مشهد من الموت والعبثية في مسرحية “شرق أوسط جديد”/ رشا حلوة

مشهد من الموت والعبثية في مسرحية “شرق أوسط جديد”/ رشا حلوة

مسرحية “شرق أوسط جديد” هي من تأليف الكاتب الجولانيّ معتز أبو صالح، وإخراج المخرج بشار مرقس، تمثيل كلّ من آمال قيس وهنري إندراوس، سينوجرافيا لمجدلة خوري ومن إنتاج “مسرح عيون- الجولان للتنمية”.

ME31000

| رشا حلوة |

rasha-qadita

في منجرة صغيرة عند طرف الجبل في قرية مجدل شمس، في الجولان السوري المُحتل، اختار طاقم مسرحية “شرق أوسط جديد” العمل على المراجعات قبل جولة عروض يوليو (تموز) الماضي.

اختيار المنجرة والموقع جاء بناء على رغبة الطاقم بالعمل في مكان هادئ بعيد عن ضجيج الحياة اليومية. لكن الهدوء لم يكن سوى الصمت الذي عقب أصوات القصف ما وراء هذا الجبل، في سوريا، فكان الواقع حاضراً في النص والمسرحية ضارباً العبث بعرض الحائط.
يدخل الجمهور إلى القاعة، في العرض العاشر للمسرحية بعد ثلاث عروض في عكّا وستة في الجولان والأخير في حيفا قبل إجازتها لمدة شهرين. على منصة المسرح تراب وسخ مليء بالحجارة، كأي تراب في منطقة بعيدة معزولة لا يصلها البشر. لكن داخل تراب المنصة هذا، حُفرت حفرة ووضعت داخلها امرأة. على يسارها يقف القاتل (الجندي حسب النص) الذي وظيفته فقط إعدام المرأة ببطئ من خلال دفنها بالتراب. وخارج “المنصة الترابية”، يجلس الثنائي الموسيقي تريز سليمان ويزن إبراهيم مؤلفا موسيقى المسرحية.

القصة
مسرحية “شرق أوسط جديد” هي من تأليف الكاتب الجولانيّ معتز أبو صالح، وإخراج المخرج بشار مرقس، تمثيل كلّ من آمال قيس وهنري إندراوس، سينوجرافيا لمجدلة خوري ومن إنتاج “مسرح عيون- الجولان للتنمية”.

تحكي المسرحية قصة قاتل (جندي) مُقنّع يقوم بدفن امرأة حيّة بالتراب، من خلال تنفيذ “أوامر عُليا” من جهة لا نعرفها، وكذلك إعدام المرأة على “تُهمة” لا يعرفها المشاهد ولا هي. لكن السبب لا يشكل هاجساً لدى كاتب النص، إنما فعل القتل بدم بارد من خلال الدفن، الذي لا يبتعد عن الحقيقة أبداً وما يحدث حولنا.

إنّ المسرحية هي مشهد كامل من الموت والعبثية الذي تعيش فيه تفاصيل حيّة ومبهجة وكوميدية ووجودية، ففي أحد المقاطع تكون المرأة في الحفرة حاملة في يدها مرآة وتضع “الروج” الأحمر على شفتيها في نفس الوقت الذي يستمر “الجندي” بردمها بالتراب.
ثنائية القتل والحياة، يصل إلى أبعد من تفاصيل صغيرة أو حوار يدور بين المرأة وقاتلها، فالذروة هي حين تزيل القناع عن “الجندي”، لتكتشف أنّه حبيبها القديم، الذي يقتلها في النهاية، ويموت هو مجازاً.

واقع العبث 
كان قد استلم المخرج بشار مرقص النص بنسخته الأولى من كاتبه معتز أبو صالح نهاية العام الماضي، وبعد قراءته، قال بشار لمعتز:”هذا النص لي”. أيام عديدة مرّت على العمل المشترك ما بين الكاتب والمخرج على إعداد النص والدراماتورجيا، وبين المخرج والمصممة على الديكور قبل مرحلة التدريبات. كلّ هذا خلال فترة بحث قام بها المخرج إلى أنّ كتب في محرك البحث الإلكتروني جملة “جندي يدفن أحياء”، فاكتملت الصورة، ووصل إلى نتيجة أنّ:”لا عبث بعد اليوم، كلّ شيء أصبح حقيقة”.

نجح المخرج بأنّ يحضر هذا الواقع إلى خشبة المسرح، من خلال عوامل عديدة بالإضافة إلى الموضوع، أهمها عملية الدفن الحقيقة الثقيلة التي تحدث على الخشبة (مع التقنية المُستخدمة التي تجعل الجمهور يرى بأن المرأة تُدفن تماماً)، مما خلقت حالة حداد على الجمهور خلال وبعد انتهاء المسرحية.

والعامل الثاني هو وجود الثنائي الموسيقي بجانب “المنطقة الترابية”؛ لم تُعطى مساحة كبيرة للموسيقى مقارنة بوجود الموسيقيين فعلياً على المنصة، فكان هدف المخرج أنّ لا ينتقص من أثر “الواقع” على الجمهور بما فيه تقديم الموسيقى حيّة وغير مُسجلة.

في حديث خاص لـ 24 مع مخرج المسرحية، بشار مرقص، قال:”لوّ لم يكن في المسرحية قصة الحبّ، لما وافقت عليها. لأنّ من ناحيتي حين أفكر بمعنى المسرحية بالنسبة لي؟ أجيب بأنها قصة حبّ. بعدما قرأت النص قلت أي نعم الدفن فعل قوي بلغة المسرح ويتحدث تماماً مع واقعنا اليومي والتاريخي، لكن في قصة الحبّ نجد كلّ شيء ونتأثر، إنها قمة العمل التي تثير الأسئلة حول قتل شخص لشخص يعرفه، هذا القتل المزدوج، يناقش قضية إنسانية تماماً. أنا لا أعرف مع من أتعاطف، فأبكي على الجندي تماماً كما أبكي على المرأة بنفس الوقت”.

لغة عالمية
تتميز “شرق أوسط جديد” بكافة عوامها المسرحية والأدبية. على مستوى المسرح الفلسطيني- الجولاني، فهي أيضاً بمثابة إنتاج محلي تماماً من ناحية النص والإخراج والموضوع والطاقم، يمشي يداً بيد مع إنتاجات وعديدة ترسم مرحلة جديدة في المشهد الفنّي والثقافي، غير المنفصل عن واقع ناسه وبلده وتفاصيل الحياة اليومية وقضيته الإنسانية.

وعلى مستوى نص المسرحية، فهي تعمل على محورين: الأول بترابطه من جهة مع واقع يحدث الآن وليس بعيداً جغرافياً، ومن جهة أخرى ارتباطه مع تاريخ شعوب عديدة عاصرت ولا زالت تعاصر القتل لا الجسدي فقط، إنما الثقافي والحضاري أيضاً من قبل الاستعمار والأنظمة وأي سلطة كانت، هذا يعطي النص فرصة مخاطبة جمهور أوسع سينجح بالتواصل مع موضوع المسرحية لأنها تحاكيه وتحكي عنه.

 

 

عن موقع “24″

 

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>