نتنياهو، ايران وقنبلة بوباي!/ فراس خطيب

خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في الأمم المتحدة أقرب إلى المسرحيات من الحقيقة. قد يذكرها الإعلام وصفحات الساتيرا، قد ينقسم المحللون بين متهكم عليها ومعجب بها، لكنّ الخطاب نفسه كان بعيدًا عن كونه تاريخيًا، بل يقترب إلى الفقاعة الإعلامية أكثر منه إلى الواقع السياسي، لن يذكره أحد كما يذكرون نيكيتا خورتشوف حين ضرب بحذائه منبر الأمم المتحدة، وبالطبع لن يكون نتنياهو في كتاب تاريخ واحد مع وينستون تشرتشل. إنَّ ذروة خطابه تجلّت بعد يوم واحد من إلقائه، وهناك تنتهي مدة صلاحيته، ليذكره العالم فيما بعد، ويبتسم، دون أن يتعمّق أو أن يدرس شيئًا اسمه “تخصيب اليورانيوم”

نتنياهو، ايران وقنبلة بوباي!/ فراس خطيب

نتنياهو يخطب في الأمم المتحدة برفقة رسمة القنبلة...

<

|فراس خطيب| 

عشرون ساعة عمل نتنياهو على صياغة خطابه. ليس واضحًا كم من الوقت استغرقه  حتى صرخ “يوريكا”، وسطعت فكرة “الرسم باليورانيوم”. رسم نتنياهو قنبلة، تُذكر إلى حدٍ ما بقنبلة “توم وجيري”، تلك القنبلة التي كان يشعلها توم متربصًا بجيري، لكنَّ لسوء حظ القط التعيس، كانت القنبلة تنفجر في حضن الكلب النائم بعيدًا عن عراك الاثنين، دونما قصد توم، وعندها، ينتقم الكلب من توم، ويبتسم مُحبّو جيري.

يبيّن خطاب نتنياهو كم يحبّ هذا الرجل أمريكا، حبٌ يفوق القلق الدفين بين سطور الخطاب. لو أنَّ نتنياهو لم يغادر أمريكا وهو في عزّ شبابه لتبوّأ منصبًا رفيعا هناك. غادر نتنياهو الولايات المتحدة بعد أن قضى ردحًا من الزمن هناك، وكان شابًافي نهاية العشرينيات حين أطلق على نفسه اسم “بينجيمن نتاي”، وكان متحدثًا بارعًا ومدافعًا صنديدًا عن إسرائيل في المحافل الأمريكية. غادر نتنياهو أمريكا، لكنّ أمريكا لم تغادره.

وبما أنَّ منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي يستدعي نتنياهو البقاء في إسرائيل لإتمام مهامه، فهو يحاول التوفيق بين عشقه لبلاد العم سام، وبين عمله في إسرائيل. ربما لم يعد يحلم بأمريكا كما كان، لكنه ظلّ يعشق الخطابات هناك، في الكونغرس (خصوصًا اذا كانت الأغلبية من الجمهوريين) أو في البيت الأبيض (يفضّله دون الرجل الأسود)، وهناك في لقائه مع منظمة “ايباك”، أو من على منبر الأمم المتحدّة في نيويورك. هذه هي الحلبة التي يحبّ، هناك يشعر براحة أكبر، ليس فقط لأنه يتقن الانجليزية، بل لأنه يتقن القضايا الدولية أكثر بكثير من التعاطي مع قضايا دولته مثل غلاء الأسعار وتراجع التربية والتعليم والفقر والبطالة وإغلاق الصّحف وتفشّي العنف. فهو يعشق الحديث عن “أمور عليا”، عن تاريخ الشعب اليهودي مثلا، وحقه على أرض إسرائيل، والنوويّ الإيرانيّ طبعًا. كانت تلك الوصفة جاهزة في الأمم المتحدة. هناك تحدّث عن والده (وعن حميه طبعًا)، وتحدّث عن إيران، وتجاهل الفلسطينيين. تمامًا كما يحبّ، وهكذا كان في الأمم المتحدة. لكن من يبحث عن رؤية سياسية، عن “شق طريق” أو عن “فرض واقع”- فلن يجدهما في حديث نتنياهو.

في خطابه الأخير شاهد العالم قائدًا شابًا كانت الحظوظ في طريقه كثيرة، لكن ما يمنح نتنياهو القوة ليس حنكته السياسية، ولا خطاباته هذه، ولا الرسوم البيانية، ولا قنابل “بوباي”، بل الفراغ الداخليّ والدوليّ

لم يأت بنيامين نتنياهو من الفراغ ليصبح زعيمًا. بحوزته سيرة ذاتية تراوح بين الأعمال والديبلوماسية والسياسة. خريج سرية هيئة الأركان (“سَييرت مَتكال”)، درس في الولايات المتحدة ودخل المعترك السياسيّ في عام 1988 في عهد إسحق شامير. خصومه الداخليون كانوا كثرًا إلى حين تبنّاه شمير ووضعه في مكتبه. ومن هناك انطلق ليصبح رئيسًا للحزب عام 1993، ورئيسًا للحكومة عام 1996.

في خطابه الأخير شاهد العالم قائدًا شابًا كانت الحظوظ في طريقه كثيرة، لكن ما يمنح نتنياهو القوة ليس حنكته السياسية، ولا خطاباته هذه، ولا الرسوم البيانية، ولا قنابل “بوباي”، بل الفراغ الداخليّ والدوليّ. فلا أحد يردعه عن هذا المنطلق. لا معارضة داخلية قوية، ولا خارجية ضاغطة. فبعد عشرين عامًا من المفاوضات الاسرائيلية- الفلسطينية التي لم تخلف سوى الاستيطان والانتهاك، كان على الفلسطينيين أن يضعوا الخط الأحمر لنتنياهو. لكن ما فعله الفلسطينيون هو أنهم تحدثوا في أمريكا عن عواطف تنقصها السياسة، بينما تركوا الساحة لنتنياهو في معقل بيته يضع الخطوط الحمراء لمن يشاء، متجاهلاً القضية الأكبر في الشرق الأوسط، وهي بالمناسبة ليست “الخطر الايرانيّ”، إنما الاحتلال الأخير في العالم.

لقد ألقى نتنياهو خطابه في نيويورك، لكنَّ أهدافه تفوق حدود نيويورك. فهو يجد سهولة بالتحدّث إلى سكان تل أبيب من نيويورك لا من الكنيست. هو أراد أن يسمعه الأمريكيون من جهة، والاسرائيليون من جهة أخرى (لكن دون أن يحدّث الاسرائيليين عن قضاياهم الملّحة). لقد أعلن الحرب على الورق. ولا يهم ما اذا كان سيقدم عليها أم لا. هذه هي لعبته، هو يريد أن يعلن حالة الحرب من أمريكا ليستفيد منها إسرائيليًا. فمن السّهل عليه وضع إيران على أجندته الانتخابية والعالمية بدلا من التعاطي مع قضايا إسرائيلية عالقة. خطابه القادم سيكون مسرحية أيضًا، بطلها هو في مقابل ايران، وسيهمل موضوع الفلسطينيين، فهو يرى القضية سهلة؛ بالنسبة له من يريد أن يفاوضه فليذهب إلى القدس، فهو مستعد لعشرين عامًا أخرى من المفاوضات مع الفلسطينيين دون أن تشمل القدس.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>