متْ من فضلك…/ فراس خوري

. |فراس خوري| عندما ينشر الخبر “موت الأسير الفلسط […]

متْ من فضلك…/ فراس خوري

أسير فلسطيني يتحدث في الهاتف العمومي في السجن. "وحدُن"؟...

.

|فراس خوري|

عندما ينشر الخبر “موت الأسير الفلسطيني الأول من المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية”، حينها سيسأل المواطن العربي نفسه: متى بدأ الأسرى الفلسطينيون إضرابهم عن الطعام؟!

حين بدأ الأسرى الفلسطينيون إضرابهم عن الطعام، كانوا كمن قالوا لنا: يا أخوتنا قد نسيتمونا! قد نسيتمونا في خضم أحزابكم وانقساماتكم، بين أيلولكم ودولتكم، بين مظاهراتكم ومهرجاناتكم “الوطنية”. والحق يقال، فنحن قد نسيناهم. قد نسيناهم ونسينا قانون شاليط الذي سلب منهم حقوقهم الأولية، ونسينا القانون الذي زجّهم في العزل الإنفرادي وحرمهم من التعليم ومن وسائل الإعلام؛ القانون الذي صعّب الزيارات على أهلهم وأهانهم في عمليات التفتيش قبيل الزيارة. نسينا قانوناً أقلّ ما يقال عنه إنه هُندس وبُرمج  خصيصاً بهدف اعتصار إنسانية السجين الفلسطيني ومن ثم إفراغه من ماهيته الاجتماعية. نعم، لقد نسينا الأسرى منذ سنين! ومن المدهش (والمحيّر!) أنًّ حركة “المقاومة” حماس قد نسيّت أن تضم متطلبات الأسرى في صفقتهم! غاب عنهم… هي هفوّة وزلّة في الذاكرة!

كيف بإمكانهم أن ينسوا أنّ المئات ممن ضحّوا من أجل هذا الشعب آثروا الموت البطيء على حياة الذل والقهر في السجون الإسرائيلية؟ هل نسوهم كما نسوْا أنّ هناك عشر أسيرات أخريات يجب الإفراج عنهن ضمن الصفقة، أم أنه نوعٌ آخر من النسيان؟

إنه نسيانٌ مختلف عن الأخير، إنه التانسي، فلا هفوة هنا غير تلك التي تصيب عصب الذاكرة الجماعية، وأسماء المحررين والحركة الأسيرة (التي لم تعلم بأمور الصفقة بتاتاً) بإمكانها أن تشهد على ذلك.

إنّ الإضراب عن الطعام هو خطة مقاومة لها أسس وأصول وتحمل طابعًا وتكتيكًا حربيًا. فمن يبدأ الإضراب يضع نفسه في الصف الأمامي للمواجهة، ويكون ضمنه أشدّ عرضةً للموت، ثم من يليه من جنود هو أقل عرضة منه. لذا وبحسب هذه الخطة لا فائدة بأن يبدأ كل المقاومين بالإضراب سويةً، حتى لا يسقط كل الجنود سوية. فمن بدأت الإضراب عن الطعام قد صرّحت بأنها جاهزٌة للموت من أجل تحقيق متطلبات المجموعة! وهي تعلم بأنها حين تموت لا بد من أن يهتم سجّانها بمتطلبات باقي المجموعة. مثلما أنّ كل جندي في الصف الأول للمواجهة يأمل بألا يموت، فإنّ كل أسيرٍ ممن بدأوا الإضراب يأمل أن يلبي سجانه طلباته قبل أن تسوء حالته، وهو يعتمد علينا بذلك، فلن يلبي سجانه طلباته قبل أن نتحرك نحن الأحرار في الخارج؛ فنحن نشكل جبهة الإنقاذ وحلقة الوصل، علينا أن نزودهم بألإمدادات لكي يستمروا بالمعركة ويحققوا نجاحاً.

رغم معرفتي المسبقة لما قد يعنية الإضراب عن الطعام من تداعيات وعواقب يدفع ثمنها المضربون، إلا أنني أعترف بأنه قد أصابني تفاؤل حين ابتدأ أسرانا الإضراب، شعرتُ بأن الوقت حان لنلتفت إليهم. لكن وسائل ألإعلام ما زالت كسولةُ حين يتعلق الأمر بتغطية أخبار الأسرى والمعتصمين المضربين عن الطعام.

لقد دخل المضربون عن الطعام الأسبوع الرابع من الحرب، وأخاف أن نكون في حربٍ تفتقر للتخطيط الكافي  والتنسيق بين الإطراف المختلفة، فها هي حماس تتصرف وكأنها ليست جبهة في هذه الحرب، ولا أرى فريق إستعلامات يرافق أياً كان من الجبهات، أخاف أننا نخوض هذه المعركة كما خضنا الكثير من سابقاتها: بقلة تخطيطٍ  وبفائضٍ من العاطفية.

يبدو أننا سنبدأ بسماع أخبار الأسرى فقط حين يموت أولهم؛ حينها ستتداعى وسائل الإعلام على ذوي الشهيد متعاطفةً ثم بعد أن يبدأ السجناء بقضاء نحبهم واحداً تلو الآخر ستبدأ وسائل الإعلام (وحتى الإسرائيلية منها) بالانقضاض بشهية مفرطة على خيم الاعتصام للمضربين عن الطعام في البلاد. وما أدراك، علهم يحظون بتقريرٍ في فضائيةٍ هنا وهناك!

مُت من فضلك أيها الأسير فلا قيمة لك إلا بعد موتك! حين تموت ستملأ صورتك الصفحة الأولى في كل الصحف، حين تموت ستقابل الفضائيات رفيقاً لك في النضال، وسيكتب عنك في الصحف زميلك من فترة الدراسة، حين تموت ستشهد لك وسائل الإعلام بأنك كنتًّ مهماً! فقط حينها سنتأثر كلنا وسنهديك شهادة شهيد نعلقها صوراً لك في “بروفيلنا”. مُتْ لكي نفاوض على جثتك عسى أمك تراك حينها.

قبل أن أكتب هذه القطعة أفطرت بعد أن أضربت عن الطعام لثلاثة أيام كي “أتذوق” ما “يتذوقه” أسرانا والمعتصمون في هذه الأيام. أضربت عن الطعام ثلاثة أيام فقط وحين أفطرت شعرت برغبة في البكاء فرحاً، نسيت الأسرى، واللاجئين والقدس وكلّ فلسطين. كنت فرحاً في كل مرةٍ عادت قطعة من قرص العجّة لتتجول في فمي وتنزلق بانسياب الى معدتي التي ورغم علامات الرضى كانت لا تزال تعاتبني معتبرةً أنّ ما أجبرتها عليه في الأيام الأخيرة كان ظلماً مجحفاً بحقها. وأستطيع القول وبكل ثقة إنني أعرف الله الآن، فقد كان موجوداً معي في كل مرة غمست بها الخبز بزيت الزيتون ولبنة الماعز ووضعت الخبز في فمي.

 ليس بمقدوري أن أتخيّل كيف يمكن لإنسان أن يُضرب عن الطعام لمدة 21 يومًا!

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. للتوضيح بخصوص الصورة التوضيحية. اليوم غير ممكن التحدث بالهاتف. لا توجد اي وسيلة اتصال مباشرة لاسرى الحرية مع العالم خارج جدران السجن.. لا هواتف ولا اتصالات ولا كمبيوترات ولا حتى زيارات لاقارب من غير درجة اولى.. حصار محكم.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>