الضريرة/ ياسوناري كاواباتا

الضريرة/ ياسوناري كاواباتا

هذه المرة كانت هناك بطانية خشنة ملفوفة حول حشية للرقاد مُلئت قشاً. وثب عليها، فأحس بها لينة ومتقافزة، وبدأ عزف زوجته يتردد مفعماً بمرح أكبر. لكنه استطاع كذلك سماعها تضحك كأنها طفلة، عندما كانت تخطئ بين الحين والآخر في عزف نغمة

ياسوناري كواباتا

ياسوناري كواباتا

.

|ياسوناري كاواباتا|

|ترجمة: عصام شبانة|

أمسك الرجل بيد امرأته الضريرة، وقادها صعوداً على التل لمشاهدة دارٍ للإيجار.

- ما هذا الصوت؟

- إنه حفيف الريح في أجمَّة خيزران.

- بالطبع. لقد مرَّ وقت طويل منذ خرجتُ من الدار، ونسيتُ صوت حفيف وريقات الخيزران.. الدرج في الدار التي نقيم بها الآن ضيقٌ على نحو بالغ الفظاعة. وعندما انتقلنا إلى هناك لم أستطع في البداية إحتمال إزعاج ارتقائه. أما الآن وقد بدأتُ أشعر لتوي بأنني قد اعتدته، تقول لي إننا بسبيلنا إلى البحث عن دار جديدة مجدداً. المرأة الضريرة يتعين عليها أن تعرف كل ركن ومنعطف في دارها. وهي تألفها كما تألف جسمها. وبالنسبة للشخص المبصر، فإن الدار تعد ميتة، ولكنها بالنسبة للشخص الضرير، إنها تضج بالحياة. إنها نبض. الآن هل سيتعين عليَّ الإرتطام بكل الأركان والتعثر في العتبة مجدداً في دار جديدة.

ترك الرجل يد امراته، وفتح البوابة المطلية باللون الأبيض.

قالت:

- إنها توحي بالعتمة، كما لو أنّ الأشجار قد ألقت بظلالها على الحديقة. والشتاء سيكون بارداً من الآن فصاعدًا.

- إنها دارٌ على الطراز الغربيّ، لها جدران ونوافذ كئيبة، ولا بد أنّ بعض الألمان كانوا يقطنون هناك، فلافتة الاسم تحمل اسم “ليدرمان”.

ولكن الرجل عندما فتح الباب الخارجي، ارتد راجعاً، كأنما فوجئ بضوء باهر.

- هذا رائع. إنه مبهر للغاية. لربما يكون الليل سائداً في الحديقة، لكن داخل الدار يكون شبيهاً بوقت الظهيرة.

كان ورق الحائط المخطط باللونين الأصفر والقرمزي برّاق اللون، كالأجواخ البيضاء والأرجوانية التي تعرض في

الاحتفالات. وتوهجت الستائر كثيفة الحُمرة كأنوار كهربائية ملونة.

- ها هنا أريكة ومدفأة ومائدة ومقاعد ومكتب ومصباح تزييني.. كل الأثاث ها هنا. تلمّسي ذلك!

أوشكَ أن يُسقطها أرضاً، وهو يجعلها تجلس على الأريكة. لوَّحت بيدها كمتزلج على الجليد يعاني من الارتباك، وارتدت متقافزة كنابض.

- هناك بيانو أيضًا.

أمسك بيدها، واجتذبها. فأوقفها على قدميها. جلست قبالة البيانو بجوار المدفأة، وبنشاط لمست المفاتيح، كأنها شيء مخيف.

- اصغ! إنه يعمل.

بدأت بعزف لحن بسيط، ربما كان لحن أغنية تعلمته عندما كانت فتاة صغيرة، وكان لا يزال بمقدورها أن ترى.

مضى إلى المكتب، وإلى جوار المكتب، اكتشف غرفة نوم بفراش مزدوج. ها هنا مجدداً كان هناك ورق حائط مخطط باللونين القرمزي والأبيض.. وهذه المرة كانت هناك بطانية خشنة ملفوفة حول حشية للرقاد مُلئت قشاً. وثب عليها، فأحس بها لينة ومتقافزة، وبدأ عزف زوجته يتردد مفعماً بمرح أكبر. لكنه استطاع كذلك سماعها تضحك كأنها طفلة، عندما كانت تخطئ بين الحين والآخر في عزف نغمة.. يا للحزن الذي يواكب العمى.

ياسوناري كواباتا: المولود في 14 حزيران/ يونيو 1899 والمتوفى في 16 نيسان/ أبريل 1972. روائي ياباني أهله إبداعه النثري المكتوب بلغة شعرية راقية وغامضة للحصول على جائزة نوبل للأدب 1968، ليصبح بذلك أول أديب ياباني يحصل على الجائزة العالمية. ولا تزال أعماله مقروءة إلى اليوم.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>