حين يبغض المرء ذاته/ ليانة بدر

لا أفهم كيف لمن يمتلكون الجرأة على الادعاء بأنهم أنصار الحرية أن يقيموا بدورهم حفلاً تضامنياً مع حاكم سورية الديكتاتور، والذي صار مرشحاً لكتاب “جينيس” للأرقام القياسية بوصفه سفاح شعبه الأول؟

حين يبغض المرء ذاته/ ليانة بدر

قسم من المتحدثين في نشاط نصرة الأسد ونظامه. من أعلى اليمين وباتجاه عقارب الساعة: النائب سعيد نفاع، وليد الفاهوم، المطران عطالله حنا، عصام مخول، محمد كنعان، رجا إغبارية.

.

|ليانة بدر|

ليانة بدر

حين يبغض المرء نفسه يتناسى تاريخه، ويندفع إلى رحاب الكذب على ذاته وعلى الآخرين؛ يأبى على غيره أن يتمتع بالاختلاف، لذا يصبح عنيفاً ومتجبراً بدوره. الأعراض سالفة الذكر هي غيض من فيض ممّا يفعله المستعمِرون بمن يستعمرونهم، وبما يقوم به الديكتاتور ضدّ الجماعة.

هل يفسّر هذا لماذا نسيت ثلة المجتمعين في حيفا تاريخ النظام السّوري مع الفلسطينيين، ومذابح تل الزعتر، بل ومجازر لبنان بأجمعها، ونظموا حفلاً تضامنياً مع النظام المجرم في سورية؟ أليس لديهم ذاكرة أو قدرة على تذكّر التاريخ، وهم أوّل من يدّعي هذا؟ هل نسوا أنّ مخيم تل الزعتر ومخيمات أخرى قاومت الحصار، وقدّمت الشهداء كي تثبت أن للفلسطينيين قراراً مستقلاً وقضية وطنية هي أكبر من تحكم الأنظمة المُستبدة، مهما كانت الحجج والشعارات الجميلة التي تعرضها؟

لا أفهم كيف لمن يمتلكون الجرأة على الادعاء بأنهم أنصار الحرية أن يقيموا بدورهم حفلاً تضامنياً مع حاكم سورية الديكتاتور، والذي صار مرشحاً لكتاب “جينيس” للأرقام القياسية بوصفه سفاح شعبه الأول؟ هل يريدون أن يقنعونا بأنّ المسألة هي مسألة مصالح دولية بين الأنظمة لا أكثر ولا أقل، وأنه على كل منا أن ينحاز إلى طرف ما بالبساطة ذاتها التي يختار فيها فريق كرة القدم الذي يؤيده؟

وإن كانت المسألة بهذه السهولة، فهل يصلح هؤلاء كي يكونوا قادة لنا؟ وكيف لنا أن نأتمنهم على الأوطان إن كانت غاية المنى بالنسبة لهم الانحياز إلى أنظمة وأطراف ضد أنظمة وأطراف أخرى يشايعونها حزبياً؟ هل هذه غاية الحكاية بالنسبة إليهم؟ وكيف تحوّل الشعب السوري بأكمله وقضية انعتاقه وتحرّره من دكتاتورية حكم العائلات إلى مجرد بخار لا وزن له؟

لا أفهم فعلاً كيف يمكن للاحتلال الطويل أن يطيح برشد هؤلاء وقدرتهم على التفكير كي ينحازوا إلى مجرمي الحرب الذين يرتدون رداء العروبة الكاذب، وهم منها براء، في الوقت الذي يدمرون فيه شعوبهم وحق تقرير مصيرها بذاتها، بما فيه الحق المقدس في التحرّر والحصول على العيش كبشر، ومكافحة البقاء كعبيد لمصالح ملوك الطوائف؟ هل نسي هؤلاء حروب إبادة تل الزعتر وعين الحلوة وبرج البراجنة، وحروب المخيمات المتعدّدة، ومواقع كثيرة أخرى لا تحصى ولا تعد؟

لن أتحدث عن القصف المرعب لبيروت عندما تقدم الجيش السوري غازياً باتجاهها للضغط على المقاومة الفلسطينية خلال الحصار الشهير لتل الزعتر. لن أتحدث عن المدافع التي كانت تطلق من الجبل على سكان المدينة عشرات القذائف في كل دقيقة. لن أتحدث عن نفاد الطحين ونقصان المواد الغذائية لأكثر من أربعين يوماً، ولن أحكي عن انقطاع الكهرباء في عز الصيف حينما يحتاجها الجميع لسحب ماء الشرب حين أغلقت المياه عمداً عن المدينة. لن أتحدث عن الخجل من عدم تلبية طلب امرأة أتت من شاتيلا، وطرقت باب دارنا وهي تبكي لأنها لا تجد طحيناً كي تخبزه لإطعام ثمانية أطفال هي المسؤولة الوحيدة عنهم، ونحن جميعنا لا نملك طحيناً. لن أحكي عن الديدان التي رأيتها في كأس الماء الذي احتفلنا بالحصول عليه من بئر البناية لنكتشف أن ما جمعناه لا يصلح للاستهلاك الآدمي. ولن أحكي عن الأصوات المرعبة للقذائف، ولا عن الانفجارات، ولا عن الأمراض التي أصابت الأطفال بسبب تلوث الأجواء بالفطريات في غياب الماء والكهرباء وصعوبة الوصول إلى المراكز الصحية. ولن أحكي عن الدمار في كل مكان، والآليات السورية تتقدم إلى بيروت لتأديب المقاومة الوطنية الفلسطينية اللبنانية. ولن أحكي عن القذيفة التي عبرت إلى شرفتنا، وهشمت الغرفة بما فيها، فحمدنا الله أنها قامت فقط بهذا.

أخجل فعلاً أن أحكي عنه، وعن مئات التفاصيل المعذبة التي عشناها، بعدما حصل ما حصل لمخيم تل الزعتر من إبادة وتشريد ودمار. لقد كتبت رواية “عين المرآة” بعد أن قمت بأبحاث استغرقت أكثر من خمس سنوات حول ما جرى من تصفية وإبادة في ذلك الموقع، لأقول إن الكرامة الإنسانية جديرة بأن تعاش مهما كان الخراب كبيراً.

ولكن أنتم، أيها المجتمعون في حفل الشكر الذي تقيمونه للطاغية ونظامه، ألا يمكنكم أن تتنحوا قليلاً لكي لا تسقطوا من أعيننا بهذه الفجاجة والبشاعة؟ ألا يمكنكم أن تبتعدوا عن الشاشات والأغاني الحماسية والشعارات فقط كي تشعرونا بأنكم تتأثرون بما يجري للمواطنين المدنيين في سورية. فإن لم تساهموا في استنكار ما يجري، فلا تجعلونا نعرف كم أنتم معطوبون من الداخل، وإلى أية درجة تكرهون أنفسكم كي تتماهوا مع شخصية الديكتاتور البائسة؟

لا نريد منكم الكثير.

فقط، اخجلوا قليلاً.

(عن “الأيام” الفلسطينية)

.

• شبيحة في حيفا: ثلة يتهجمون على مشاركين في اعتصام ضدّ اجتماع “نصرة الإصلاحات في سوريا”!

• ما أهون الرّدح والسّحج في وجه موتٍ ليس موتك/ تامر مصالحة

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

14 تعقيبات

  1. مقال رائع يلقي الضوء على بعض ممارسات هذا النظام ,لا ننسى في هذا السياق التذكير بالاغتيالات التي أتقنها لشخصيات ورموز .

  2. النظام الايراني (ولاية الفقيه) يحاول مساعدة النظام الاسدي.
    الشبيحة هم المافيا التي يستعملها النظام السوري للقتل والتعذيب.

  3. معروفة انو السوريين ما بيطلعوا عن الفلس لمخلوق بينما القطريين كتير كريمين

  4. الى شلة الشبيحة المنتفعة ماليا
    ما الذي يدفعكم للدفاع عن نظام ديكتاتوري مستوحش؟
    انها النقود، وقد شهد شاهد من اهلكم.
    لا تهمكم حقوق الانسان، ولا الحرية، ولا الضمير الانشاني الحي.
    تهمكم النقود ، او النقمة من كل من هو حر وصاحب اخلاق عليا.

    الشبيحة على اشكالها تقع.

  5. كيف يا استاذ سميح عرفت كل ذلك هل تتعامل مع المخابرات

  6. التعليق تحت الصورة غير منطقي، فهو يعدد الشخصيات عكس اتجاه الساعة وليس مع اتجاه الساعة، ويغفل إحدى الصور التي لا نعرف من هي.

  7. عمو سميح شو الظاهر صابك بارانويا من كثر التأييد للجيش السوري، وافلاس الناتو تبعك وأعوانه في سوريا.

    بعدين شو قصتك مع المصاري؟ حمد مش قابل يرفعلك المعاش؟

    خليني أقلك، اذا كنك عامل حالك مش عارف، انه في جماعة “مثقفين” هون عمبيشتغلو بمشاريع لقطر وشلتها وعمبيقبضو مصاري منهم، وهذا حكي مثبت مش زي تعليقك اللي فوق. يعني أقلام مأجورة بير-سي!

  8. هذا الذي يكتب هنا تحت اسم “وضاح خنفر” و ” شبيحة” هو نفس الشخص، وهو من الشبيحة المستنفعة من النظام – دائما يكتب اول شخص ودائما نفس الحكي السخيف. هذا لا تهمه حرية ولا أخلاق ولا رحمة. تهمه جيبته فقط.
    البعض يقول ان الكاتب هي امرأة من قرى الكرمل. تقريبا معروفة هويتها للكثيرين.

  9. “المثقف الحقيقي هو من يستطيع ان يكشف المستور لا ان يتلمظ بالقشور. ان يقرأ ما بين السطور وما وراء الكلام المعسول والاحداث متخذا من معارفه ووعيه وقدرته ادوات للربط بين الظاهر والباطن فيجعل من العقل حكما ومرشدا للغد الآتي. بعد كل هذا الوضوح في الظاهر والباطن على حد سواء، لم يعد إنكار المؤامرة غباء او جهلا بل شراكة مفضوحة في محاولات تضليل الناس وتزلفا للمتآمرين. بعض كتابنا يحلم بوعود قطرية لإقامة دار نشر او وسيلة اعلامية او قصر ثقافي هنا تموله قطر يرعى مواهبهم، ونسوا ان افضل ما كتبه ادباء المقاومة هنا كان في زمن القطيعة والحصار وقبل ان توجد امارة قطر على الخارطة السياسية او الجغرافية وقبل ان يحلم أي منهم بقطرة نفط او ما يساويها من الدولارات القذرة. ”

    اليف صباغ -حيفا برس.

  10. رابط يساهم في تصويب املاءاتك فيما يتعلق “ببغض الذات ” وتبعاته ,الى شخصك, ومنك اقتبس “قليل من الخجل “!

    http://www.youtube.com/watch?v=zZnLU3oanD8

  11. على سيرة بغض الذات ! وعلى سيرة الكذب وعلى سيرة الذاكرة وعلى سيرة الرشد وعلى سيرة الاستنكار وعلى سيرة الرشد وعلى سيرة المذابح واخيرا على سيرة الخجل !
    بعد مشاهدة الروابط ماذا بقي في الجعبة لتتحفينا ؟!

    http://www.youtube.com/verify_controversy?next_url=/watch%3Fv%3DZJip-M6nfdE%26feature%3Dyoutu.be

    http://www.youtube.com/watch?v=tLcPMlaadak&feature=youtu.be

    http://www.youtube.com/watch?v=HntlzcMV2Ds&feature=share

  12. ما أهون الدمع الجسور اذا جرى /من عين ” كاتبةٍ ” فأنكر وادّعى !

  13. وشو خلاصة القول؟ انه اللي مش مع موقفك (يعني مع قطر وأمريكا) هو هابط أخلاقيا؟ يعني زهقنا هذا الوعظ من ناس عمتتمرن عالانشاء ومش عارفين يقرأوا اللعبة السياسية-الدموية اللي تم وضع سوريا فيها من قبل الخليجيين والغرب بأموالهم ودعايتهم.

    يعني اللي بيقيض مصاري عشان يكتب معذور، أحسن من ما يموت من الجوع. أما اللي بيكتب موضوع انشاء عن سذاجة وبدون ما يكون عارف شو عمبيصير فشو بدنا نقوله هذا؟

    التذكير بتل الزعتر وغيرها هو من باب الديماغوغية التي يستعملها من لا يملك تثبيت موقفه بالحجة. الكل بحكي عن قتل وذبح وتدمير كأن حملة الوهابيين لاحتلال سوريا عمتنعمل بالزهور.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>