الأكاديمي الفلسطيني في الداخل: لماذا هذا الغياب؟/ نواف عثامنة

قُدمت خلال المؤتمر مداخلات مجددة في غالبيتها في المجال البحثي، تناولت مواضيع ومجالات بحثية متنوعة. صحيح أن موضوعات المؤتمر أمتدت على مجالات علمية وبحثية عريضة ومتنوعة، ولكن لفت وجود ثغرة بحثية: لماذا لا يوجد بحث حول “سيكولوجية الأكاديمي الفلسطيني في الداخل”؟

الأكاديمي الفلسطيني في الداخل: لماذا هذا الغياب؟/ نواف عثامنة

جانب من الحضور - الصورة من موقع عرب 48

|نواف عثامنة|

نواف عثامنة

عقد مركز مدى الكرمل بداية الأسبوع الحالي المؤتمر الأول لطلبة الدكتوراه الفلسطينيين الذين يدرسون في جامعات مختلفة في البلاد وخارجها. يستحق هذا المؤتمر لقب الحدث التاريخي لما شكله من إطار معرفي يجمع طالبات وطلاب دكتوراه من الجيل الجديد، طلاب فلسطينيين من شقي الوطن ومن بعض دول الشتات؛ إطار قد يشكل الخطوة الأولى نحو بناء مشروع بحثي فلسطيني شامل، خاصة أنّ مركز مدى يطمح، كما أعلن المسؤولون فيه، إلى مأسسة هذا الاطار وتناوب عقده ما بين الناصرة ورام الله وإحدى الدول الغربية، لاتاحة الفرصة أمام الجيل الجديد من باحثاتنا وباحثينا للمشاركة من دون عناء الحواجز العسكرية وإثم التطبيع مع الدولة العبرية. وهو فعل تحدٍّ ومقاومة لواقع التجزئة المفروض علينا عنوة، وممارسة فعلية للم شمل أجزاء هذا الشعب.

هو أيضاً حدث نوعي يستحق الثناء من ناحية نوعية المشاركات والمشاركين، ومن ناحية المواضيع البحثية والمعرفية التي تناولها. لاحظ المشاركون في المؤتمر من المستمعات والمستمعين بروز الحضور النسائي على منصة المداخلات وبين الجمهور– عشرات الطالبات والطلاب الجامعيين من مختلف جامعات وكليات البلاد ومن مراحل دراسية مختلفة. عشر طالبات دكتوراه، من بين خمسة عشر، وقفن على المنصة بثقة تامة وحضور واعد ليقدمن أوراقهن البحثية المتنوعة، من العلوم الاجتماعية، والقانون، والتاريخ والعلوم السياسية. لا شك أنّ هذا الحضور النسائي المميز هو مؤشر أمل يبعث على التفاؤل والاستبشار خيراً بنهضة هذا الشعب. ولا بد هنا من كلمة حق وتقدير للنائبة العربية الوحيدة التي رأت من واجبها المشاركة في جلسات المؤتمر جميعها بدافع حبّ المعرفة وبدافع واجب الدعم والمآزرة، أما بقية نوابنا فلا لوم ولا عتب؛ فهم المخضمرون متعددو الولايات النيابية ولهم باع طويل في المعرفة والأبحاث الأكاديمية التي تشغل هذا الجيل الجديد.

لم تحضر الرصانة الأكاديمية والتجديد البحثي ولهفة الشباب فقط في المؤتمر، بل كان للعاطفة والانفعال حضور ملحوظ، حيث عبر الجميع بلا اسثناء عن الفرحة والسعادة لهذا الشمل، كما عبروا عن حاجتهم الوجدانية والعلمية لمثل هذا الإطار المساند والداعم.

هذه الميزات أعلاه لا تفي المؤتمر حقه، ولكنها كافية للتأكيد على العلامة الفارقة التي شكلها وما يمكن أن يشكله مستقبلاً. مع ذلك، ثمة ميزة أخرى تستحق عناء الملاحظة والتسجيل؛ عُقد المؤتمر في مدينة الناصرة ولم يحضره من بين المستمعين والمستمعات إلاً ثلاثة أكاديميين محاضرين لا رابع لهم (طبعا باستثناء رؤساء الجلسات وأعضاء اللجنة الأكاديمية)، واحد منهم يسكن في نتسيرت عيليت وليس من الناصرة. الناصرة المدينة والمنطقة تعج بعشرات الأكاديميين والمحاضرين المتمرسين، لم يكلف أي منهم عناء المشاركة ولو لنصف ساعة. قد يكون هؤلاء ممن قضوا خيرة سنوات حياتهم في الأكاديمية والأبحاث وليس من بين الجيل الصاعد من زميلاتهم وزملائهم من يستطيع الاسهام في توسيع رقعتهم المعرفية. ربما هذا صحيح. ولكن صحيح أيضاً أن هؤلاء الطالبات والطلاب بحاجة ماسة للدعم والتدعيم والمشورة الجيدة، وربما التوجيه. هم بحاجة لخبرتكم ودعمكم؛ هذه الميزة من الغياب المتعنت لكم، كانت لافتة وصارخة. ليس صدفة أن يبحث المشاركون والمشاركات عنكم خلال الاستراحات ويتساءلون عن سر غيابكم. ونحن نسأل من باب العتب: لماذا؟

في هذا الوضع يحق لنا، ومن واجبنا أن نسأل هل هذا بسبب: “أنا لست على المنصة، فأنا غير موجود”. طبعاً تلقيتم الدعوة وقرأتم وقرأتن الاعلانات المنشورة في كل الصحف والمواقع العربية، فلماذا لم تفكروا أن هؤلاء بحاجة لكم ولرعايتكم؟

قد تقيم حركة سياسية أو ثقافية تدعوا إليها أكاديميينا، فيلبون النداء مثنى وثلاثا ورباعا وخماسا، بل وأرهاطا. وما أن يكتشف بعضهم أنه ليس ضمن “قائمة المسؤولين” حتى تفرط حبات المسبحة تباعا وتتبعثر، بل قد يذهب بعضهم إلى سلاح المقاطعة (ضدك وليس ضد إسرائيل طبعاً). وكأن لسان حال أكاديميينا ومحاضرينا (وليس كلهم، معاذ الله من التعميم) يقول، كما كنا نقول ونحن صغار في “حارة النزلة” في بلدتي كفر قرع، حين نجد شلة ما قد سبقتنا إلى بيادر البلد، “يا بلعب يا بخرب”.

قُدمت خلال المؤتمر مداخلات مجددة في غالبيتها في المجال البحثي، تناولت مواضيع ومجالات بحثية متنوعة. صحيح أن موضوعات المؤتمر أمتدت على مجالات علمية وبحثية عريضة ومتنوعة، ولكن لفت وجود ثغرة بحثية: لماذا لا يوجد بحث حول “سيكولوجية الأكاديمي الفلسطيني في الداخل”؟

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>