عن الصمت “والجنون” /عصام داود

عندما يقتصر دورنا، نحن الفلسطينيين، على كتابه مقالة (كهذه المقالة) أو “ستاتوس فيسبوكي”، وتوزيع “لايكات” هنا وهناك، وإقامة مجموعاتٍ فيسبوكية لـ “دعم الثوّار” فلا بدَّ لنا من مراجعه حساباتنا

عن الصمت “والجنون” /عصام داود

"متلازمة ستوكهولم"- صورة وتصميم: وولف بسالم

|عصام داود|

عصام داود

تساؤلات كثيرة راودتني في محاولةٍ منّي لفهم مجتمعنا الفلسطيني في الداخل في هذه الفترة تحديدًا، المليئة بالانتفاضات الشعبية في الأقطار العربية والتي وصلت أيضًا إلى الشارع الإسرائيلي. وقد كان واضحًا بالنسبة لي أنَّ مجتمعنا الفلسطيني عمومًا يعاني حالة غير صحيّة؛ فلا يعقل أنَّ هذا المجتمع المُغتصَب والمضطهد منذ ستة عقود ماضية لا يحرّك ساكنًا ولا يتأثر بالمناخ الثوري الساري حاليًا في المنطقة.

عندما يقتصر دورنا -نحن الفلسطينيين- على كتابه مقالة (كهذه المقالة) أو “ستاتوس فيسبوكي”، وتوزيع “لايكات” هنا وهناك، وإقامة مجموعاتٍ فيسبوكية لـ “دعم الثوّار” في الدول العربية متأثرين بنفسيه اسكندنافية زهرية اللون، وكأنَّ مشكلتنا الكبرى هي “الاحتباس الحراري” و”خزق الأوزون”، مُتناسين خوازيقَ نعانيها نحن أنفسنا وليس خزق الأوزون فحسب؛ فلا بدّ لنا في هذه المرحلة تحديدًا، من مراجعة حساباتنا لنسأل أنفسنا عن أسباب صمتنا وعن حقنا بامتلاك ما هو لنا، وعن حقنا بلفظ الحاء والعين كما ولدنا، وعن حقنا أيضًا بإعادة كل مفتاح معلق في أعناق الفلسطينيين أينما حلّوا إلى أبواب يافا وحيفا وصفد وبرعم وأقرث. وأن نسأل أيضًا عن صمتنا حيال سرطان الـ “بسيدر” في لغتنا وعن “الزهايمر” تاريخنا.

المصيبة الأكبر هي “ثورتنا” غير المفهومة الدّاعمة لـ “ثوره المسكن” في إسرائيل، لأنَّ صانعيها هم مَن هدم بيوتنا وسرق ماءنا وأرضنا وحلمنا، وهم يجعلون من خيامهم رمزًا لنضالهم، ولكن ماذا مع المخيمات التي يقطنها ملايين الفلسطينيين في كلّ مكان، ألا يستحق هؤلاء أن ندعمهم؟! كيف يمكن المشاركة في نضال أحد شعاراته تنادي بـ “حق الاسرائيلي الشاب بالسكن بالقدس” (المحتلة نذكركم)؟ إنَّ هذا يدل على عطبٍ دماغي لكل فلسطيني مشارك.

المصيبة الأكبر هي “ثورتنا” غير المفهومة الداعمة لـ “ثوره المسكن” في إسرائيل لأنَّ صانعيها يجعلون من خيامهم رمزًا لنضالهم، ولكن ماذا مع المخيمات التي يقطنها ملايين الفلسطينيين في كل مكان، ألا يستحق هؤلاء أن ندعمهم؟!

لا يمكن أن تكون هذه هي ثورتنا التي انتظرناها، ولا يمكن أن يُوَّلِد هذا العجز الثوري والنضالي لمجتمعنا مشاركة بنضال المحتل بـ “حقه بالمسكن” نضالاً من أجل الاحتلال. إنَّ أول ثمار هذا “النضال” كان مصادقة وزارة الداخلية على بناء مستوطنة “حريش” لليهود الحريديم التي تلتهم جزءًا كبيرًا من أراضي المثلث والروحة. مرحى للثورة!

بعد كل هذه التساؤلات الكثيرة عن حالنا وجدت نفسي أراجع كتب علم النفس؛ فتصرفاتنا كأفراد وكمجموعة أيضًا، تعاني خللاً واضحًا غير مُشخّص. وبعد مراجعة الكتب والمراجع اتضح لي أنَّ جزءًا من مجتمعنا يعاني حالات نفسية عديدة، وكان واضحًا بالنسبة لي بعد المراجعة الأولى أنَّ التشخيص الأولي لحالنا صائبٌ ويستدعي دراسةً أعمق؛ فبعض الحالات التي من الممكن أننا نعانيها هي كالتالي:

أولاً: متلازمة صدمة الاغتصاب RAPE TRUMA SYNDROME، وهي حالة نفسية مَرضية تعانيها ضحية الاغتصاب وتكمن في بعض الحالات والمراحل من هذه الحالة بأن تقبل الضحية الاعتداء من دون أيّ مقاومة أو رفضٍ يذكر، وفي حالات معينة، تمارس الضحية حياتها بشكل اعتيادي بعد كل اعتداء وكأنَّ شيئا لم يكن. هذه المتلازمة تشخيص ممكن لحالة الأقلية الفلسطينية في الداخل؛ فليس هناك أيّ تبرير منطقي آخر للعجز الظاهر لدى أقليتنا سوى رضوخنا المَرَضي للمغتصب.

ثانيًا: متلازمة ستوكهولم –STOCKHOLM SYNDROME- وتظهر هذه الحالة عندما تكون مجموعة واقعة تحت الأسر لدى مجموعة  أخرى ولكن المجموعة الأسيرة تطوَّر علاقة ودٍّ ومشاركةٍ مع المجموعة الآسرة رغمًا عن الأسر. وهذا نابع من الرغبة بالتّماهي مع القويّ والمسيطر. إنَّ هذه المتلازمة أيضًا يمكن أن تفسّر لنا الكثير من التصرفات المَرضية وغير المفهومة لبعض أفراد مجتمعنا مثل التطوّع في “جيش الدفاع الإسرائيلي” و”الخدمة المدنية”، والمشاركة السّطحية في “ثورة المسكن”.

ثالثًا: اضطراب الشخصية المتعددة -MULTIPLE PERSONALITY DISORDER- وهي حالة تشخيص لمرض عقلي فيه تعدّد هويات المتميزة في شخص واحد، أي شخصيات مختلفة لكل منها نمط في الإدراك والتفاعل مع البيئة. على سبيل المثال: عندما تقوم عائلة مهجرّة من قرية البروة المهدومة بالاستجمام في بركة السباحة التابعة لكيبوتس “أحْيَهود” القائم على أنقاض تاريخ وحق العائلة البروانية، هي نفسها العائلة التي تشارك بمسيرة العودة إلى البروة.

وأما بالنسبة للأفراد فهناك العديد من الاضطرابات منها:

متلازمة ستوكهولم تظهر عندما تكون مجموعة واقعة تحت الأسر لدى مجموعة  أخرى ولكن المجموعة الأسيرة تطوَّر علاقة ود ومشاركة مع المجموعة الآسرة رغمًا عن الأسر

1) الارتياب –PARANOID: وهي شخصية تتسّم بالشك من دون وجود ما يدعم ذلك الشكّ سوى الظنون. على سبيل المثال: “فك بطارية تليفونك، بس هيك الشاباك بعدش يقدر يتنصت عليك.” الفرد هنا يعتقد أنَّه مراقب كونه يرتدي حطة. وأحيانًا يقول: “بلاش نحكي هيك حكي عالتلفون”!

2) جنون العظمة –MEGALOMANIA: وهي حالة فيها مبالغة بعض الأفراد في تقدير قدراتهم وصفاتهم أو يعتقدون أنَّهم يمتلكون نفسية خارقة والبعض منهم يظنون أنَّ بإمكانهم أن يحكموا العالم وحتى الكون ويشبهون أنفسهم بالملوك أو الأنبياء، وأنَّ لديهم رسالة على الأرض لتحقيقها وهذا ما يمكن أن يقودهم للقيام بأعمال غير عاقلة. فعندما نصل إلى قناعة بأننا نستطيع قيادة ثورة لأننا فقط “لُبِطنا على يد أليسام” (القوات الخاصة) في مظاهرة شبه عاجزة.

ولذلك عندما يكون المجتمع الفلسطيني في الداخل بغالبيته يعاني هذه الحالات تتكون لدينا صورة لبعض الثوريين الفلسطينيين في الداخل، وهو ذلك الفرد الرافض للاحتلال المقاوم الجبار الصنديد الذي ينظر إلى الثورات العربية على فنجان “هافوخ” (قهوة “كافيه أوُليه”). إنّه الثائر في مظاهرات صامتة مُسيرة من السلطات، وهي السلطات التي تمارس الاغتصاب يوميًا على ذلك الفرد المهجّر المستجم بمنتجع مستوطنة بُنيت على أنقاض عظام جدته، هو نفسه ذلك الفرد المريض المتحمس لثورة المسكن.

العلاج ليس إلا جرة قلم يكتب بها الطبيب اسم الدواء حسب بروتوكولات طبية ومراجع وأبحاث علمية عمل عليها كثيرًا لكي توفر للطبيب الدواء للدّاء. وهي أبسط المراحل عند الطبيب. ولكن الصعوبة تكمن بالوصول الى الدواء الملائم والبروتوكول الصّحيح. عندما نشخّص حالة غير صحيّة يبدأ السباق مع الزمن وعزرائيل على روح المريض. الطبيب الناجح يحاول فهم الحالة والصورة بأكملها مع بداية العوارض التي أصابت المريض. في بعض الأحيان يعود  للطفولة المبكرة. هذه المرحلة أحيانًا تستغرق الكثير من الوقت ومفتاح الوصول لتشخيص الحالة هو اقتناع المريض بأنّه يعاني حالة غير صحّية واستعداده للعلاج.

ومن هنا، فإنَّ اعترافنا كأفرادٍ وكمجموعةٍ بأننا نعاني حالة تستدعي مراجعة أنفسنا وإعادة الدّراسة لحالنا كمجموعة أضاعت البوصلة ومكوّنة من مجموعات غاضبة حاقدة على بعضها البعض. عندها فقط سيمكننا معالجة أنفسنا لأنّ ثورة المسكن ليست دواءً.

وقبل النهاية، أود القول إنني لا أزاود على أحد. فكاتب هذه السطور يعاني أغلبية الحالات المذكورة أعلاه.

(الكاتب هو طبيب)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

15 تعقيبات

  1. TRAUMA
    مش TRUMA
    وشكرا

  2. * المضمون

  3. تحلالات خالية من المفموض والفائدة

  4. المقال الثانى عن تشخيص نفسى وسايكولوجى للاجيال اليهودية ما بعد 1948 وما بعد 67 وما بعد2000 لكى نفهم الداء من الدواء

  5. لشو قاعد الكاتب ينسخلنا من كتب الدراسة؟

  6. “عصام عن عصام بيفرق”
    يسلم قلمك يا دكتور

  7. عزيزي الدكتور..
    بحييك.. عهدا المقال وعللي سبقه بموقع هاّرتس وواينت..
    ولكن..
    هذا المجتمع المُغتصَب والمضطهد منذ ستة عقود ماضية لا يحرّك ساكنًا ولا يتأثر بالمناخ الثوري الساري حاليًا في المنطقة لانه أرهق وأزهق..
    لأن الخوازيق لم تعد تجد مكانًا تخزق فيه لديه, وليس فقط بسبب لبطة من اليسّام!

    ربما لم يحن بعد موعد ثورتنا..
    أو
    ربما نعاني من متلازمة مانشهاوزن-Munchausen syndrome‏ , نختلق أزمات واضطرابات ندعي المعاناة منها لجذب انتباه الاخرين ولتبرير عدم قدرتنا على استرجاع حقوقنا حتى بعد ستة عقود..

  8. لماذا لا ينتقل كاتبنا الطبيب أو طبيبنا الكاتب للعيش والعمل في إحدى مخيمات اللاجئين الفلسطينية ويعالج الناس هناك فهم أولى بعلمه
    أرجو الكاتب أن يفكر جدياً في الموضوع بدل النضال لأجل رفع مرتبه
    وأنشر يا قديتا أنشر هذه النصيحة

  9. الاعتراف بانك جزء لا يتجزأ من هؤلاء المرضى ، ادعوك لتلقي العلاج اللازم طبعا بالاكم قرش اللي بتربحهن من طبك، و طبعا لمّا بكون معك وقت تشتغل عن جد ، و بعدها جرب عيد سياق النص . أنا لا انكر نكبتنا او تاريخنا او اجدادنا، انما احاول تغيير الماضي لمستقبل اكثر اشراقا وتفاؤلا ، يكفينا بكاءا على ما كان! ما كان كان مضى وولّى ، انت اكثر الناس انتفاعا من هذه المظاهرات! انتو جالسين وبالاخر بعد يصير التغيير بتنسو المظاهرات وامها و بتكيفو على انخفاض الاسعار ، وبالفرقية بتسافرلك سفرة نقاهه جامدة …نصيحتي الك، ما تكتب، ببساطة “عالج” يا دكتور عصام ؛) 

  10. تعليق على ما كتبه ال “فلسطيني”
    فلسطيني عندك مشكلتين فهم، فهم المنطق والمقروء.
    ١. شو خص تاريخ أجدادنا بالعجز تاعنا بالأيام هاي
    ٢. الرفيق عصام كان اول واحد يعتلي منصه امام الاف من أصدقائك اليهود الي عم بدورولك على بيت وخطب أمامهن ولي قالو غاد بتخيل انك مش قد تكتبو على لافته بمظاهره بزمبابوي بسبب البرانويه الي حكالك عنها
    ٣. بعدين التحليل الي نذكر هون هدا اول تحليل نفسي من هذا النوع يكتب
    ٤. التمكن من لغتين ومعرفه مخاطبا الاخر بدون ما تبيع حالك زي جماعتك الخيم هاي نعمه مش نقمه
    ٥. العقم في مقالة العبري كان استعاره الي تعلمت عنها بالتانويه

  11. هو لو انتوا فقتوا من البداية وانضميتوا للنضال من الأساس ما كان قيادة الخيم بقبلوا اللي صار… عند العرب قوة كبيرة للتأثير وهي غير مستغلة أبدا!!!
    زيادة على ذلك.. لماذا يناضل اليهودي عني؟ لماذا لا أناضل عن نفسي؟ لماذا لا أدافع عن حقي في النضال؟ يعني كيف ستشعر يا صديقي الثوري المختبئ وراء الخزانة عندما تنخفض الضرائب وأسعار السلع الأساسية؟ وتقول والله كل الاحترام الهم؟ ليش ما تقول كل الاحترام الي؟
    شغلة أخرى… وأعتقد أنه يجب ألا تنسى أنه من المهم أن نسيّس هذا النضال، بل من واجبنا تسييسه، فعندما تقول أنك ترغب بحل لمشكلة السكن للمواطنين العرب في مدينة مختلطة ما وتطالب بإنهاء الاحتلال لأنه سبب كل هذا الغلاء، وتحويل الميزانيات للتعليم والصحة، أو تقول أن الأموال التي تذهب للمستوطنات يجب أن تذهب للأحياء العربية في الداخل… فباعتقادي أنه نضال سياسي بحت.. وكل ما علينا هو إقناع المسؤولين عن النضال وتغيير فكرهم بما يتناسب مع أفكارنا.. وزيادة على ذلك… جدي مات… أنا أريد أن أعيش بكرامة!!! لن أنسى النكبة، ولكن لن أواصل البكاء بل سأخرج وأناضل كي يستعيد كل مهجّر ولاجئ أرضه… وهذا الأمر يبدأ بأن أضمن لي بيتا في البداية… فكيف لي أن أناضل لأجل اللاجئ وأنا بنفسي أسكن في خيمة؟

  12. عزيزي كاتب المقال، او عزيزي الطبيب! لو قرأت تاريخ أهلك وأجدادك كنت ستفهم ما هو دورنا الحالي في الثورات العربية! كيف تشمل ما يقوم به الاسرائيليون بالثورات العربية! اذهب الى مظاهرة اسرائيلية وارفع لافتة تطالب بتحرير فلسطين ماذا تنتظر انت وامثالك؟ تلوم وتلوم وتحلل نفسيا بتحليلات أكل الدهر عليها وشرب وخلصت موضتها من زمان ولم تذكر أي رؤية سياسية! وما يفرق مقالك هذا العزيز جدا عليك عن ستاتوس في الفيسبوك؟ استغربت أصلا انك تكتب باللغة العربية بعد كتابتك باللغة العبرية في مقال العقم! هل أصبح العقم يا “طبيب” مذلة او مسبة تنعت بها! نصيحتي لك، ابتعد عن الكتابة الى أن تنضج فكريا!

  13. اعتقد انه هناك فرق شاسع عزيزي “الغريب” بين نضال الاطباء والذي هو نضال جماهيري فائدته الاولى والكبرى ستعود على الفئات المستضعفه “نحن” ، وايضا نضالنا انساني اسمى من ان يكون ملطخ بشوائب سياسيه. المطالبه بتحسين خدمات صحيه وتوفير اسره للمرضى يجب ان يكون نضالك ايضا عزيزي الغريب وليس نضال من اجل ٤٠٠٠ وحده سكنيه على اراضي الروحه المصادره، تحياتي للزميل عصام  

  14. العجيب هو أن كاتب هذا المقال كان من أوائل المتظاهرين الذين ظهروا بالتلفزيون ودافعوا عن حقوق الأطباء في إسرائيل بدلا من أن يدافع عن حق “ملايين” اللاجئين الفلسطينيين في رعاية طبية مناسبة…ماذا يريد الكاتب أن نبلع غلاء السكن والبنزين والمعيشة ونجلس لحراسة البيوت المهجورة حتى يعود أصحابها..إنه خطاب رومانسي ساذج ومتعالي..ووفق هذا المقال الذي هو عبارة عن استعراض عضلات طبي فنحن جميعا مرضى نفسيين نحتاج إلى علاج ولكن للأسف يا دكتور..فنحن لا نملك ثمن الادوية وجلسات التحليل!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>