سيلمان ليس البوعزيزي/ جمال عبده

الأدق تشبيه سيلمان بالجندي الفرنسي فرانسوا بوإمبريال الذي سكن تونس في فترة الاستعمار وأحرق نفسه احتجاجاً على عدم حصوله على حصته من ثروات تونس

سيلمان ليس البوعزيزي/ جمال عبده

.

|جمال عبده|

في مقابلة على إحدى الإذاعات العربية، مع صهر موشيه سيلمان، الذي أحرق نفسه في مظاهرة تل أبيب، سأل المذيع الصهر: متى وصل سيلمان البلاد من روسيا؟ فأجاب الأخير: سيلمان وُلد في البلاد، قد خدم في الجيش ويؤدي الخدمة ضمن جيش الاحتياط ككل مواطن إسرائيلي، فأطلق المذيع صرخته الحزينة: أووووه الآن يبدو الأمر مروّعاً أكثر.

إن إجابة الصهر لا تقتصر على توصيف سيلمان، فهي أعمق من هذا بكثير، فهي تصف الحراك الاجتماعي الإسرائيلي بتياره المركزي، الحراك الذي اقترح أحدهم بسخرية، وتماشياً مع حركة “إحتلوا وول ستريت”، تسمية نسخته الإسرائيلية “إحتلوا فلسطين”. يخرج أبناء الطبقة الوسطى وينصبون الخيام رافعين إصبع الاتهام في وجه الحكومة: ماذا فعلتِ لنا وبنا، لقد خدمنا في الجيش وما زلنا نخدم في خدمة الاحتياط، لكن اقتصادك محكوم بقبضة بضع عائلات فلا نجد عملاً ولا مسكناً، نحن تماماً كما سيلمان، ملح أرض إسرائيل، خدمنا في الجيش وسنكون في طليعته حين يتعرض أمن إسرائيل للخطر ويدق ناقوس الحرب ، فحقنا عليك أن تحفظي لنا مستوى معيشياً ملائماً!

لا يأبه هؤلاء بأن دولتهم التي “خانتهم”، قامت على أرض غيرهم ولا يعرفون أن خيارهم بالاعتصام داخل خيمة هو أمر فرض إلزامياً على من هجرتهم إسرائيل، أو ربما يعرفون ولكن لا يهمهم ذلك، لا يرون علاقة بين أزمة السكن الخانقة في بلداتنا العربية ومصادرة لم يتذوقوا هم مرّها، نقطة انطلاقهم هي، نحن نعطي ونتحمل العبء ولذلك من حقنا أن نأخذ، ولذلك ليس مستغرباً، بل من الطبيعي، أن تجد نفس هذا المتظاهر، بعد يوم واحد في مظاهرة تحت شعار”نتحمل العبء سوياً”، تطالب بفرض الخدمة المدنية على العرب مقابل حقوقهم، وربما يكون المتظاهر راديكالياً أكثر ومن منطلقات مساواتية يرفض التمييز ضد العرب وفرض الخدمة المدنية عليهم، لأن المساواة تقتضي بألا يتم “حرمانهم” من الخدمة في جيش “الدفاع” الإسرائيلي أيضاً.

لقد انتشرت بعد سيلمان ظاهرة حرق النفس، وكان الحارقون بمعظمهم من خريجي الأذرع الأمنية أو معاقيها، العاتبين على دولتهم ناكرة الجميل، ولتكتمل الصورة، كان ردّ الحكومة حتى الآن تشكيل لجنة لتسريع معاملات معاقي الأذرع الأمنية ومصابي الجيش.

لقد طالعنا البعض بتسمية سيلمان بمحمد بوعزيزي تل أبيب، ولا شكّ أن سيلمان فعل ما فعل مقتدياً بالشهيد البوعزيزي، ولكن تسميته بمحمد بوعزيزي تل أبيب فيها إهانة لكل أحرار العالم، فمن الأدق تشبيه سيلمان بالجندي الفرنسي فرانسوا بوإمبريال الذي سكن تونس في فترة الاستعمار وأحرق نفسه احتجاجاً على عدم حصوله على حصته من ثروات تونس.

(البقيعة)                                             

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>