محطة في بحر أغاني المسرح والسينما والدراما التلفزيونية التونسية/ هيكل حزقي

محطة في بحر أغاني المسرح والسينما والدراما التلفزيونية التونسية/ هيكل حزقي

عرف الناس النوري بوزيد مخرجاً سينمائياً، و لكنه قبل ذلك كان شاعراً غنائياً، فالنوري عرف بقصائده باللهجة العامية. أغنية الفيلم إذا، من كلمات النوري بوزيد و ألحان وغناء أنور براهم

al_hadi_guella

الهادي قلة

 |هيكل حزقي* |

المتأمل في المسرح التونسي و تاريخه، لا يجد مسرحاً غنائياً، فقد خلت التجربة التونسية من ذلك. من الأعمال التي بقيت في الذاكرة  وأحدثت طفرة في المشهد المسرحي التونسي، هي ” كلام الليل “، و لنا أنّ نصنفها ضمن مسرح العبث في أولى اطلالته التونسية. في كلام الليل، يتقطع الخطاب، يتعثر، يرسم تعرجات على أديم اللغة من وحي عبث اللحظة، فكان الترميز حاضراً في جلّ المقاطع. أغنية “يا هل ترى قداش من فرططو”؛ كلمات توفيق الجبالي، كاتب المسرحية و أحد ممثليها، و غناء الراحل الهادي قلة الذي وارى التراب يوم 14 مارس 2012، لم تخرج عن سياق الترميز و عبث الخطاب، بل كانت مشحونة بأغلب الصور المستوحاة من الذاكرة الشعبية، فطوعت المخيال التونسي وصنعت من حكاياته و تراثه مادة فنية قطعت مع النمطي و السائد و الموروث.

و إليكم/ن الأغنية والكلمات مع تفسير البعض منها لأنها كتبت باللهجة الدارجة التونسية :

يا هل ترى قداش من فرططو في الناعورة.. يا هل ترى قداش..

يا هل ترى قداش من ثنية في المطمورة.. يا هل ترى قداش..

يا هل ترى قداش من فار مربي في المقصورة.. يا هل ترى قداش..

يا هل ترى قداش من قطوس هازز وردة.. يا هل ترى قداش..

يا هل ترى قداش من عتروس عندو زمردة.. يا هل ترى قداش..

يا هل ترى قداش من عصفور في بوفردة.. يا هل ترى قداش من عصفور في بوفردة.. يا هل ترى قداش من عصفور في بوفردة..

يا هل ترى قداش، يا هل ترى قداش ، يا هل ترى قداش..

قداش: كم من؟

فرططو: نوع من أنواع الفراشات 

ثنية: مسرب، طريق 

مطمورة: كانت قديماً تشير إلى المخزن الأرضي وهو موجود في كل بيت وتخزن فيه العائلة ما تيسر من الزيت والقديد والقمح والشعير والحبوب و التوابل 

هازز: حامل لـ

عتروس: تيس، و تقال أيضا للشاب البالغ.

بوفردة: السجن

ليس بعيدا عن المسرح، كانت السينما إحدى الروافد الإبداعية.

فيلم ” صفايح من ذهب ” للنوري بوزيد (أحد مناضلي وأسرى حركة آفاق اليسارية).. عرف الناس النوري بوزيد مخرجاً سينمائياً، و لكنه قبل ذلك كان شاعراً غنائياً، فالنوري عرف بقصائده باللهجة العامية. أغنية الفيلم إذا، من كلمات النوري بوزيد و ألحان و غناء أنور براهم، الذي لم يسبق له أن قام بالغناء من قبل. “صفائح من ذهب”، هي رحلة المناضل الذي خرج لتوه من السجن فوجد واقعاً آخر مغايراً لما تركه و تخيله، و أصبح ذاك “الغريب الذي لا سبيل له إلى الأوطان”،  فكانت رحلته لإعادة بوصلة خرائط الحياة والذاكرة، ليطلق العنان لهذا الحصان المنطلق لتوه من الزرائب السجنية، تعيقه في انطلاقته نحو تحرر يائس، “صفائح الذهب” التي تلازمه مذكرة إياه في كل خطوة بأن الماضي يطبع طريقنا أينما توجهنا، ويبقى مشدوداً إلينا وإن رغبنا عن ذلك.

سمعتك من بعيد مروح مابين مسارب و قبب..

عليك دڨة تدوخ

القطران منها يغضب..

تنفض حملك و تلوح و تخلي

و إلا نسيت الأسرار وإلا يجيك عجب

الصفيحة والمسمار يكون أصله من ذهب

أركض أركض برطع، عالبحور، يا حصان كبول، يا حصان يا غول

مولود عالتراب الحامي وكبرت مع الجبال

بوك من حجر همامي، أمك أحن موال

لين روضوك، لين مرضوك.. لين نزعوك الهبال، لين عينوك حمال و ربحت حروب لغيرك و شقوا بيك الجبال..

خايف الأيام تفوتكْ، لو كان زرعت صوتكْ

لو كان جاء ضفرك منجلْ ..

لو كان جاء عندك فرن تحط البلد ع ڨرنك وتقلها اررْ ترحل

لو كان جاء عندك يدْ ما قصّهاش جدك

تحط السماء في يدك تنفخ عليها رعدْ

تبخر منها سحاب بسحرك يولي ترابْ

يولي قمحْ وشعير ْ…

دقة: ضرب الأرض بالصفائح 

القطران: يقصد به اسفلت الشوارع 

و إلا: أم أنك؟  

برطع: إقفز 

 كبول: تقال للطفل الطائش.. 

همامي: نسبة إلى بني همام، وهي إحدى القبائل التي عرفت بشدة بأسها 

أحن موال: أروع موال 

الهبال: الجنون

قليلة هي الأعمال الدرامية التونسية التي شكلت تفردا في تاريخ البث التلفزي.

ربما لتأخر نضج الدراما التونسية مقارنة بالمسرح و السينما، أو ربما لإقتران التلفاز عندنا بصناعة الصورة، صورة القائد أو الزعيم، فطوعها لذلك لا لشيء آخر، فانطفأت كل صور البطولة غير التي تشير إلى أمجاد الزعيم.

آخر ما اخترت لكم/ن، هي أغنية جينيريك المسلسل ” غادة “ الذي بث في أوائل التسعينات. الكلمات لآدم فتحي، و الأداء الغنائي للطفي بوشناق. تروي هذه الدراما التلفزية رحلة ملاكم كان مناضلاً ضد الإستعمار، أحب خادمة بمطعم فرنسي، و لكنه وجد حجر عثرة في طريقه، أحد رجال الأعمال الوشاة الذين يتمسحون للإستعمار، الذي أراد هذه الفتاة له دون غيره، و غايته لها أن تبرر أي وسيلة تمكنه من نيل ما يريد. بنفوذ هذا الأخير و علاقاته المشبوهة مع أجهزة الدولة و الإستعمار، تسبب في تغريب الملاكم عن وطنه حتى يبعده عن طريقه و تخلو له الساحة من أي منافسة..

الأغنية تتناول تغريبة هذا الملاكم و رحلته لإسترجاع وطن و حبيبة. و كما العادة في قصائد آدم فتحي الغنائية، كان النص مشحونا بالصور المكثفة دون الوقوع في المباشراتية التي تحيل إلى رسم الوجع كما هو، إذ عمد الشاعر إلى تلوين ذاك الوجع بتدفق صور من وحي ما ننهل من البساطة التي تغطي يومياتنا المتشابهة.

يا لايام كفاية

تعبنا من الآهة

عشنا ألف حكاية، آخر الحكايات

مثل خطوط النملة فوق خدود الرملة، يمر عليها الموج تصبح ذكريات..

كفاية يا لايام، صبرك ليل وطويل

جرينا وراء أحلام عدد نجوم الليل

حلوة و مرة إنت، نعيشك مهما كنت

ويكفي نعلي بروج تشهد علي فات.. يا لايام كفاية..

لايام: الأيام 

نعلي بروج : ابني صرحا / برجا 

 

*كاتب تونسي.

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>