هما تسونامي حقيقي والرقم الوحيد الجديد في المنطقة والعامل الوحيد الذي سيكون بوسعه قلب الموازين القائمة

جيل لا يخشى في قولة الحق لومة لائم أو لئيم/ باسل غطاس

من آثار القصف على حمص- المصدر: صفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد- حمص" على فيسبوك

.

|باسل غطاس|

يستنكف المرء عن الكتابة بالأخصّ إذا كان يعرف أن لكتابته تأثيرًا محدودًا جدا على الأحداث الجّسام التي تدور من حولنا. إن كنت أصلا لا تستطيع عمل شيء واقعي في مدّ يد العون والمساعدة للشعب السوري المنتفض منذ 11 عشرًا فحريّ بك الصمت وإلا فكلامك لن يعدو تسجيل موقف هو أشبه بريشة في مهبّ الريح أو فقاعة سرعان ما تذروها الأمواج العاتية، وفي حالتنا المخضبة مع الأسف بالدم الزكي. حتى إذا كنا نفهم ونتقبل وبالأحرى نحبذ تسجيل موقف الأحزاب والحركات السياسية في قضية تهمّ الأمة برمتها وتتعلق بمصيرها مثلما هو في حالة الثورة السورية، على الأقل من باب تثقيف الجمهور والكوادر، فلا ينبغي أن يكون نقاش الأفراد من باب تسجيل المواقف وكفى الله المؤمنين شرّ القتال.

الحال يصبح عندها حالة كاريكاتورية غير هزلية وشرّ البلية في حالتنا لا يضحك بالمرة، ولكنه يثير الاشمئزاز والتقزز. أمّا أصعب الحالات التي تضطر للتعامل معها فهي حالة أولئك الذين صمتوا دهرا ونطقوا كفرا. فهؤلاء لا يمكن تصنيفهم في خانة تسجيل المواقف التي لا تسمن ولا تغني عن جوع كما أسلفنا، وإنما هم يسببون تشويهًا أخلاقيًا وقيميًا خطيرًا لا يليق أبدا بمن يعتبرون أنفسهم أبناء لحركة وطنية لا تزال في مرحلة التحرّر الوطني، تستمدّ شرعية نضالها أساسًا من قيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية. كيف نطلبها لأنفسنا وننكرها على الشعب المنتفض والمضحي بدمه يوميا من أجل الحصول عليها؟ كيف لا ننتفض معهم قلبا وقالبا وفي ضميرنا تدوي صرخة عمر “يا ابن العاص… متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحرارا”؟

لو تمعنّا حقيقة في دوافع أولئك الذين لا يزالون يؤيدون النظام السّوري جهارا أو بالتورية خلف ادعاءات من باب: المؤامرة والمقاومة والممانعة وما الى ذلك، لوجدنا أنها حقيقة أعذار ومبررات يطلبها هؤلاء لأنفسهم لتبرير -بأثر رجعيّ- فشل المشروع القومي العربي الذي نحن جزء منه بعد الاستقلال في الوقوف في وجه المشروع الصهيوني من ناحية (ولا نريد أن نقول فشله في منع تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو ونعلم أنّ الفشلين مرتبطان) وفي إقامة أنظمة فاسدة وديكتاتوريات فاشية أحيانا وقد أدت بذلك أكبر خدمة لأمريكا وحليفتها إسرائيل. كيف يمكن لهؤلاء أن ينسوا  حديث الأسد الأب عن إقامة التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل كمقدمة ضرورية لتحرير الجولان، ومنذ ذلك الحين الميزان الاستراتيجي يتحوّل باستمرار وباطراد لصالح اسرائيل.

الدوكترينا الأمنية الاسرائيلية قادرة على التعامل مع الخطر النووي الإيراني وتقف عاجزة أمام حركة الجماهير

لقد اهتزّ الوضع القائم (status quo) في المنطقة في السنة الأخيرة بما يشبه الهزّة الأرضية ولأول مرة ضد صالح إسرائيل، نتيجة تحرّك هذا المارد العربي وكنسِهِ الأنظمة القديمة الاستبدادية في تونس ومصر واليمن وقريبا في سوريا. وفي حسابات هذا التوازن لا تلعب قضية طبيعة النظام الجديد وتقلبات المراحل الانتقالية واستلام أحزاب وقوى إسلامية موقع الصدارة، أيّ دور. إسرائيل تدرك جيدا أنّ المارد العربي لن يعود الى قمقمه أبدًا وأنّ مدّ الحرية الجارف وتحطيم حواجز الخوف هما تسونامي حقيقي وهما الرقم الوحيد الجديد في المنطقة والعامل الوحيد الذي سيكون بوسعه قلب الموازين القائمة. أفضل ما يمكن توقعه من وجهة نظر إسرائيل هو بقاء نظام الأسد لأطول فترة ممكنة (تمرين بسيط في نظرية الألعاب، game theory، تثبت ذلك من دون أن تكون عبقريا سياسيا). المأزق الإسرائيلي الحقيقي في كل ما يتعلق بالثورات العربية هو عجزها الكامل عن توقّع ما سيحدث، ناهيك عن التأثير عليه. الدوكترينا الأمنية الاسرائيلية قادرة على التعامل مع الخطر النووي الإيراني وتقف عاجزة أمام حركة الجماهير.

هذا الأمر وحده كان يجب أن يشكل أبلغ العبر للذين يريدون لَيّ رقبة الثورة أو التحكّم بحركة الجماهير حاسبين أنها كالقطيع الذي يمكن تجميعه لدخول حظيرة اعتبارات الممانعة ومنع التدخل الأجنبي وسلمية الثورة وما إلى ذلك ممّا يسمونه في صالونات تنظيرهم الخطوط الحمراء للثورة.

أتوقع من أولئك الذين لا يزالون يُعوّلون على النظام السّوري (ولا أحسب مجازر الأيام الأخيرة قد غيرت في مواقفهم) بعض الشجاعة في تحميله هو المسؤولية الكاملة عن خرق هذه الخطوط “الحمراء”، وليس تحميلها على الشعب الثائر؛ فمن يسبّب في عسكرة الثورة والانشقاقات في الجيش هو عنف النظام الإجرامي ومن سيؤدي عاجلا أم آجلا الى التدخل الأجنبي هو هذا النظام بتمسّكه الأحمق بمواقعه لمصالحه الضيقة وليس من أجل الممانعة ولا للوقوف في وجه المدّ الإسلاميّ كما حاول الكذب في البداية استعطافا للغرب.

أخيرًا، أعرف أنّ ما كتبتُ هو أيضًا تسجيل موقف لن يؤثر في واقع ما يدور في شوارع حمص البطلة. ولكن محفّزي الأساسيّ للكتابة ليس الردّ على من يُسيئون لشعبنا ولقضيته العادلة، سواء بوقوفهم مع النظام السوري أو بمجرد التأتأة وعدم الاندفاع في تأييد الثورة، وإنما دافعي هو التعبير عن الكثير من الأمل والتفاؤل ليس فقط بسبب هذا الربيع العربي الداهم الذي سيثبت أنه دائم الاخضرار مهما اعتوره من اصفرار في المراحل الانتقالية، أو مهما تخضّب بدم شهداء الحرية، وإنما لأنّ الجّيل الشاب في حركتنا الوطنية يقف مع الشعب المنتفض بغالبيته السّاحقة. كيف لا وقد تربى على فكر المشروع الوطنيّ الذي أتقن الربط بين الكرامة والحقوق القومية وبين قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، بعيدًا عن أسمال الخطاب القومي القديم.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. وهذا اروع خبر في هذا الاسبوع المخيف: فنانون سوريون يواجهون النظام البعثي ومعه روسيا بوتين:
    http://www.arabs48.com/?mod=articles&ID=88955

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>